بينما يواصل دونالد ترامب الدفاع عن فلاديمير بوتين بطريقة علنية، تفطّن سياسيون أمريكيون إلى التدخل الروسي في المسار الديمقراطي للولايات المتحدة الأمريكية، حيث شرع هؤلاء في ضخ عشرات الملايين في مبادرة دعاية مضادة.
ربما يواصل ترامب سعيه لكسب رضا بوتين، لكن الولايات المتحدة تستعد بهدوء لشن حرب إعلامية ضد روسيا. وتجدر الإشارة إلى أن الحملة الرئاسية لسنة 2016 لفتت الانتباه إلى مفهوم وفعالية المعلومات كسلاح، إذا ما استخدمت بطريقة صائبة.
إن الحكومة الروسية حاولت، من خلال “ويكيليكس”، و”أر تي”، و”سبوتنيك”، زرع الفتنة بين الأمريكيين، وذلك وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن المخابرات الأمريكية. وقد نجحت هذه المحاولات إلى حد ما
وفي الحقيقة، فإن الحكومة الروسية حاولت، من خلال “ويكيليكس”، و”أر تي”، و”سبوتنيك”، زرع الفتنة بين الأمريكيين، وذلك وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن المخابرات الأمريكية. وقد نجحت هذه المحاولات إلى حد ما، من خلال تشكيك الأمريكيين في المؤسسات وفي الصحافة، وأيضا من خلال تقويض حملة هيلاري كلينتون.
وفي هذا السياق، قال كارل ألتو، مدير اللجنة الوطنية المشتركة بين الولايات المتحدة والبلطيق، والتي تحاول التصدي للتضليل الذي تمارسه موسكو، إن “روسيا تحاول خلق حالة من الفوضى المدنية، وزعزعة الثقة في المؤسسات. إن ذلك يعدّ بمثابة تهديد وطني، وهو أمر يجب على المواطنين المسؤولين أن يعوه”، وفي الواقع، قال مراقبون إن التدخل الروسي في المسار الديمقراطي الأمريكي، أثبت أن عدة سياسيين لم يدركوا ما يحدث، إلا أن تقارير الاستخبارات، قبل وبعد الانتخابات، جعلتهم يصحون من غفوتهم.
وهذا ما تحدث عنه دونالد جنسن، وهو زميل بارز في مركز لتحليل السياسات الأوروبية، قائلا إنه “لم يتم إيلاء الأمر الانتباه اللازم، لكن ذلك تغير عندما استُهْدفت حملة هيلاري، عن طريق القرصنة، خلال الصيف الماضي. فإذا تجولت خلال ربيع سنة 2016 في أنحاء المدينة، وسألت أعضاء مجلس الشيوخ والنواب إذا كان الأمر يمثل مشكلة، فإنهم سيجيبون بعبارة: لا”.
إن حكومة الولايات المتحدة تنفق عشرات الملايين من الدولارات، لمواجهة الدعاية التي أطلقها فلاديمير بوتين. وقد احتوى مشروع “قانون السياسة الدفاعية السنوي”، الذي أقره الكونغرس، هذه الخطوة الجديدة التي تعتمدها الولايات المتحدة.
في المقابل، قد لا تكون هذه المبادرة الأمريكية الجديدة ناجعة في ظل إدارة ترامب، إذ أن هناك شك فيما إذا كانت الإدارة ستستخدم أداة الدعاية بحكمة. والجدير بالذكر أن علاقة ترامب بفلاديمير بوتين هي التي أدّت إلى طرح مثل هذه التساؤلات. وفي الحقيقة، يطرح هذا القانون الجديد تساؤلا عما إذا كان منح أداة دعاية جديدة للرئيس يُعتبر فكرة جيدة؟
عادة ما تكون قرارات الكونغرس ضد أعداء الولايات المتحدة على شكل عقوبات، أو من شأنها أن تُشكّل أزمة في اقتصاد العدو، إلا أن مواجهة الدعاية وحرب المعلومات تعدّ أكثر تعقيدا. وقد تم إطلاق مبادرة بين السيناتور روب بارتمان، من الحزب الجمهوري، والسيناتور كريس مورفي، من الحزب الديمقراطي؛ حيث قاما بتخصيص 160 مليون دولار للتصدي للدعاية، وذلك من خلال إنشاء مكتب داخل وزارة الخارجية، أطلق عليه اسم “مركز المشاركة العالمية”.
