ترجمة أميرة مصطفى
منذ بداية اندلاع الانتفاضة السورية في عام 2011، وجهت اتهامات لنظام بشار الأسد بتواطئه (في شراكة فعلية) مع الدولة الإسلامية ضد التيار الرئيسي للمعارضة. وهذه الاتهامات لها أساس كبير فى الواقع: خلال الاحتلال الأنجلو-أمريكي للعراق، تعاون الأسد مع مجاهدي الدولة الإسلامية في زعزعة الاستقرار في العراق، مما أسفر في مقتل الآلاف من المدنيين العراقيين، ومئات من القوات الأمريكية والبريطانية. وبمجرد اندلاع الانتفاضة السورية الجارية، قام النظام بإجراء تدابير مختلفة لدعم وتعزيز المتطرفين في التمرد. فتعاون الأسد والدولة الإسلامية جنبًا إلى جنب لترك سوريا كخيار ثنائي بينهما: فالأسد كان متأكدًا من أن هذا سيعيد تأهيله فى عيون العالم وتحويل نظامه الإجرامي إلى شريك فى المجتمع الدولى فى قمع التمرد الإرهابي، وكذلك أرادت الدولة الإسلامية حشد السنة لرؤيتها وولائها. وقد حان الآن لسكرتير البرلمان السوري تأكيد هذا.
الاعتراف
صرح خالد عبود، السكرتير التنفيذي لمجلس الشعب السوري (المجلس التشريعي)، في حوارٍ له مع التليفزيون السورى قائلًا الآتى:
أين داعش [الدولة الإسلامية] وجبهة النصرة [القاعدة في سوريا المعروفة الآن باسم جبهة فتح الشام] وجميع هذه الفصائل الجهادية الثورية. فجميعها على مشارف دمشق وضواحيها.
فلماذا لم تكن هناك أىة تفجيرات في دمشق؟ ولماذا هذه التفجيرات حدثت في المدن التركية بدلًا من ذلك؟ [لأن] المؤسسة الأمنية السورية والمخابرات السورية قد تسللت واخترقت عمق هذه الشبكات. وتمكنت من السيطرة على هياكل أساسية داخلها.
وبناءًا على ذلك، فى رأيي، لا أحد يستطيع أن يوقف ما يحدث فى تركيا بدون التعاون مع المؤسسة الأمنية السورية. فأنا أقول لك، أن الدولة السورية على وعي وإدراك لجوانب مهمة مما سيحدث في الأردن وتركيا، هناك فرق بين الإطلاع ومعرفة أن هذه العمليات ستقع، وبين التسبب فيها بالفعل، فى الواقع، هذا التمييز بين معرفة وتنفيذ العمليات يصبح أكثر صعوبة، وأيضاً يأخذنا إلى التعمق فى “متاهة المرايا”.
أكثر المواضيع المثيرة للاهتمام بصورة ملحة هي علاقة الأسد مع الدولة الإسلامية، غير أن الأمر يستحق أن نأخذ خطوة للوراء ونلقى نظرة على سجل النظام بصورة أعمق وأشمل.
يمكن أن تظهر تصريحات عبود بصورة عشوائية بخلاف انطباعات العديد من السوريين، ولكن ما يقوله يتفق مع الحقائق المعروفة عن حنكة وخبرة نظام بشار الأسد ورسائله الموجهة. فقد تعاون النظام وتلاعب بعمق وبصورة متغلغة مع الجماعات الإرهابية بما في ذلك الجماعة الإسلامية لعدة عقود. ودائمًا تم ربط استخدام الإرهاب فى حكم وسياسة نظام الأسد بالحفاظ على مصالح النظام، لاسيما مع الولايات المتحدة. ويمكن لدمشق أن توقف أنشطتها الإرهابية فى مقابل أن تحظى بعلاقات أوثق مع الولايات المتحدة وامتيازات أخرى في بعض الجهات. ويعتبرها الأسد شيئاً من الهيبة كما يطلق عليها من قبل الأمريكيين؛ وزعم عبود بأن حلفاء الولايات المتحدة -الأردن وتركيا- ستحتاج إلى أن تكون على تواصل بدمشق للدفاع عن أنفسهم من الدولة الإسلامية. وبشكل أعم، يوطد الأسد علاقاته مع الولايات المتحدة لتعزيز وتدعيم شرعية النظام بدعوى أنها جعلت سوريا أقوى وذو أهمية والمفتاح لجميع المنطقة أنه يجب على الجميع الركون إلى الأسترضاء والتهدئة لإحراز أى تقدم فى أى مكان فى المنطقة.
