عرض موقع منظمة العفو الدولية “أمنيستي” في أولى صفحات تقريرها “المسلخ البشري” حول سجن صيدنايا العسكري في سوريا، “سجن صيدنايا العسكري هو المكان الذي تقوم الدولة السورية فيه بذبح شعبها بهدوء، ويشكل المدنيون، الذين تجرأوا على مجرد التفكير بمعارضة الحكومة، الغالبية الساحقة من الضحايا. وجرى منذ العام 2011 إعدام آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء في عمليات شنق جماعية تُنفذ تحت جنح الظلام، وتُحاط بغلاف من السرية المطلقة. وقُتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية. ويُدفن قتلى صيدنايا في مقابر جماعية. ولا يمكن لأحد أن يزعم أن مثل هذه الممارسات المنهجية والواسعة النطاق تُرتكب بدون تفويض من الحكومة السورية على أعلى مستوياتها”.
سجن صيدنايا: “نهاية الحياة، ونهاية الإنسانية”
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا بعنوان “المسلخ البشري” في 47 صفحة اليوم الثلاثاء 7 فبراير/شباط اتهمت فيه نظام بشار الأسد بعمليات شنق جماعية وإبادة ممنهجة في سجن صيدنايا بريف دمشق منذ اندلاع الثورة السورية، وأكدت المنظمة أن الممارسات الجارية في السجن ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعلى الرغم من ذلك فالنظام مستمر على هذا النهج على الأرجح.
سجن صيدنايا يعد من أكبر وأشنع السجون في سوريا يشرف على إدارته قيادات في الجيش السوري ومقربين من النظام السوري نفسه بسبب الحساسية التي تحيط بالسجن والسجناء، حيث يتم اعتقال سياسيين وعسكريين وكل من يعارض النظام لفترات طويلة، ويقع على بعد 30 كيلو متر شمال العاصمة دمشق.
المعاملة اللاإنسانية التي يلقاها المحتجزون في سجن صيدنايا وغيرهم من المحتجزين في السجون التي تديرها الحكومة السورية، تعد جريمة “إبادة”
نحو 13 ألف شخص غالبيتهم من المدنيين أعدموا شنقًا خلال الفترة بين عامي 2011 و 2015 وحسب التقرير فإن النظام السوري في الفترة المحددة قام باقتياد مجموعات تصل أحيانًا إلى خمسين شخصًا كل أسبوع وغالبًأ مرتين أسبوعيًا، إلى خارج زنزاناتهم في السجن وشنقهم حتى الموت” حيث يوجد مركزان للاحتجاز داخل السجن (المبنى الأبيض والمبنى الأحمر) ويحتجز فيهما ما بين 10 آلاف و 20 ألف شخض ويشكل المدنيون غالبية المحتجزين في “المبنى الأحمر” داخل السجن ممن جرى اعتقالهم عقب اندلاع الأزمة في العام 2011 بينما يشكل ضباط وجنود الجيش السوري سابقًا غالبية المحتجزين في “المبنى الأبيض” على إثر اعتقالهم منذ العام 2011 أيضًا.
واستنادًا إلى الأدلة، التي وفرها أشخاص سبق لهم العمل لدى سلطات سجن صيدنايا، وبناء على إفادات الشهود من المحتجزين، تقدر منظمة العفو الدولية أن ما بين 5 و 13 ألف شخص قد تم إعدامهم خارج نطاق القضاء في صيدنايا خلال الفترة الواقعة ما بين سبتمبر/ أيلول 2011 وديسمبر/ كانون الأول 2015.
قتل آلاف المحتجزين في المبنى الأحمر إثر إعدامات سرية تتم خارج نطاق القضاء وتتم على شكل عمليات الشنق الجماعية حيث يحكم على الضحايا بالإعدام عقب محاكمات تستمر من دقيقة إلى 3 دقائق كحد أقصى أمام محكمة الميدان العسكرية الكائنة في حي القابون بدمشق.
وبعد صدور حكم الإعدام يساق الضحايا إلى السجن مرة أخرى ويتم إخبار الاشخاص الذين لحق بهم حكم الإعدام بأنه سيتم ترحيلهم إلى سجن مدني، ولكن يجري عوضًا عن ذلك إيداعهم في زنزانة تقع في قبو المبنى الأحمر من السجن يتعرضون فيها للضرب المبرح على مدار ساعتين أو ثلاث ساعات قبل أن يتم اقتيادهم معصوبي الأعين عبر شاحنات أو حافلات صغيرة إلى المبنى الأبيض حيث يتم اقتيادهم إلى إحدى غرف القبو في السجن ويعدمون شنقًا، ليجري شنق ما بين 20 إلى 50 شخصًا في كل مناسبة، يبقى المعتقلين طوال هذه العملية معصوبي الأعين لا يعرفون متى ولا إلى أين سيموتون إلى أن يلف الحبل حول أعناقهم.
