تشهد القارة الإفريقية تطورات سياسية كثيرة وحراكًا دبلوماسيًا كبيرًا تزامنًا مع تجدد الصراعات في عدة دول، فضلًا عن موجة الانقلابات التي عرفتها بعض الدول الأخرى، إذ سقطت أنظمة وصعدت أخرى مكانها والكلمة الأخيرة كانت دائمًا للعسكر، رغم الضغوطات الممارسة ضدّهم.
في الأثناء، برزت العديد من الهيئات الإفريقية لإدارة الخلافات والأزمات في القارة وإعادة المياه إلى مجاريها، منها “إيكواس” و”إيكاس” و”إيغاد”، إلى جانب أجهزة الاتحاد الإفريقي، ورغم عدم تحقيقها أي تقدم ملحوظ في جهودها الدبلوماسية حتى الآن، إلا أنها ما زالت تحمل على عاتقها مسؤوليات وآمال كبرى.
“إيغاد”: من التنمية إلى جهود السلام
برزت منظمة “إيغاد” خلال الأزمة السودانية والحرب الدائرة بين الجيش الذي يقوده الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يقودها حميدتي، فقد طرحت الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا مبادرة “لتسهيل الحوار بين كل الأطراف لإيجاد حل جذري للأزمة السوادنية”.
سبق أن حاولت “إيغاد” تسوية نزاعات في السودان سنة 1993 عندما طلب الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير وساطتها في قضية جنوب السودان، كما سعت المنظمة في سنة 2003 إلى العمل على إيجاد تسوية للحرب في دارفور، وبعد انفصال الجنوب عام 2011، عملت على تسوية النزاعات في دولة جنوب السودان.
“إيغاد” هي منظمة حكومية إفريقية شبه إقليمية، تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 1996، وتتخذ من جيبوتي مقرًا لها، وتضم كلًا من: إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان، وفي عام 2011 انضمت دولة جنوب السودان إليها بوصفها العضو الثامن.
حلت المنظمة محل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالجفاف والتنمية “إيغاد” التي تأسست عام 1986 للتخفيف من آثار الجفاف الشديد المتكرر والكوارث الطبيعية الأخرى التي أدت إلى انتشار المجاعة على نطاق واسع، فضلًا عن التدهور البيئي والصعوبات الاقتصادية في المنطقة.
تمتد منطقة “الإيغاد” على مساحة تبلغ 5.2 مليون كيلومتر مربع، كما يبلغ عدد سكانها 230 مليون نسمة، وتملك نحو 6960 كيلومترًا من السواحل مع المحيط الهندي وخليج عدن وخليج تاجورة والبحر الأحمر، ولدى المنطقة ما مجموعه 6910 كيلومترات من الحدود الدولية مع مصر وليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وتنزانيا.
“إيكواس”:نجاح نسبي في ظل نفوذ أجنبي متنامٍ
نهاية يوليو/تموز الماضي، انقلبت عناصر من الحرس الرئاسي في النيجر على السلطة وأطاحوا بالرئيس محمد بازوم وأعلن قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه قائدًا للمجلس العسكري الجديد.
على الفور، أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة اختصارًا بـ”إيكواس”، تعليق جميع المبادلات التجارية والمالية مع النيجر، كما هدّدت بالتدخل العسكري لإعادة بازوم للسلطة، وبعدها برز اسم تلك المنظمة في العديد من التقارير ووسائل الإعلام.
أُسست المنظمة في مايو/أيار 1975 بموجب اتفاقية لاغوس، ويقع مقرها في أبوجا عاصمة نيجيريا، وتجمع 15 من بلدان غرب إفريقيا، ورفعت في البداية شعار تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول المنطقة كمدخل إلى اندماج اقتصادي شامل.
ويبلغ مجموع سكان دول المنطقة نحو 350 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة قارة إفريقيا، وكانت موريتانيا الدولة العربية الوحيدة العضو فيها لكنها انسحبت منها عام 2001.
يرتبط أعضاء “إيكواس” ببروتوكول لعدم الاعتداء والدفاع المشترك تم توقيعه عام 1978، ونص على إمكانية نشر قوة للفصل بين القوات المتحاربة في حال حصول صراع بين بلدين عضوين، كما أقرت المنظمة في ديسمبر/كانون الأول 1999، البروتوكول المتعلق بوضع آلية للوقاية والتدبير وحل الصراعات.