السجل الدموي
أكثر المواضيع المثيرة للاهتمام بصورة ملحة هي علاقة الأسد مع الدولة الإسلامية، غير أن الأمر يستحق أن نأخذ خطوة للوراء ونلقى نظرة على سجل النظام بصورة أعمق وأشمل.
بعد دخول لبنان في عام 1976، قُتل العديد من المعارضين البارزين للنظام، من كمال جنبلاط وبشير الجميل، ثم برئاسة والد الرئيس الحالي بشار حافظ، إلى موجة الاغتيالات لشخصيات مناهضة لدمشق التي أعقبت طرد قوات الاحتلال المعلن من قبل نظام الأسد في عام 2005.
تم زرع صبري البنا (أبو نضال)، ومحمد زيدان (أبو عباس)، و إلييتش راميريز سانشيز (“كارلوس الثعلب”)، وهم أشرس ثلاث إرهابيين فى الثمانينيات، في سوريا حيث خدموا نظام الأسد في أوقات مختلفة.
تناوب البنا بين سوريا وعراق صدام حسين (على عكس اعتقاد بعض السياسيين البارزين أن صدام لم يكن عدو للإرهاب). شن البنا ،ضمن أمور أخرى، موجة من الهجمات ضد المنشآت الدبلوماسية الاردنية في الثمانينات عندما كانت العلاقات بين عمان ودمشق متوترة.
أما أبرز جرائم زيدان كانت اختطاف السفينة الإيطالية اكيلي لاورو عام 1985 وقتل الاميركي اليهودي المقعد، ليون كلينجهوفر، وألقاء جثته في البحر وذلك بسبب جنسيته، تم هذا بناءً على التعليمات وبموارد قدمها الاسد فى سوريا: فرص السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين كانت تسير على خطى آمال ضائعة بوساطة رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك مارغريت تاتشر. ففكرة التقدم الإقليمى فى غياب الدور السوري في دمشق كانت غير مقبولة لدى دمشق، لذا كانت تقوم بتخريب مثل هذه الجهود العادفة. هرب زيدان من الاحتجاز الأيطالى لأنه كان يحمل جواز سفر دبلوماسي عراقي وقضى بقية حياته في بغداد في عهد صدام حسين.
جاء سانشيز كأداة منفعة لحافظ الأسد في البداية، فالاخبار المتداولة كانت أن : هناك سلسلة من تفجيرات الفنادق من قبل الاخوان المسلمين فى عام 1976-1977، وتم إلقاء اللوم على “كارلوس” بدلًا من الاعتراف بوجود تحدي أمني داخلي خطير ناجم عن التدخل في لبنان. وفى عام 1982 رغبت دمشق في تغيير سياسة الحكومة الفرنسية على نقطتين: أولًا تبديل موقف باريس من ميلها وموالاتها للعراق في الحرب الضارية بين صدام والثورة الإيرانية، فالأخير هو الحليف المقرب من نظام الأسد أما ذاك الأول فهو العدو اللدود لها، ثانيًا كف باريس جهودها وإرسال القوات الأجنبية، وبالتحديد السوريين، إلى خارج لبنان. فكانت سلسلة التفجيرات فى العاصمة الفرنسية هي الطريقة المنتقاة مستغلًا سانشيز كرد فعل قاطع. وكذلك نُفذت العديد من الاغتيالات الأخرى لصالح الأسد على يد سانشيز. تقاعد سانشيز في دمشق في أواخر الثمانينات، حتى تخلوا عنه كجزء من تحسين علاقات الأسد مع الغرب التي تلت انهيار الإمبراطورية السوفيتية والجزء الأول من حرب الخليج.
حاولت أجهزة استخبارات الأسد قصف وتفجير طائرة في بريطانيا والمتوجهة فى طريقها إلى إسرائيل في نيسان/ابريل 1986. وهذا ما أطلق عليه قضية هنداوي التي تورط فيها الأردنى المتعصب نزار هنداوي الذي وضع قنبلة تم صنعها في السفارة السورية فى لندن فى أمتعة خطيبته ايرلندية الأصل، وتدعى آن ماري ميرفي. وردًا على ذلك، طردت بريطانيا السوريين وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا. وسجلت السيدة تاتشر لاحقًا أن العمل مع نظام الأسد لإخراج صدام من الكويت لم يكن مريحًا وذلك لأنها “لم تكن تساورها أي أوهام بشأن استعدادها المتواصل لتوظيف واستخدام الإرهاب”.