وبعد هذا يتم نقل الجثث في شاحنات إلى مشفى تشرين العسكري لتسجيلها ودفنها في قبور جماعية في أرض تابعة للجيش على مقربة من دمشق وفي قربة “ناجحة” – قرية تقع على الطريق الواصل بين دمشق والسويداء- ويشار إلى المقبرة الجماعية بـ”المقبرة القذرة” ويتم دفن الجثث في بلدة قطنا الصغيرة الواقعة في الضواحي الغربية من دمشق داخل قاعدة تابعة للفرقة 10 في الجيش السوري.
ووفق التقرير أيضًا فإن إصدار أوامر الإعدام تأتي من مسؤولين على أعلى المستويات في الحكومة وبعد موافقة مفتي سوريا على أحكام الإعدام، وهذا يعني أن أحمد حسون مفتي الجمهورية العربية السورية خلال فترة تنفيذ الإعدامات في الفترة المحددة في التقرير، وافق على عمليات الإعدام، ويأخذ أيضًا موافقة وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان في الجيش السوري وهما مفوضان بالتصرف نيابة عن الرئيس بشار الأسد، ويوقع على أحكام الإعدام أيضًا المدعي العام العسكري في محكمة الميدان العسكرية وأحد ممثلي الأجهزة الأمنية وتشرف لجنة الإعدام على تنفيذ الأحكام والتي تضم في عضويتها ضباطًا من الجيش وموظفي السجن والجهات الطبية.
نحو 13 ألف شخص غالبيتهم من المدنيين أعدموا شنقًا خلال الفترة بين عامي 2011 و 2015
كما أن الآلاف من السجناء أيضًا لقوا حتفهم بسبب المعاملة غير الإنسانية جراء التعذيب المستمر من قبل نظام الأسد كالحرمان من الطعام والشراب والعناية الطبية والأدوية. اعتمدت المنظمة على عشرات الشهادات الموثقة إذ أجرت 84 شاهد بينهم حراس سابقون في السجن وموظفون ومعتقلون سابقون وقضاة ومحامون بالإضامة إلى خبراء دوليين ومحليين حول مسائل الاعتقال في سوريا.
وأشار التقرير أن السجناء كانوا يتعرضون للاغتصاب ويجبرون على اغتصاب بعضهم بعضًا ويعاملون في ظروف سيئة للغاية من حيث الطعام حيث يتم إطعام السجناء من خلال إلقاء الطعام على أرض الزنزانة التي غالبًا ما تكون متسخة ومغطاة بالدماء.
يذكر أن الحكومة السورية كما جاء في التقرير “ما انفكت طوال العقود الماضية تمارس التعذيب والاختفاء القسري بحق المعارضة لقمعها، إذ وثقت المنظمة اعتبارًا من العام 1987 استخدام الحكومة السورية 35 أسلوبًا من أساليب التعذيب بشكل ممنهج في مختلف سجون الحكومة السورية، وسُجلت منذ العام 2011 زيادة ملحوظة في حجم وقسوة الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة السورية بحق المحتجزين، ووفق ما أفادت به مجموعة تحليل بيانات حقوق الإنسان، قتل ما لا يقل عن 17723 في الحجز لدى الحكومة خلال الفترة ما بين مارس/ آذار 2011 ، وديسمبر/ كانون الأول 2015، أي بمعدل نحو 300 وفاة في الحجز.
محتجزين سابقين في سجن صيدنايا قبيل وبعد احتجازهم
المنظمة استنتجت أن المعاملة اللاإنسانية التي يلقاها المحتجزون في سجن صيدنايا وغيرهم من المحتجزين في السجون التي تديرها الحكومة السورية، تعد جريمة إبادة، وهي جريمة يرد تعريفها في نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، تشمل ” الإبادة ” “تعمد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان.”
ختم التقرير شهادته بمجموعة من التوصيات إلى أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا والمجتمع الدولي عمومًا، بمطالبة الحكومة السورية بوقف الإعدامات خارج نطاق القضاء فورًا، وإعطاء الأولوية لمسألة الإعدامات خارج نطاق القضاء والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة في الحجز ومناشدة جميع الأطراف أن تسمح فورًا بدخول المراقبين الدوليين إلى أماكن الحجز دون عائق وتمكينهم من اللقاء مع جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم.
وللمجتمع الدولي بقبول المسؤولية المشتركة عن التحقيق في حالات التعذيب والاختفاء القسري وسواها من الجرائم الموثقة بموجب القانون الدولي التي اتركبت في سوريا. وإدماج آليات للفحص والتدقيق في الأنظمة الوطنية للجوء لتحديد ضحايا التعذيب من بين اللاجئين وطالبي اللجوء وضمان تلقيهم العلاج الطبي والنفسي، ومن ثم دعم قدرات المنظمات السورية لحقوق الإنسان التي تقوم بتوثيق انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في النزاع السوري.