آلة الحرب تحصد بصر الأفغان

09ae237e70ee1e088c91f9fdca8e0ee9

الحرب الأهلية المستمرة في أفغانستان، منذ سنوات طويلة، ألحقت أضرارًا بالغة بجميع القطاعات في البلاد وعلى رأسها قطاع الصحة، حيث تعرضت مستشفيات كثيرة للاستهداف من قبل جماعات مسلحة، فيما أغلقت أخرى أبوابها أمام المرضى، لعدم كفاية المستلزمات الصحية.

وأدت كثرة النزاعات وطول فترة استمرارها في البلاد، فضلاً عن النقص الحاد في الخدمات الطبية، إلى فقدان مئات الآلاف من الأفغان من فئات عمرية مختلفة أبصارهم في السنوات القليلة الماضية، بحسب إحصاءات لمؤسسات معنية.

وقال شاهين حسام رئيس المركز الوطني للمكفوفين في أفغانستان: “ما يقرب من 25 ألف أفغاني يفقدون بصرهم كل عام”، دون المزيد من التفاصيل عن هذا الإحصاء.

وأضاف أن “قرابة 3 آلاف طفل مكفوف يدرسون حاليًا في 7 مدارس حكومية في ولايات كابول وبلخ وهيرات وننكرهار وغزني، على الرغم من عدم توفير الحكومة كتب مدرسية لهم”.

ومن جانبه، قال بنافشه يعقوبي رئيس هيئة خدمات إعادة تأهيل المكفوفين في أفغانستان في تصريحات صحفية له: “أعداد المكفوفين في البلاد تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وهي فوق المعدل العالمي للمكفوفين”.

لجغرافيا أفغانستان الوعرة دورها أيضًا، فالبينة تشير إلى ميل المرضى الذين يعيشون في المناطق النائية للتوجه إلى المستشفيات الكبيرة بدلاً من العيادات الصغيرة عندما يقررون التماس العناية الطبية

وأضاف يعقوبي قائلاً: “تُشكل النساء نصف نسبة المكفوفين في أفغانستان، ويواجهن معاملة من الدرجة الثانية في المجتمع وحتى داخل أسرهن”.

وتابع “ترفض الكثير من الأسر الأفغانية إخراج أبنائها المكفوفين أمام الآخرين، كما تمنع خروج بناتها من البيت حال فقدانهن لأبصارهن حتى لا يواجهن معاملة سيئة من العامة”.

ولفت يعقوبي إلى أن النساء الكفيفات لا يتزوجن طيلة حياتهن، وأحيانًا يُصادف زواج نساء فاقدات للبصر بكبار في السن، وانتقد موقف الحكومة الأفغانية من المكفوفين، وقال “لم تنفذ السلطات أي عمل مهم تجاه المكفوفين حتى اليوم”، أما عن دور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في هذا القطاع، فوصفه يعقوبي بالدعم المحدود، وأضاف قائلاً “ثمة برامج تُنفذ بدعم من مؤسسات خاصة في حدود إمكانياتها، لا سيما في قطاع تعليم المكفوفين”، وأوضح أن برامج تعليم المكفوفين في أفغانستان تُقسم على 3 مراحل، أهمها وأبرزها، تعليم ما قبل المدرسة.

ولفت يعقوبي إلى أنه على الرغم من الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد حاليًا، هناك من ينجح في إكمال تعليمه من المكفوفين لكن فرصة حصولهم على عمل في المؤسسات الحكومية تكاد تكون مستحيلة.

الأكثر فساداً

ويعد قطاع الرعاية الصحية في أفغانستان أحد القطاعات الأكثر فسادًا في البلاد، وفقًا للدراسات الاستقصائية التي أجرتها منظمة الشفافية الدولية، وتشير الدراسات الاستقصائية العامة إلى أن غالبية الأفغان غير راضين عن الخدمات الصحية التي تُقدم إليهم.

وهذه واحدة فقط من التحديات العديدة التي تواجه النظام الصحي في أفغانستان، والتي حددها أول تقييم شامل لهذا القطاع نشرته دورية “ذا لانسيت” الطبية، وتوضح سلسلة المقالات الصادرة بعنوان “التحولات الصحية في أفغانستان” أن قطاع الصحة الأفغاني متخلف عن نظرائه في 12 دولة في المنطقة لديها سمات ثقافية واقتصادية وجغرافية مشابهة.

كما لا يوجد نظام وطني للتأمين الصحي في أفغانستان ويتحمل 78% من السكان نفقات الرعاية الصحية بأنفسهم، وبذلك يكون البلد الوحيد في العالم الذي لا يضم وزارة صحة وطنية، وفي فبراير 2014، نشرت منظمة أطباء بلا حدود تقريرًا بعنوان (بين الخطاب والواقع: الصراع القائم للحصول على الرعاية الصحية في أفغانستان)، كشف عن المخاطر الحقيقية والقاتلة في أغلب الأحيان والتي يواجهها الناس للحصول على الرعاية الطبية.

ووجد التقرير أن أغلبية المرضى المشمولين بالاستبيان والبالغ عددهم 800 مريض لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الطبية الأساسية بسبب غياب الأمن وبُعد المسافة وارتفاع الكلفة، أبلغنا 40% من الذين تمكنوا من الوصول إلى المستشفى بأنهم واجهوا معارك وألغام ونقاط تفتيش ومضايقات خلال مسيرتهم إلى المستشفى، وأظهرت شهاداتهم هوّة واسعة بين ما يتوفر على الورق من رعاية طبية وما هو متوفر على أرض الواقع.

