في خطوة تصعيدية، هدّدت المملكة المغربية بإنهاء التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي والتركيز على شراكات مع دول وتكتلات أخرى إذا لم ينفذ الاتحاد مقتضيات اتفاقه الفلاحي مع المغرب بكامله دون المساس به، ملوّحة باستعمال ورقة الهجرة، بعد أكثر من شهر من رفض محكمة العدل الأوروبية طعن جبهة البوليساريو في اتفاقية التبادل الفلاحي القائمة بين الاتحاد والمغرب بدعوى استغلال الثروات الطبيعية للمناطق المتنازع عليها.
المغرب يهدّد
تهديد المغرب جاء عن طريق وزارة الفلاحة، التي قالت في بيان لها أمس: “التحركات التي تسعى إلى وضع عراقيل أمام ولوج المنتجات المغربية إلى الأسواق الأوروبية يجب أن تعاقب وتواجه بأكبر قدر من الصرامة والحزم من جانب شريكنا الأوروبي”، في إشارة إلى قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير استثناء منتجات منطقة الصحراء من الاتفاق الفلاحي الذي يجمع الطرفين.
غياب التزام صريح من طرف الاتحاد الأوروبي سيفرض على المغرب اختيارًا حاسمًا بين الإبقاء على الشراكة الاقتصادية أو نفض اليد منها نهائيًا
وأضاف البيان “مثل هذه المضايقات تهدد مسار تعاون استغرق سنوات عدة من البناء، مما قد يجعل المغرب مضطرًا إلى الإعراض عنه والتركيز على شراكات أطلقها في بلدان ومناطق متعددة، خاصة روسيا والصين والهند واليابان وبلدان الخليج، فضلاً عن جيراننا الأفارقة”، وأفرزت الزيارات الأخيرة التي قام بها العاهل المغربي محمد السادس إلى عدد من الدول في القارة الإفريقية والآسيوية، عديد من الاتفاقيات والشركات الاقتصادية.
المحكمة الأوروبية ألغت طعن البوليساريو
وزارة الفلاحة المغربية التي يشرف عليها رجل الأعمال عزيز أخنوش أكدت في بيانها أن غياب التزام صريح من طرف الاتحاد الأوروبي سيفرض على المغرب اختيارًا حاسمًا بين الإبقاء على شراكة اقتصادية تم نسجها بتؤدة أو نفض اليد منها نهائيًا من أجل التركيز على بناء علاقات ومسارات تجارية جديدة.
يشار إلى أنّ المغرب والاتحاد الأوروبي قد وقّعا الاتفاق عام 2012، ودخل حيز التنفيذ في أكتوبر 2013، والذي يمنح المغرب تخفيضات جمركية على المنتجات الزراعية والبحرية المصدَّرة إلى دول الاتحاد، تصل إلى نحو 70% على مدى 10 سنوات.
جبهة البوليساريو هي السبب
تهديد المغرب جاء بعد أكثر من شهر من رفض محكمة العدل الأوروبية طعن “جبهة البوليساريو” (جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) في اتفاقية التبادل الفلاحي القائمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب منذ عام 2012 بدعوى استغلال الثروات الطبيعية للمناطق المتنازع عليها.
وقالت محكمة العدل الأوروبية في ديسمبر 2016 إن الطعن غير مقبول، ملغية بذلك قرار محكمة الاتحاد الأوروبي الصادر في ديسمبر 2015 والقاضي بالإلغاء الجزئي للاتفاق الزراعي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وذلك استجابة لطلب تقدمت به البوليساريو، واعتبرت المحكمة، آنذاك، أن الاتفاق لا يحتوي على ضمانات استفادة سكان الصحراء من عائدات موارد المنطقة.
أكد قرار المحكمة أن منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المملكة المغربية و”جبهة البوليساريو” غير مشمولة بالاتفاق الزراعي الموقع بين الرباط وبروكسل
هذا القرار الأوروبي رغم كونه رفض طعن البوليساريو وحمّلها مصاريف الدعوى التي تقدمت بها إلى المحكمة وإلى مجلس الاتحاد الأوروبي، فإنّ البوليساريو اعتبرته انتصارًا لها، حيث تحاول الجبهة منذ سنوات التشكيك في الشراكة التي تجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي في عدد من المجالات كان آخرها الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة.
