في تطور لافت، وصف مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل فلين يوم السبت 4 فبراير 2017 الحوثيين بأنها إحدى الجماعات الإرهابية بالوكالة التابعة لـ إيران، وتزامن ذلك مع إعادة إرسال واشنطن مدمرة تابعة للبحرية الأميركية (يو إس إس كول) إلى الساحل الغربي لـ اليمن قرب مضيق باب المندب بهدف ما أسموه “حماية الممرات المائية” من مليشيا الحوثي، وهو ما يؤشر على ما يبدو إلى دخول الحرب اليمنية منعطفا جديدًا، وتحول السواحل اليمنية إلى ساحة معركة.
عودة المدمرة الأمريكية إلى المياه اليمنية بعد أن توارت عن الأنظار لمدة 19 عامًا حينما تم تفجيرها من قبل تنظيم القاعدة في 12 اكتوبر 2000، والذي أسفر عن مقتل 17 من طاقمها وجرح 39 آخرين، لها سبب ظاهري عنوانه الأبرز تضامن وتأييد أمريكي صريح للسعودية، التي تقود منذ 26 مارس 2015 تحالفا عربيا يحارب مسلحي الحوثي وصالح، الذين يسيطرون على محافظات يمنية، بينها صنعاء منذ 14 سبتمبر2014، إضافة إلى رغبة أمريكية بمكافحة “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، الذي يتخذ من اليمن مقرا له، حيث ترغب واشنطن، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، في تصفية حسابات قديمة مع التنظيم، الذي عاد للنشاط وأصبح أقوى من أي وقت مضى، إضافة إلى حسابات سرية سنحاول قراءته في هذا الموضوع.
حقيقة، لا مفر من الاعتراف بأن الرئيس الأمريكي بدأ منذ الأسبوع الأول عقب تسلمه مهام الحكم لأقوى دولة في العالم بداية قوية إلى حد التهور والمتمثل بتنفيذه لبعض وعوده الانتخابية التي قال إنه سيعمل على إيقاف المهاجرين إلى بلاده، وفرض جدار عازل مع المكسيك إضافة إلى توقيعه بشن عملية عسكرية ضد تنظيم القاعدة في اليمن، اعتبرها البعض فاشلة نتيجة لمقتل وجرح عدد من الأمريكيين وإسقاط أباتشي خاصة بالقوات البحرية الأمريكية، إضافة إلى مقتل العديد من النساء والأطفال في هذه العملية.
وبالتالي يمكن القول إن مع ترامب كل شيء متوقع، وإن كان تضخيم الخطر اﻻيراني ومنه الحوثيين الهدف منه المزيد من نهب المال الخليجي بدعوى الحماية والتدخل الأمريكي المباشر في هذه الحرب، لكن خلف ذلك الاندفاع له ثلاثة سيناريوهات محتملة.
سبق للمدمرة الأمريكية العائدة إلى المياه اليمنية وأن تعرضت لهجوم انتحاري
تدخل مباشر
أول السيناريوهات، أن تدرج الإدارة الأمريكية الجديدة جماعة الحوثيين في قائمة “المنظمات الإرهابية”، كذريعة لمحاربتهم والتدخل المباشر في اليمن، الهدف منها جر إيران إلى المنطقة لتسوية الحساب معها وعلى الأرض اليمنية، كون البلاد تعيش في فوضى حرب وتحت البند السابع لمجلس الأمن الدولي الذي يجيز بالتدخل العسكري في أي وقت يعتبرها تهديد للأمن والسلم العالمي.