الأسد وطريقته في التعامل مع المعارضة
عندما تولى الرئيس باراك أوباما منصبه، وبين المحتالين تعهد بالتوفيق وضع نظام الأسد الذى كان فى ذاك الوقت منعزل دبلوماسيا بسبب قتله لرئيس الوزراء اللبنانى، ومئات الجنود الأمريكيين وذلك بمساعدته للدولة الإسلامية. وأطلق هيلارى كلينتون على الأسد اسم “المصلح” وعلى وجه السرعة أعيد السفير إلى دمشق. وكذلك كتب وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بضرورة إدماج واستيعاب الأسد في أوائل عام 2008 وعُرف فى السنوات الأولى من إدارة أوباما “كأهم معزز ونصير للأسد في واشنطن“. فبين عامي 2009 و2010، زار كيري دمشق خمس مرات. فليس هناك ما يثبت كل هذه التنازلات الأمريكية.
وبالرغم من ذلك، لم تكشف هذه القناة السورية الأمريكية عن المعلومات حول كيفية تعامل الأسد مع المجاهدين فيما يتماشى و يتطابق بشكل وثيق حسبما ورد أعلاه على لسان عبود. وظهر رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، أهم أذرع الاستخبارات السورية، في اجتماع مع منسق مكافحة الإرهاب في الإدارة الأميركية دانيال بنجامين، في فبراير/شباط 2010. وأكد مملوك أنه حضر بناء على طلب الأسد. وهذا شكل المكافأة التي قدمها نظام الأسد لإدارة أوباما لإدامة وخلق وهم بإحراز التقدم.
سلح الأسد الدولة الإسلامية ليستخدمها في سياسته الخارجية أثناء حرب العراق أيام الغزو، نقل الأسد آلاف المجاهدين داخل العراق من بينهم أحمد حسين الشرع (أبو محمّد الجولاني)
وأثار مملوك ازعاج الولايات المتحدة باحتمال التعاون الأمني وتحسين أمن الحدود مع العراق—وبعبارة أخرى، سيوقف الأسد تدفق المقاتلين الأجانب إلى الدولة الإسلامية—مقابل تنازلات سياسية، لاسيما توسيع الدور السوري في مبادرات الولايات المتحدة في المنطقة ورفع العقوبات. و آنذاك، كما هي الحال الآن، فتأييد الأسد لفترة طويلة لبعض الإرهابيين الإسلاميين —كحماس وحزب الله ومسلمى حزب البعث العربي الاشتراكي مثل عزة إبراهيم الدوري— وُضع جانبًا من قبل دمشق، وبمجرد تباين واختلاف وجهات النظر بشأن ما سيكون لزاماً على الولايات المتحدة وسوريا، اتفقا على أن يختلفا. قال مملوك أن التركيز والمحور الحقيقي ينبغي أن يكون على العدو المشترك لكلاً من سوريا والولايات المتحدة وهما: القاعدة والجماعات “التكفيرية”.
ثم جاء الجزء الحاسم من الاجتماع حين شرح مملوك كيفية تعامل ضباطه مع الإرهاب.
صرح [مملوك] أن نجاح سوريا يرجع إلى اختراقها وتغلغلها في الجماعات الإرهابية. “من حيث المبدأ، نحن لا نهاجمهم أو نقتلهم على الفور. وبدلاً من ذلك, فنحن ندمج أنفسنا بداخلهم وفقط فى اللحظة المناسبة نفعل ما يتوجب علينا ونبدأ بالتحرك.”… وأقر مملوك أنه مازال بعض الإرهابيين يتسللون من سوريا إلى داخل العراق. “بكافة الوسائل، سنستمر فى فعل كل ذلك، ولكن لو بدأنا بالتعاون معكم سيقودنا هذا إلى تحقيق نتائج أفضل و سنتمكن من حماية مصالحنا”، وهذا ما اختتم به مملوك. … وحدد أمن الحدود العراقية باعتبارها مجال يمكن لسوريا والولايات المتحدة التعاون فيها. … وأضاف مملوك أن التعاون في مجال أمن الحدود العراقية يمكن أن يقودنا إلى التعاون فى مجالات أخرى.