أسس هذا البروتوكول لإنشاء أول قوة فصل إفريقية للتدخل وقت الأزمات، وعُرفت باسم “قوة الإكوموك”، التي تدخلت قبل توقيع البروتوكول المتعلق بها في غينيا بيساو عام 1997، ثم في سيراليون عام 1998، وبعد ذلك في ساحل العاج عام 2002.
بعد سنتين من تدخلها في ساحل العاج، قرر قادة المنظمة تحويل “الإكوموك” إلى “قوة ردع”، وذلك في إطار تشكيل قوة التدخل والردع التابعة للاتحاد الإفريقي، التي أُوكلت إليها مهمة التدخل لحفظ الأمن والاستقرار في أيَّ بلد في القارة يشهد اضطرابات مسلحة.
نجحت “إيكواس” في وقف بعض الانقلابات العسكرية، كما تعاطت بقوة مع بعض الأزمات مثل أزمة مالي في 2012، وساحل العاج في 2011، لكنها ظلَّت عاجزة عن تحقيق أهدافها بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية في المنطقة، فضلًا عن النفوذ الأجنبي.
“إيكاس”: من الاقتصاد إلى السياسة
بعد أسابيع قليل من انقلاب النيجر، عرفت الغابون انقلابًا هي الأخرى، إذ أطاح العسكريون بالرئيس المنتهية ولايته، علي بونغو، بعد إعلان فوزه في الانتخابات، وعينوا قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغيما “رئيسًا للمرحلة الانتقالية”.
إثر ذلك، طالبت المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا “إيكاس” بـ”عودة النظام الدستوري سريعًا” إلى الغابون، ونددت المجموعة باستخدام القوة لحل الخلافات السياسية والاستيلاء على السلطة، إلا أن العسكريين لم يعودوا إلى ثكناتهم وواصلوا انقلابهم، وهو ما دفع “إيكاس” لتعليق عضوية هذا البلد الإفريقي حتى عودة النظام الدستوري فيه.
طرح الاتحاد الإفريقي العديد من المبادرات لتحقيق السلام، إلا أن هذه الجهود غالبًا ما باءت بالفشل
تقول المنظمة إن هدفها تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي في وسط إفريقيا، وتهدف أيضًا إلى “تحقيق الحكم الذاتي الجماعي ورفع مستوى معيشة سكانها والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي من خلال التعاون المتناغم”.
تأسست المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا في أكتوبر/تشرين الأول 1983، وبدأت عملها في عام 1985، لكنها ظلت غير نشطة لعدة سنوات بسبب الصعوبات المالية (عدم دفع رسوم العضوية من الدول الأعضاء) والصراع في منطقة البحيرات الكبرى.
تضم المجموعة في صفوفها 12 دولة وهي: أنغولا وبوروندي والكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية والغابون ورواندا وسان تومي وبرينسيبي.
الاتحاد الإفريقي
فضلًا عن هذه الهيئات يبرز الاتحاد الإفريقي الذي تأسس عقب مؤتمر استثنائي عقد في مارس/آذار 2001 بمدينة سرت الليبية، وحل محل الوحدة الإفريقية بعد 39 عامًا من تأسيسها عام 1963، ووضع ضمن أهدافه تحقيق وحدة وتضامن أكبر بين الشعوب والبلدان الإفريقية، والدفاع عن السيادة والأراضي والاستقلال لكل الدول الأعضاء، إلى جانب التعجيل بالتكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لإفريقيا.
يتكون الاتحاد من 17 جهازًا، من أهمها مؤتمر الاتحاد والمجلس التنفيذي وبرلمان عموم إفريقيا ومحكمة العدل وأمانة الاتحاد، وذلك إلى جانب لجنة الممثلين الدائمين واللجان الفنية المتخصصة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبنك المركزي الإفريقي.
طرح الاتحاد الإفريقي العديد من المبادرات لتحقيق السلام في دول القارة الإفريقية على غرار السودان والنيجر وليبيا، وعلى المستوى الدولي أيضًا، إلا أن هذه الجهود غالبًا ما باءت بالفشل ولم تحقق النتائج المطلوبة، مثلما حصل مع باقي الهيئات الإفريقية الأخرى لصعوبة الأمر.