لكن يحتاج قرار إدراج الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أدبيات تؤكد أن الحوثيين أنفسهم يهددون المصالح الأمريكية، أو الإسرائيلية أو الملاحة الدولية، إذا ما تم قياس ذلك بحزب الله اللبناني الذي تضعه واشنطن في لائحة “المنظمات الإرهابية” بسبب أعماله تجاه إسرائيل، واعتقادها بأن الحزب هو من قام بتفجير مقر القوات الأمريكية والفرنسية في بيروت في أكتوبر 1983، التي أسفرت عن مقتل 300 جندي أمريكي وفرنسي، إضافة إلى أنها تتهمه أيضا بالمسؤولية عن مسلسل خطف الرهائن الغربيين إبان حرب لبنان عام 1982، لكن الحوثيون أنفسهم وعقب انقلابهم على الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي، اجتمعوا في ديسمبر 2014 مع المخابرات الأمريكية، وقدموا لهم ضمانات بحماية مصالحهم في المنطقة والعمل سويًا لمحاربة الإرهاب وهذا ما قد يقوض الإدارة الأمريكية في اعتبارهم منظمة أمريكية، لاسيما وأنهم عملوا مرارًا على تسليم رعايا أمريكيين إلى واشنطن كانوا محتجزين في اليمن.
إن اندلعت حرب شاملة مع إيران، فإن الأخيرة لها نفوذ سياسي ثقيل الوزن في العراق منذ ما بعد إسقاط صدام حسين، وهو ما يعني أن طهران قد تعطي الضوء الأخضر لوكلائها في كل من العراق ولبنان بمهاجمة إسرائيل والرياض في نفس الوقت
والحوثيون هم الجماعة نفسها التي رفضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ العام 2004، تصنيفهم كـ«جماعة إرهابية»، وبالتالي من المستبعد أن يتم تصنيفهم أو إدراجهم في لائحة المنظمات الإرهابية، لكن ذلك قد يكون وفقًا لضغوط الدول الخليجية وتحركها لدفع واشنطن نحو ذلك مقابل مليارات الدولارات.
فرضًا في هذا السيناريو نعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت “الحوثيين” في لائحة المنظمات الإرهابية، فهل تتدخل في الحرب مباشرة وما نتائج ذلك؟
هذا السيناريو يمثل خطورة كبيرة لإدارة ترامب لاسيما بعد أن شنتا قوات البحرية الأمريكية والقوات الخاصة الإماراتية، هجومًا فجر الأحد 29 يناير 2017 على مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة، وهو أول هجوم بريّ تقوده الولايات المتحدة في اليمن منذ عام 2014، وقد قُتل أحد جنود البحرية الأمريكية في الهجوم، بالإضافة إلى عدد غير معروف من المدنيين اليمنيين، ما يؤكد خطورة إرسال القوات الأمريكية لبلد تسوده الفوضى.
أباتشي أمريكية تم تدميرها خلال عملية عسكرية ضد القاعدة في اليمن
لكن تعتبر هذه الهجمة مؤشرًا على اهتمام الولايات المتحدة المتزايد في التدخل بشكل أكبر في اليمن، وسيكون هناك عدد محدود من الجنود على الأرض للقيام بالعمليات المباشرة والتحكم بهجمات الطائرات دون طيار، ويتوقع أن يعمل الجنود مع القوات المحلية الموالية للرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي المدعوم دوليًا.
غير أن تكثيف الضغط على الحوثيين وقيادة حرب مباشرة معهم قد يأتي بنتائج عكسية ويصب مزيدًا من الزيت على نار الحرب اليمنية ويدفع المسلحين إلى الاتجاه نحو إيران بشكل أكبر.
استنزاف دول الخليج
ثاني السيناريوهات قد تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل بشكل محدود في الحرب على الحوثيين باستخدامها لطائرات بدون طيار للهجوم على مواقع العسكرية، وإعادة دعم التحالف العربي لوجستيًا -بعد أن قلصها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بفعل ضغوط مورس على الإدارة السابقة بسبب تقارير منظمات حقوقية تتهم الرياض بارتكاب جرائم حرب في اليمن- مع حرصها على عدم إنهاء المعركة ليتسنى لها ابتزاز دول الخليج العربي ماليًا أكثر.
ومع ذلك لا يمكن القول إن واشنطن ستتدخل في اليمن بشكل مباشر وتصبح طرفا في الحرب ضد الحوثيين ما لم يستهدف الحوثيون سفنا أمريكية، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن إرسال المدمرة ليس إلا رسالة تحذيرية للحوثيين بأن يتجنبوا إعاقة الملاحة في البحر الأحمر”.