البحث عن الأفضل

وبدورها، أسّست الحكومة الأفغانية والجهات المانحة منذ الإطاحة بنظام طالبان في عام 2001 والتدفق التالي لأموال المساعدات نظامًا وطنيًا للرعاية الصحية من الصفر تقريبًا.

وتعاقدت الحكومة مع المنظمات غير الحكومية لتوفير منظمومة أساسية من الخدمات في المناطق التي لا يمكن تغطيتها، وهذا ما سمح للحكومة، وعلى نحو أدق لوزارة الصحة، بالتركيز على الدور القيادي الذي يتضمن وضع السياسات والاستراتيجيات والتنسيق وإدارة العقود والرصد والتقييم.

ووفقًا لموقع “منظمة الصحة العالمية“، يقول خبراء الرعاية الصحية إنّ التمويل، رغم عيوبه، وإعطاء خدمات الرعاية الصحية في أفغانستان قد حققا خطوات ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية.

وتوفّر مؤسسةُ “ميرلين” غير الحكومية الخدمات الصحية للسكان الذين يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها مثل إقليم بدخشان في شمال شرق أفغانستان.

يأتي تمويل نظام الرعاية الصحية من ثلاثة مصادر رئيسة: التمويل الخارجي من الجهات المانحة والتمويل العمومي من الحكومة ومصروفات الجيب من المرضى، أما التأمين الصحي المجتمعي فغير معروف في أفغانستان: لم تكن تجارب 2004-2006 واعدة، وليس لدى الحكومة خطط محددة لإدراجه.

وفيما يتعلق بمصادر التمويل، تجاوزت مساهمات الجهات المانحة الإنفاقَ الحكومي بنسبة تتجاوز 9 إلى 1 مع مساعدة خارجية، ليقف القطاع الصحي لأفغانستان بما يزيد قليلاً على 223 مليون دولار لعام 2008 حسب ما تشير إليه الأرقام الحكومية.

أسّست الحكومة الأفغانية والجهات المانحة منذ الإطاحة بنظام طالبان في عام 2001 والتدفق التالي لأموال المساعدات نظامًا وطنيًا للرعاية الصحية من الصفر تقريبًا

أما الجهات المانحة الثلاثة الرئيسة فهي البنك الدولي ووكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية والمفوضية الأوروبية، وتأتي مساهمات مهمة أيضًا من عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة ومن التحالف العالمي للقاحات والتحصين والصندوق العالمي لمكافحة متلازمة العوز المناعي المكتسب والسل والملاريا.

من ناحية أخرى، يُشير تقرير المفوضية الأوروبية إلى أنّ مصروفات الجيب تتراوح بين 73% و79% من الإجمالي، بينما تأخذ تقديرات مستقلة عن منظمة الصحة العالمية الرقم إلى قيمة أكثر تواضعًا تقارب 60% (يُعتبر هذا التباين مؤشرًا على صعوبة الوصول لمعطيات معول عليها في أفغانستان).

ولكن، وفي كلتا الحالتين، بحسب ما يقول الدكتور أحمد عبد الرحمن، المسؤول الطبي لمنظمة الصحة العالمية: “تُشكل مصروفات الجيب الأمر الأكثر أهمية في بلد فقير مثل هذا”، ويُضيف “لقد أحرزت أفغانستان تقدمًا كبيرًا في مجال الرعاية الصحية على مدى السنوات القليلة الماضية، ولكن الشيء الغريب هو أنه في الوقت الذي ينمو فيه القطاع العام يزدهر القطاع الخاص أيضًا”.

هناك عدة أسباب لذلك، الأول هو ما يواجهه القطاع الصحي من نقص إجمالي في الموارد العامة، فقد أظهر بحثٌ في عام 2003 أنّ التكلفة التي ستتحملها أفغانستان عند توفير منظمومة رعاية صحية أساسية هي 4.55 دولار أمريكي للفرد وهو رقم أعيد ذكره مرارًا وتكرارًا منذ ذلك الحين.

وجدير بالإشارة أن لجغرافيا أفغانستان الوعرة دورها أيضًا، فالبينة تشير إلى ميل المرضى الذين يعيشون في المناطق النائية للتوجه إلى المستشفيات الكبيرة بدلاً من العيادات الصغيرة عندما يقررون التماس العناية الطبية.

وتستقبل العيادات في سامانغان، وهي مقاطعة معزولة بسبب تضاريسها الجبلية، نحو ثلث عدد المرضى الذي تتلقاه لغمان التي تتصف بتضاريس ألطف وإمكانية للوصول عبر الطريق الرئيسي بين كابول وباكستان.

قد يكون هذا الأمر ناجمًا جزئيًا عن وجود تمثيل أفضل للمرأة بين الموظفين في لغمان، بمعنى تفضيل الأمهات الحوامل والأطفال لتلقي العلاج هناك.

ويفرض ميل المرضى لاختيار مرافق الرعاية الصحية الثلاثية دون العيادات ضغطًا إضافيًا على نظام يعاني أصلاً من نقص التمويل، يدفع المرضى بطرقهم الخاصة للحصول على خدمات أفضل حتى في النظام العام الذي تكون فيه الرعاية الصحية مجانية.