وليس دقيقًا قول “لو بدأنا بالتعاون معكم سيقودنا إلى تحقيق نتائج أفضل،” ولكن خلق المشكلات من أجل حلها—بالمبلغ المطلوب—خدم أسرة الأسد الحاكمة إلى هذا الحد وسيظل مستمرًا”.
تولى أبو العبد الجيداء قيادة القوات المتمردة الموحدة (اخيرًا) في شرق مدينة حلب قبل ائتلاف تحالف مؤيدي الأسد الذي سيطر على المنطقة الشهر الماضي. وحدد أبو العبد حقيقة أن “العديد من الفصائل … مخترقة من قبل الأنظمة السرية واستخبارات النظام” وهذا يعد واحداً من أسباب هزيمة قوات التمرد في المعركة. “منذ البداية، لم تكن الأمور واضحة” هذا ما قاله سيد علي، وهو من سكان وادى برادة، مدينة واقعة غرب دمشق والتي تتعرض حاليًا لهجوم وحصار من قبل التحالف المؤيد للأسد. “تغلغل النظام بين المتمردين منذ البداية، لذا كان هناك مخبرين في كل مكان.” وختم على أن جواسيس النظام كانوا منتشرين على نطاق واسع ولذا كان من المستحيل السيطرة عليهم. “اليوم، لم يعد أى شئ واضح على الإطلاق.” لا أستطيع أن أخبركم إذا ما كانت القرية أغلبيتها مؤيدة للنظام أم ضده. وهذا ينطبق على أكثر القرى الأخرى في المنطقة.”
وأما احتمالات وفرص كون هذا التسلل لم يمتد إلى الدولة الإسلامية يمكن اعتبارها ضعيفة إلى حد كبير.
لعبة خطيرة
سلح الأسد الدولة الإسلامية ليستخدمها في سياسته الخارجية أثناء حرب العراق أيام الغزو، نقل الأسد آلاف المجاهدين داخل العراق من بينهم أحمد حسين الشرع (أبو محمّد الجولاني)، الذي يشغل حاليًا منصب قائد تنظيم جبهة النّصرة. ففى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هبط المقاتلين الأجانب في مطار دمشق الدولي وتم نقلهم إلى مساكن آمنة في شرق البلاد تم الإشراف عليها من قبل الاستخبارات العسكرية مزودة بمعسكرات تدريب واجتماعات دورية ومنتظمة مع مسؤولي استخبارات الأسد قبل أن يتم إطلاقهم واستيلائهم على العراق في مرحلة ما بعد صدّام. وعثرت المحاكم الامريكية للدولة الاسلامية أن الأسد مسؤلًا عن قطع رؤوس اثنين من الأمريكيين في العراق عام 2004، وفضلا عن العراق فالقصف الذي تم في اليمن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 من قبل الدولة الإسلامية يرجع إلى المساعدة التي قدمها الأسد لهم. أما جرحى مجاهدي الدولة الإسلامية مثل ميسر بن علي الجبوري (أبو ماريا القحطاني) كانوا قادرين على العودة إلى سوريا والحصول على الرعاية الطبية في المستشفيات الدمشقية.
وقُتل بدران المزيدى (أبو غادية) النصير والداعم الرئيسي للدولة الإسلامية في شرق سوريا في غارة أمريكية في تشرين الأول/أكتوبر 2008 بعد رفض نظام الأسد أن يوقف المزيدى. (بالمناسبة، يعود الفضل في اطلاق الغارة ونجحها إلى أن الولايات المتحدة أدخلت واحد من جواسيس الأسد في دائرة المقربين للمزيدى. حتى بعد السيطرة التنفيذية لشبكة المزيدى، اضطر نظام الأسد الاستبدادي إلى امتلاك عملاء إضافيين.) أي فكرة تقـول بأن نهاية التعاون بين الأسد والدولة الإسلامية تمزقّت وانهارت في آب/أغسطس 2009 كانت عبر قصف الشامل بالقنابل في بغداد الذي نفذ بعد لقاء مباشر بين مخابرات الأسد والدولة الأسد ومسلمي البعثيين.