وتمركز المدمرة الأمريكية ( يو إس إس كول) يبعث أيضا برسالة طمأنة إلى السعوديين تظهر لهم جدية الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة إيران بالمنطقة، وكذلك هي رسالة من إدارة ترامب إلى إيران مفادها أن واشنطن ستنتهج ضد طهران سياسات أكثر تشددا مقارنة بسياسات الإدارة السابقة (برئاسة باراك أوباما)، وبالتالي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستغل ذلك الوضع وتعمل على استنزاف دول الخليج ماليًا أكثر، وفقًا لتعهدات دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية بأن حماية الخليج لن تكون مجانية وعليها أن تدفع مليارات الدولارات مقابل ذلك.
وتواجد المدمرة لن تتعدى حاليا الطابع الرمزي ما لم تقع حوادث إرهابية كبيرة ضد الولايات المتحدة، وجود مدمرة أو بضع قطع بحرية لا يغير من الأمر شيئا، فإذا كانت واشنطن راغبة بالتورط في حرب اليمن فهذا يتطلب تواجدا بحريًا وجويا كبيرا، فضلا عن دوافع واضحة لهذا التورط، لكن ذلك فقط هو بهدف نهب المال الخليجي بدعوى الحماية.
إن التدخل الأمريكي المباشر سيعزز من وضع القاعدة وداعش وسيحقق التفافا حول الحوثيين الذين يقولون في أدبياتهم إنهم يحاربون أمريكا وهذا سيعزز من مصداقية خطابهم، وسيظل الأمر مجرد تهديدات أو عمليات محدودة ضد القاعدة، وقد يتوسع لمحاربة الإسلام السياسي بمختلف أنواعه.
ضمان إسرائيل
هذا السيناريو قد يكون أحد أسباب التواجد الأمريكي في السواحل اليمنية الذي يبدو ظاهره حماية الممرات الملاحية الدولي من “المليشيا” الحوثية، وباطنه الضمان من أن يكون هناك ملاحة آمنة لإسرائيل إذا لم يتم هزيمة الحوثيين، وكانت مستجدات واقع الأرض لصالحهم، ووصل المجتمع الدولي بأهمية إحلال السلام في اليمن بمشاركة الحوثيين في حكم اليمن.
فشعار الحوثيون عدائي لإسرائيل، وتربعهم على السلطة في اليمن قد يضر بأمن الملاحة الإسرائيلية أو قد يواجهها عقبات في ذلك، نتيجة لما تم تصويره له أن الحوثيين ذراع خطير لإيران العدو الرئيسي للكيان الإسرائيلي في المنطقة، لكن هذا السيناريو يبدو ضعيفًا نتيجة لكون أن شعار الحوثيين ليس حقيقيًا، وإنما هو لدغدغة مشاعر اليمنيين، لكسب قاعدة جماهيرية عريضة في اليمن وربما الوطن العربي، سينتهي ذلك حالما يتمكنوا من الحكم في اليمن.
ماذا لو استدرجت إيران إلى الحرب؟
في30 يناير أعلنت قيادة التحالف العربي تعرض فرقاطة سعودية، أثناء ما قالوا إنها تقوم “بدورية مراقبة” غرب ميناء الحديدة، “لهجوم إرهابي” من قبل 3 زوارق انتحارية تابعة للحوثيين، بينما أعلنت الجماعة قصفها بصاروخ، اتهمت أمريكا إيران بالوقوف خلف هذا الهجوم.
قد تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل بشكل محدود في الحرب على الحوثيين باستخدامها لطائرات بدون طيار للهجوم على مواقع العسكرية
وبعد أيام من ذلك التقى وزير الخارجية في حكومة الحوثيين (غير المعترف بها دوليا)، هشام شرف، مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية في صنعاء، محمد فرحات، وسلمه رسالة إلى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، وسلمه رسالة تتعلق بأحدث مستجدات الوضع و “التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن”، إضافة إلى “اعتداءات التحالف السعودي”، وفقًا لوكالة سبأ التي يسيطر على الحوثيين.