البوليساريو تطالب بوقف الاتفاق الفلاحي
وأكد قرار المحكمة أن منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو غير مشمولة بالاتفاق الزراعي الموقع بين الرباط وبروكسل، في الوقت الذي تعتبر فيه المملكة أن الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، فيما تقول الجبهة إن المنتوجات البحرية والزراعية القادمة من الصحراء والمتوجهة نحو الأسواق الأوروبية، تابعة لها وليس المغرب باعتبار أن الصحراء تحت سيطرتها وتعود إليها، حسب قولهم.
وسبق لوزير الاقتصاد والمالية المغربي، بأن قال في وقت سابق: “الخاسر الأول هو الاتحاد الأوروبي، ولا أحد يملك حق مساومة في قضية الوحدة الوطنية”، وبهذا تؤكّد المملكة المغربية أن الصحراء الغربية ملف أحمر.
المغرب يلوّح باستعمال ورقة الهجرة
تهديد المغرب، الأخير، بإنهاء التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، حمل في طيّاته أيضًا تهديدًا باستعمال ملف الهجرة لمعاقبة الاتحاد، إذ جاء في البيان “كل إعاقة لتنفيذ هذا الاتفاق تعد مسًا مباشرًا بآلاف مناصب الشغل لدى هذا الجانب وذاك في قطاعات جد حساسة، مع ما يحمله ذلك من خطر حقيقي لعودة تدفق المهاجرين الذي نجح المغرب، بفضل مجهود متواصل، في تدبيره واحتوائه”.
يرتبط المغرب مع الاتحاد الأوروبي باتفاقية شراكة من أجل الهجرة والتنقل بين الطرفين، تمّ توقيعها سنة 2013
ويلوح المغرب باستعمال ورقة الهجرة للضغط على الاتحاد وإجباره على العدول عن قراره القاضي باستثناء منطقة الصحراء الغربية من الاتفاق الزراعي الموقع بين الرباط وبروكسل.
يرتبط المغرب مع الاتحاد الأوروبي باتفاقية شراكة من أجل الهجرة والتنقل بين الطرفين، تمّ توقيعها سنة 2013 وتهدف إلى ضبط تيارات الهجرة والتنقل وتحقيق ملاءمة العرض والطلب على العمالة ومكافحة الهجرة السرية وتحسين الحماية الدولية للاجئين وتنظيم حركة الأدمغة وتنقلها كبديل عن حركة هروب الأدمغة.
الحاجز الحدودي بين المغرب وإسبانيا
ومنذ ذلك الوقت انخفض عدد المهاجرين وتمكن المغرب من تحجيم ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا انطلاقًا من أراضيه، بفعل سياسته الجديدة في مجال الهجرة إلى مركز استقبال لهؤلاء المهاجرين، ويقدّر عدد المهاجرين الأفارقة المقيمين فوق التراب المغربي بنحو أربعين ألفًا، غالبيتهم ينحدرون من بلدان جنوب الصحراء، قرروا حط الرحال بالمغرب بعدما لقوا صعوبات في اجتياز الحدود نحو الضفة الشمالية، بسبب الإجراءات الصارمة التي دأبت السلطات المغربية على استخدامها في السنوات القليلة الماضية.
ليست المرّة الأولى
سبق للمملكة المغربية أن قرّرت وقف اتصالاتها مع الاتحاد الأوروبي، رفضًا لقرار المحكمة الأوروبية، في ديسمبر 2015، الخاص بإلغاء اتفاق التبادل التجاري الحر لمنتجات الزراعة والصيد، بدعوى شموله منتجات مناطق الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، والتي توجد تحت السيادة المغربية، حيث قرّر العاهل المغربي محمد السادس، في الـ25 من فبراير 2015، وقف جميع الاتصالات الرسمية مع مختلف مرافق الاتحاد.
يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية
ومنح الاتحاد الأوروبي سنة 2008، المغرب صفة “الوضع المتقدم”، التي بموجبها أعطى الاتحاد للمملكة حق ولوج كل مجالات الفعل الأوروبي باستثناء الانضمام الكامل لبناه وهياكله، لا سيما التشريعية والتنظيمية، وجعلت هذه الصفة المملكة أقل من عضو كامل في الاتحاد وأكثر من شريك عادي، مما مكّنها من امتيازات كبيرة قلّ منحها لأي دولة.
ويعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية، حيث تمثل صادرات المملكة إليه 77% من مجمل صادراتها، كما تربطها عدة اتفاقيات كبيرة مع الاتحاد في مجالي الزراعة والصناعة، إضافة إلى اتفاق للتبادل الحر، ويبلغ حجم استثمارات الاتحاد الأوروبي القائمة حاليًا في المغرب نحو 2.1 مليار يورو.