في حين إثبات مساعدة الأسد للدولة الإسلامية عام 2010 غير متوفرة حاليًا، وفكرة أن نظام الأسد فى هذه المرحلة انسحب تمامًا من الجهاز الإرهابي للدولة الإسلامية الذى نشأ فى شرق البلاد هي فكرة مثيرة للسخرية.
أحد عشر يوما منذ اندلاع الانتفاضة السورية في مارس 2011، أطلق الأسد سراح مئات السجناء الإسلاميين —وأعقبه سراح المزيد من السجناء. فقد ساعد ودعم الأسد الدولة الإسلامية بمعنى أنهم احتشدوا بسرعة أكبر كثيراً من غيرهم. “فالنظام لم يكتف بأن يفتح أبوابه للسجناء ويطلق سراح هؤلاء المتطرفين ولكن يسر أعمالهم” هذا ما قاله أحد المنشقين من الأستخبارات العسكرية للأسد (وهو مازال يفضل نظام الأسد عن التمرد). ومن بين الأشخاص المفرج عنهم عمرو العبسي (أبو الأثير) وهو شخصية بارزة في تشكيل وتنظيم الخلافة. ورُتبت التفجيرات من قبل النظام وأُلقى باللوم على الجهاديين ومن ثم اُرتكبت الجرائم الطائفية على أمل واع في استجابة فورية لتشجيع الأقليات، الذين يمثلون نظام الأسد بصورة كبيرة ومتفاوتة ” للالتفاف حول النظام والتمسك به.” والغرض الواضح من كل هذا هو تحول “قصة الثورة السورية اليانعة إلى واحدة من القصص الطائفية وليس الهدف الإصلاح”.
في أواخر 2012، تم بناء استراتيجية لمكافحة التمرد حول نظام الأسد من خلال القصف الجوي والإزاحة والتشريد لمنع المعارضة من إنشاء هيكل إدارة بديل يجذب الناس للانضمام إليه. بمجرد أن ظهرت الدولة الإسلامية بشكل علني في سوريا وبدأت في أن تستولى على الأرض فى سوريا فى منتصف عام 2003، ولا سيما الرقة تركت بمفردها لتنشأ خلافتها. وقد اعتقل وقتل النظام المتظاهرين السلميين في الوقت نفسه الذي أطلق سراح الإسلاميين المتطرفين ولان الحرب أصبحت مستمرة فإنها صوبت وركزت نيرانها على قادة المتمردين الأساسيين وليست الدولة الإسلامية—حتى عندما كانوا حرفيًا بعضهم بجانب البعض. وبمجرد أن جماعات التمرد خاضت الحرب مع الدولة الإسلامية، فالنظام تدخل لصالح الدولة الإسلامية. فالنظام سهل هجمات الدولة الاسلامية بما فى ذلك فى حلب 2014 و2015 (هذا الحدث الأخير مثال صارخ لدرجة أن وزارة الخارجية نددت علناً بالنظام) في مارع في 2016. فالاسد عقد صفقات مع الدولة الإسلامية خشية الخوض معهم في حروب، ومن أبرزها تدمر التي عادت إلى قبضة النظام مؤخرًا. وقد تم معاقبة وإجراء جزاءات من قبل مسؤولي نظام الأسد ضد التبادل التجاري مع الدولة الإسلامية. وكان الكرملين على صلة بهؤلاء الوسطاء والفنيين روس للعمل مع الدولة الإسلامية في قطاع الطاقة.
وبعبارة بسيطة، نظام الأسد وحلفاؤه روسيا وإيران بذلوا كل وسعهم ليمهدوا الطريق للجهاديين لأعمال التمرد لدخول وإيجاد مأزق في سوريا وهذا دومًا ما يقولونه ويصرحون به: النظام أو اجتياح الإرهاب وسيطرته على المقاليد. وهذه الاستراتيجية لفرض خيار مزدوج—تمكين أعداء لهزيمة أنفسهم— تطلق عليها الاستفزاز وأسلوب متقن ومصقل من قبل الروس والتي تنشرها الاستخبارات السوفييتية عن الأنظمة مثل نظام الأسد ونظام الجزائر.
اعترافات الأسد السابقة
وكما كان علي مملوك متحفظاً جدًا في محاولته لابتزاز الولايات المتحدة في 2010، فمسؤلو نظام الأسد وأنصاره لم يلتزموا الصمت بشأن نواياهم منذ بداية الحرب.