لا يعرف التفاصيل الحقيقية والكاملة لتلك الرسالة، إلا أن المرجح أن الحوثيين طلبوا دعما من إيران، في مواجهة التصعيد الأمريكي الأخير، لكن هذا يدعم ما يصور معاونو الرئيس ترامب على أن اليمن ميدان معركة هامة للإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستسعى إلى اتخاذ تدابير ضد إيران، وستحاول التغلب على ما تعتبره فشل الإدارة السابقة في مواجهة نفوذ إيران المتنامي في المنطقة، لكن هذا النهج المتشدد قد يؤدي إلى انتقام إيراني ضد قوات الولايات المتحدة في العراق وسوريا أو حتى اندلاع حرب شاملة مع إيران.
إن اندلعت حرب شاملة مع إيران، فإن الأخيرة لها نفوذ سياسي ثقيل الوزن في العراق منذ ما بعد إسقاط صدام حسين، التي ربحت المعركة هناك بعد التدخل الأمريكي في إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وهو ما يعني أن طهران قد تعطي الضوء الأخضر لوكلائها في كل من العراق ولبنان بمهاجمة إسرائيل والرياض في نفس الوقت، وهو ما قد يعني تعرض أمن إسرائيل لخطر، وبالتالي سيدخل ترامب والمنطقة في دوامة لا يمكن أن تنته لاسيما وأن حزب الله اكتسب من الحرب السورية خبرة لا يمكن أن تقدر بثمن تضاف إلى خبرته السابقة في حربه ضد إسرائيل.
فالحزب نفسه أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو من عام 2000، وتصدّى له في حرب تموز 2006 وألحق في صفوفه خسائر كبيرة اعتبرت في إسرائيل إخفاقات خطيرة وتهديد وجودي لإسرائيل كدولة، والحرب القادمة ربما تكون أكثر خطورة على إسرائيل، ويكون ترامب قد أخفق في هذه العملية الحسابية.
الحشد الشعبي العراقي المدعوم إيرانيًا هو الآخر قد يتجه بإيعاز من طهران إلى الحدود العراقية السعودية لشن هجوم ضده لإنقاذ إخوانهم في “اليمن”، يتزامن ذلك مع زيادة الضربات الصاروخية من قبل الحوثيين إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني إنهاك الرياض في هذا الحرب، وزعزعة استقرارها، وستخرج الحرب عن السيطرة.
عودة المدمرة الأمريكية إلى المياه اليمنية بعد أن توارت عن الأنظار لمدة 19 عامًا حينما تم تفجيرها من قبل تنظيم القاعدة في 12 اكتوبر 2000 له سبب ظاهري عنوانه الأبرز تضامن وتأييد أمريكي صريح للسعودية
وتاريخيًا، هناك تجربة لإيران في استغلال الأخطاء العربية للتواجد بل والسيطرة على أهم العواصم العربية، فتجربة حوالي ثلاثين عاما تقول إن الغرب، وعلى رأسه أمريكا والخليج، لم يربحوا جولة واحدة من جولات صراعهم مع إيران، فقد حاربوها عبر العراق ثمان سنوات، وكانت مآلات الصراع لمصلحتها، إذ عاد حلفاء العراق لتدميرها، فيما نجت إيران وتعاظمت قوتها ونفوذها، وحين دمروا العراق رموا بها إلى حضن إيران، وحين تحاربوا معها في سوريا تكاد أن تربح الحرب وربحت قبله النفوذ. ونخشى أن تكون اليمن بعد العراق في حضن إيران بسبب نفس تلك الأخطاء التي يرتكبها العربان.
الخلاصة
مع ترامب كل شيء متوقع، وإن كان تضخيم الخطر اﻻيراني، بالنتيجة خطر الحوثيين، الهدف منه المزيد من نهب المال الخليجي بدعوى الحماية. والتدخل الأمريكي المباشر في اليمن أو ضد الحوثيين سيعزز من وضع القاعدة وداعش وسيحقق التفافًا حول الحوثيين الذين يقولون في أدبياتهم إنهم يحاربون أمريكا وهذا سيعزز من مصداقية خطابهم، والسيناريو الأقرب لتواجد البارجة الأمريكية في المياه الإقليمية اليمنية مجرد تهديدات أو عمليات محدودة، ولن يغير من الأمر شيئًا.