ومن جهته، قام كل من السيناتور بن كاردين وجون ماكين باقتراح عقوبات ضد روسيا، كما عمدا كذلك إلى تكريس 100 مليون دولار لمبادرة مورفي وبارتمان، وذلك بهدف دعم الصحافة الروسية الموضوعية، والتصدي “للأخبار الزائفة”، ودعم الأبحاث حول آثار حرب المعلومات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة، التي ستبدأ العمل بها في وقت لاحق من هذا العام، ستكون أول مبادرة مركزية للدعاية المضادة ضد روسيا، منذ تسعينات القرن الماضي، عندما جعلت الحرب الباردة الدعاية المضادة أمرا غير مجد.
وستعمل هذه المبادرة على تحديد حملات الدعاية الأجنبية، وتحليل التكتيكات والتصدي لها من خلال سلسلة من المنح، التي ستُقدم للصحفيين الأجانب، ومنظمات المجتمع المدني، والشركات الخاصة.
وفي هذا الصدد، صرح بارتمان لصحيفة الدايلي بيست إنه “من خلال مواجهة مباشرة للأخبار الكاذبة، وتمكين وسائل الإعلام المحلية ومنظمات المجتمع المدني من الدفاع عن أنفسهم ضد التلاعب الأجنبي، سيساعد هذا التشريع على دعم حلفائنا، فضلا عن دعم مصالحنا في هذا العالم، الذي ما انفكّ يفقد استقراره”.
من جهة أخرى، ستخصص هذه المنح لمنظمات مستقلة، مثل مواقع “بيلينغ كات” ((Billing Cat و”ستوب فايك” (Stopfake.org)، وهي مواقع روسية، تعمل على نشر معلومات صحيحة، وعلى مواجهة المعلومات الخاطئة، التي تنشرها روسيا حول أوكرانيا.
وفي هذا السياق، قالت ألينا بولياكوفا، نائبة مدير مركز “أوراسيا” التابع للمجلس الأطلسي، والتي تعد من أوائل المؤيدين للمبادرة الأمريكية الجديدة، إنه “لا يمكننا الرد على الدعاية بمزيد من الدعاية. إن الرد المناسب يتمثّل في استخدام الميزة الأساسية التي تتمتّع بها المجتمعات الغربية ضد الأنظمة الاستبدادية؛ وهي تعدد وقوة المجتمع المدني”.
والجدير بالذكر أن مركز المشاركة العالمية أنشئ في البداية خلال فترة رئاسة أوباما، بهدف التصدي لدعاية تنظيم الدولة، إلا أن الإجراء الذي اتخذه بارتمان ومورفي، وسّع نطاق عمل المركز، بهدف استهداف الدعاية التي تطلقها أجهزة حكومية، مع اعتبار روسيا خصما أساسيا. كما ضاعف هذا الإجراء تمويل المركز بحوالي 16 ضعفا، حيث تم في البداية تكريس 5 ملايين دولار سنويا كتمويل للمركز، وذلك وفقا لمكتب مورفي.
إن حرب المعلومات لا تزال شبيهة بساحة معركة، يعد فيها الروس أكثر تقدما. وفي الحقيقة، فإن هذه الحرب هي فكرة رسمية، أعلنت عنها روسيا في “عقيدتها” العسكرية، وتم نشرها للعلن سنة 2013
ومع ذلك، فإن حرب المعلومات لا تزال شبيهة بساحة معركة، يعد فيها الروس أكثر تقدما. وفي الحقيقة، فإن هذه الحرب هي فكرة رسمية، أعلنت عنها روسيا في “عقيدتها” العسكرية، وتم نشرها للعلن سنة 2013. كما أن بوتين يستثمر عدة أموال في هذا المجال، حيث تتوقع بولياكوفا أن روسيا تنفق، كحد أدنى، 400 مليون دولار سنويا على حرب المعلومات ضد الولايات المتحدة.
ووفقا لبولياكوفا، فإن “روسيا تحظى بإستراتيجية إعلامية معقدة ومدروسة جيدا، إذ تسعى من خلالها للتأثير على السياسة في الدول الغربية، بطريقة معقدة ومنقطعة النظير”. وخلافا للحرب الباردة، فإن بوتين لا يحتاج لتعزيز الشيوعية على النمط السوفييتي، وما عليه سوى أن يقوّض الديمقراطية في الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، قال جنسن إنه “لا يجب على روسيا أن تروج لأيديولوجية، بل هي تحتاج فقط لاستغلال الانقسامات في الغرب، وتشكيك الغربيين في قيمهم، وفيما هو صواب وخطأ… هناك تهاون في الغرب حول الخطر الذي يشكله هذا الأمر”.
ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة ابتعدت كثيرا عن لعبة حرب المعلوماتية، بعد إغلاق وكالة الإعلام الأميركية في سنة 1999. كما تم تركيز كل جهود مكافحة الدعاية في السنوات الأخيرة، لأجل التصدي لدعاية الجهاد، بدلا من التركيز على روسيا.
وقد ركز مركز المشاركة العالمية، خلال تشكيله أثناء فترة رئاسة أوباما، على استهداف دعاية تنظيم الدولة ومحاولة التصدي لها، من خلال إرسال رسائل لمتطرفين قد ينضمون للتنظيم. لكن التنظيم كانت له ميزة استخدمها ضد حملة الغرب هذه؛ إذ لم تكن الولايات المتحدة وحلفاؤها متفقين على صيغة موحدة للرسائل المتصدية للتنظيم، حيث تم انتقاد بعض من هذه الجهود، خاصة تلك التي احتوت أشرطة فيديو تظهر جرائم ارتكبها التنظيم، إذ اعتبر العديد من الخبراء أن هذه الجهود محرجة، وقد تكون مفيدة للعدو.
وبالتالي، بدا أن هذه المبادرات لا معنى لها، على الرغم من جهود العقول المبدعة في “هوليود”. وفي نهاية المطاف، استخلص المسؤولون الأمريكيون أن التنظيم يعدّ أكثر فعالية في نشر الرسائل، مقارنة بقدرة الولايات المتحدة على التصدي لها، ومن جهتها، تضافرت جهود الولايات المتحدة الأمريكية خلال حرب المعلومات هذه، حيث أنفقت 24 مليون دولار لقيادة طائرة في جميع أنحاء كوبا، للترويج لبرامج تلفزية أمريكية، قامت الحكومة الكوبية بمنعها على الفور. وتجدر الإشارة إلى أن تلك الفكرة كانت غير مدروسة، أو ربما تم تنفيذها بشكل سيء.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت الولايات المتحدة محاولاتها بهدف تحقيق إمكانية الولوج إلى الإنترنت والترويج لأدوات تتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بهدف تمكين المعارضين والناشطين في مجال الديمقراطية، بما في ذلك أولئك المتواجدين في روسيا.
لكن كانت لهذه الجهود على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي على غرار تويتر وفيسبوك نتائج عكسية، حيث يعتبر بوتين هذه الأدوات مجرد جهود مدعومة من قبل الولايات المتحدة تهدف إلى الإطاحة به، الأمر الذي دفعه إلى نشر أخبار وهمية أو أخبار موالية لروسيا، لكن مع ذلك، بدأت كل من عدوانية وفعالية روسيا، بالإضافة إلى الجهود الأمريكية غير الناجعة، في لفت الانتباه إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
اقترح المدير السابق للمخابرات القومية، جيمس كلابر، إعادة تأسيس وكالة المعلومات الأمريكية بهدف التصدي لحملة التضليل
ففي إحدى جلسات الاستماع النهائية له في كابيتول هيل، اقترح المدير السابق للمخابرات القومية، جيمس كلابر، إعادة تأسيس وكالة المعلومات الأمريكية بهدف التصدي لحملة التضليل. وقد استحسن عدة مشرعين هذه الفكرة، حيث تحدث كل من السناتور الديمقراطي كريس كونز والسناتور الجمهوري تود يونغ عن مواجهة الدعاية الروسية في جلسة اعتماد وزير الخارجية ريكس تيلرسون.
ومن جهته، قال بارتمان خلال حديثه مع ديلي بيست إن “أعدائنا يستخدمون الدعاية الخارجية والتضليل ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وإلى حد الآن، لا زالت الولايات المتحدة غافلة عن ذلك. علينا أن نتصدى للأخبار الزائفة القادمة من روسيا والصين ودول أخرى، كما يجب علينا أيضا تعزيز انتشار المعلومات الصحيحة. علينا أن ننفذ القانون الجديد وأن يبدأ المركز في العمل لكي نتمكن من التصدي للدعاية الخارجية ولعمليات التضليل التي تشن ضدنا من قبل أعدائنا في الخارج”.
المصدر: ديلي بيست