ترجمة حفصة جودة
“الشرق هو الشرق، والغرب هو الغرب، ولا يجب أن يلتقي الجمعان”
هكذا بدأ الشاعر الإمبريالي روديارد كيبلنغ قصيدته؛ غالبا ما يُساء تفسير هذا السطر بأنه يدعم فكرة انقسام العالم إلى صعيدين كبيرين، وأنهما يختلفان جذريًا ولا يمكنهما الاتحاد أبدًا.
في الثقافة الغربية؛ نحن نعتقد أن الأشخاص الشرقيين مختلفون، وهذا لا ينطوي على أي تحيز أو تحامل من جانبنا، في الولايات المتحدة؛ يخضع الآسيويين إلى صورة نمطية تبدو للوهلة الأولى إيجابية: فهم عازفون جيدون، كما أنهم جيدون في الرياضيات، أما الهند؛ فهي أرض المعرفة الروحية العظيمة حتى أنها جذبت الكثيرين للبحث فيها في الستينيات والسبعينيات ومن بينهم عقول عظيمة مثل ستيف جوبز وجون لينون.
بينما تم التخلي عن الصورة النطية القديمة المثيرة للاشمئزاز عن الآسيويين، فما زال السؤال قائمًا: هل هناك اختلافات جوهرية بين تكوين المجتمعات الشرقية الغربية؟ حسنا؛ الدراسات الجديدة التي تناولت الفكرة تقول بأن الإجابة: نعم.
بعد أن أدركنا أن حوالي 70% من مواد الدراسات النفسية كانت لطلاب أمريكيين يبحثون عن الربح السريع أو لتغطية ائتمان الجامعة، تسآءل علماء النفس إذا كان هناك مجموعات أكثر تنوعًا تمنح مجموعة مختلفة من الحلول، وقد تبين أن هذه الدراسات لا تمنحنا فقط بيانات مختلفة، لكنها تمنحنا نتائج مختلفة بشكل ملحوظ عن الدراسات الأمريكية، تم تخليد الدراسات الفريدة التي قام بها أمريكيون في سن الجامعة بالاسم المختصر “WEIRD” (الغربي، التعليم، الصناعي، الثراء، الديموقراطية).
مجموعة من محبي مهاريشي ماهش يوغي وأصدقاؤه في أكاديميته بالهند
بينما تغطي هذه الدراسات العديد من المواضيع المختلفة، إلا أن موضوع التفكير الفردي والشمولي كان جديرًا بالاهتمام، فالمفكرون الفرديون يميلون لرؤية المشكلات باعتبارها مكونات منفصلة، أما المفكرون الشموليون فيميلون لرؤية المشكلات كجزء من أنطمة معيبة.
في إحدى الدراسات؛ تم عرض صورة معقدة على بعض الأشخاص من شرق آسيا وأمريكا الشمالية، قام العلماء بمراقبة حركات عين المشاركين لقياس موضع اهتمامهم، وقد وجدوا أن المشاركين الصينيين يقضون أغلب الوقت في النظر لخلفية الصورة، بينما يميل الأمريكيون إلى التركيز على العنصر الرئيسي للصورة، وهنا يتجلي التفكير الفردي والشمولي بشكل واضح في هذا المثال.
هذه ليست سوى البداية للعديد من النتائح المثيرة للاهتمام في هذا المجال، فعلى سبيل المثال؛ هناك اختبار بسيط يبرهن على الاختلافات الثقافية من خلال مزج الكلمات، فقد مُنح المشاركون 3 كلمات مثل: كرسي، طاولة، يرفع، وطلبوا منهم المزج بين كلمتين في جملة.
مزج الأشخاص الذين يفكرون بشكل فردي بين كرسي وطاولة باعتبارهما قطعتي أثاث، أما الأشخاص الذين يفكرون بشكل شمولي فقد مزجوا بين كرسي ويرفع لأنهما يعملان معًا لخلق نظام وظيفي.
بطبيعة الحال؛ هذه التوجهات عمومية، فهناك مفكرون شموليون في الغرب وهناك مفكرون فرديون في الشرق، فنتيجة للعولمة انتشر نوعي التفكير في كلا الجانبين وأصبحت الاختلافات أقل قوة.
لكن، لماذا؟
هناك العديد من الفرضيات التي تدلل على صحة هذا الكلام، البعض يرى أن الأمر له علاقة بالفلسفة، فبينما يميل المفكرون الغربيون للتفكير الفردي، يميل المفكرون الشرقيون للشمولية بشكل طبيعي، فأعظم مفكري الصين “كونفوشيوس” -وبالتالي من جاء بعده من المفكرين- تقوم فلسفته على مفهوم “طاعة الوالدين”.
الفيلسوف الصيني كونفوشيوس
هناك العديد من التفسيرات المثيرة للاهتمام، أولها؛ أن الغذاء الرئيسي للمنطقة قد يكون مؤثرًا، يبدو ذلك واضحًا في الصين، فالنصف الشمالي للبلاد يزرعون القمح والنصف الجنوبي يزرعون الأرز، تحتوي زراعة الأرز على كثافة عمالية كبيرة وهذا الأمر يتطلب التنسيق بين عدة مزارع للقيام بالأمر بشكل صحيح، أما زراعة القمح فتحتاج القليل من العمل ولا تتطلب تنسيقًا بين أنظمة الري لإنجاز العمل.
عندما تم اختبار أفراد من شمال وجنوب الصين لتحديد اتجاهات تفكيرهم، أظهرت النتائج أن الجنوبيين يميلون إلى التفكير الشمولي بينما يميل الشماليون إلى التفكير الفردي.
يشير المؤرخون إلى حالة أخرى؛ جزيرة “هوكايدو” اليابانية كدراسة حالة، جزيرة باردة وبعيدة مع سوء الأحوال الجوية ولم تكن مسكونة حتى أواخر عام 1800، البرية هناك تشبه إلى حد كبير الحدود الأمريكية، ولتوضيح الصورة تم استقدام محترفين أمريكيين للمساعدة في إعمار تلك الجزيرة بتمويل من الحكومة اليابانية.
والآن بعد أكثر من 100 عام لإعمار الجزيرة، ظهرت آثار العيش في مجتمع كان حدوديًا حتى وقت قريب؛ في اختبارات الفردية والشمولية، فسكان هوكايدو يميلون نحو الفردية بشكل كبير بخلاق بقية سكان اليابان.
هذه بقية القصيدة التي كتبها كيبلنغ، ويظهر فيها أن هدفه الحقيقي هو التركيز على الأفراد بدلا من وجهات النظر العالمية المتنافسة، وأن الاختلافات بين الشرق والغرب والظروف والجنسيات يسقطون جميعًا عندما تلتقي العقول العظيمة:
الشرق هو الشرق، والغرب هو الغرب، ولا يجب أن يلتقي الجمعان
حتى تلتقي الأرض والسماء في يوم الحشر أمام الله
حينها، لن يكون هناك شرق، أو غرب، ، ولن يكون هناك حدود، ولا نسل ولا ميلاد
المصدر: بيج ثينك