بعد فترة وجيزة من بدء نظام الأسد في توجيه إضرابات تحذيرية ضد الدولة الاسلامية في صيف 2014، صرح مسؤول في حكومة الأسد بشكل علني لصحيفة نيويورك تايمز أن الدولة الإسلامية “ليست هي أولى الأولويات” وأن النظام “سعيد برؤية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يقتل” المتمردين، معتقدين أنه فى حالة ترك الدولة الإسلامية بمفردها “سيدعم العالم النظام”. ابدى عزت الشابندر، النائب العراقي السابق والمقرب من رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى آنذاك والذى يعمل بصفته إحدى القنوات بين بغداد ودمشق سعادته باقتباس نقلته صحيفة وول ستريت جورنال فى نفس الوقت قائلًا أن الأسد وصف استراتيجية النظام له شخصيًا فى مايو 2014. “في بعض الأحيان، يعطى الجيش لهم مسار آمن يسمح للدولة الإسلامية بمهاجمة [الجيش السورى الحر] والاستيلاء على اسلحتهم” هذا ما قاله شابندر. وأضاف قائلًا “إنها استراتيجية للتخلص والقضاء على الجيش السوري الحر ومواجهة اثنين من العناصر الأساسية بعضهما البعض: الأسد والدولة الإسلامية. …الآن [الأسد] يطلب من العالم الدعم والمساعدة، والعالم لا يمكنه أن يقول لا.”
فقط في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، قال وزير خارجية الأسد وليد المعلم أن “الأولوية الحالية للحكومة السورية لم تكن داعش، لا سيما في دير الزور والرقة، وأن التهديد الأكبر كان جماعات التمرد”. “نحن لدينا معارك أكثر أهمية نخوضها أكثر من المعركة مع الدولة الاسلامية” والائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة يمكن أن يقوم بدور رئيس لهزيمة ودحر التكفيريين”. وأعرب أحد كبار المسؤولين لموالاة النظام منذ أقل من شهر، قائلا “النظام نسى الرقة منذ زمن طويل، ووضع هذه المهمة على عاتق الامريكان. دع قلق هؤلاء بشأن داعش يذهب ويتلاشى.” ضمنياً، النظام لا يشعر بالقلق تجاه الدولة الإسلامية. فالتركيز الوحيد حول الدولة الإسلامية جعل التحالف يقوم بتوسيع نطاق السلاح الجوي للأسد الذي كان واضحاً رأى العين منذ اللحظة الأولى لتدخل التحالف في سوريا عام 2014: يمارس الأسد سياسة “اقتصاد القوة”، تاركًا الولايات المتحدة وحلفائها تتعامل مع الدولة الاسلامية فى الشرق، بينما هو يدمر المتمردين البارزين —العديد منهم يبدو في ظاهره تدعيم الولايات المتحدة لهم—في الغرب.
قال وزير خارجية الأسد وليد المعلم أن “الأولوية الحالية للحكومة السورية لم تكن داعش، لا سيما في دير الزور والرقة، وأن التهديد الأكبر كان جماعات التمرد”.
الخلاصة
يسعى التحالف المؤيد للأسد إلى التغلب على العائق السياسي لإدراجه في أسرة الأمم، وذلك جراء جرائمه الموثقة، وعلى نطاق كبير ضد الإنسانية, من خلال تقديمه للعالم خياراً واحداً وصعباً للدكتاتورية “العلمانية” المخضبة بالدماء أو النظام الجهادي. حتى بشأن شروط الأسد الخاصة فهذا الخيار سينهار—فنظام الأسد دائمًا طائفي وليس علماني، وجمهورية إيران الاسلامية تسيطر على جزء كبير من نظام الأسد فى الوقت الحالى، فلا هي علمانية ولا غريب عليها استخدام الإرهاب الدولي. ولكن تاريخ النظام في تعاونه مع الدولة الاسلامية ضد الغرب، وعمله الدؤوب لتمكين الدولة الإسلامية والجماعات المشابهة لسنوات عديدة كجزء من جهوده لهزيمة الأنتفاضة السورية، بشكل وقح جداً يعني أن الأسد غير مؤهل بشراكة مع الغرب ليس فقط لأسباب أخلاقية فحسب وإنما لأسباب تضييقه الشديد لمكافحة الإرهاب الذي ينخرط ويقوم به الغرب حالياً مع سوريا.
المصدر: ذا هينري جاكسون سوسايتي