هل تفكر دائمًا عن المعنى الحقيقي للوطن؟ هل سمعت كل الإجابات ولم تقتنع بأي إجابة منهم مثلي؟ إذًا هذا الفيلم المأخوذ من قصة حقيقية هو ضالتك. الأفلام المستوحاة من قصص حقيقية عادة ما تؤخذ من كتاب تم نشره يكتبه صاحب القصة الأصلية، وهذا ما حدث مع فيلم “ليون”، وسرد الأحداث لن يحرق لك الفيلم لأنك سترغب بمشاهدة الفيلم لأكثر من مرة حتى وأنت تعلم تفاصيل القصة كاملة كما نشرت في كتاب A long way Home.
يحكي الفيلم عن قصة طفل في الخامسة من عمره يعيش مع أمه وإخوته في أفقر مدن الهند “كالكاتا” بمنتصف عام 2013، حيث يذهب الطفل “سارو” مع أخيه الأكبر كل يوم للعمل أو السرقة أو الشحاته في محاولة لإيجاد قوت يومهم. يغلب النوم الطفل الصغير يومًا ما، وينام في محطة القطار ليستيقظ ويجد نفسه وحيدًا بعد أن تركه أخوه وذهب للعمل، فيركب القطار وتبدأ رحلته، رحلة البعد والقدر، القدر الذي غالبا ما يكون أبعد ما يكون عن كل التصورات!
يجد “سارو” نفسه وحيدًا بالشوارع القاسية ويمر ببعض الأحداث المرعبة له كطفل صغير إلى أن يستقر بدار لرعاية الأطفال المفقودين، ومن هنا تبدأ القصة.
يتبنى “سارو” أسرة أسترالية، تقوم بدور الأم المتبنية الفنانة الشهيرة “نيكول كيدمان” والتي تظهر في دور صغير نسبيًا ولكنها قبلته فورًا نظرًا لجودة القصة وفريق الإنتاج ولأنها أيضًا أسترالية الجنسية مثل الأم المتبنية ويتشابهان في الشكل نوعا ما!
يسافر “سارو” إلى استراليا ويقابل أسرته الجديدة، يذهب لبلد تبعد آلاف الأميال عن قريته الفقيرة ولا يفهم من لغة قومها سوى بضع كلمات قليلة، علموها له عن طريق الحفظ في دار الرعاية تمهيدًا لسفره، من فقر “كالكتا” المدقع لمنزل فخم يطل على المحيط لأسرة ميسورة الحال، هم الآن والديه!
تمر السنين وينسى “سارو” لغته الأصلية وينسى أي ذكريات قديمة، ويكمل تعليمه في أرقى الجامعات، إلى أن يأتي يوم يجتمع به أصدقائه في عشاء على الطريقة الهندية!
فتبدأ الذكريات تضرب رأسه، عندما شاهد حلوى كان يتمنى تذوقها وهو صغير ويطلبها من أخيه الذي وعده بأن يشتريها له عندما يتوفر لهم المال، ولكن ذلك لم يحدث هناك أبدًا!
يلاحظ أصدقائه غيابه ثم يتناقشون عن الهند، وهل يتذكر أي شيء من طفولته هناك، إلى أن اقترحت إحداهن أن يستخدم “سارو” – بطل القصة – تطبيق “جوجل إيرث” الذي أطلقته جوجل وقتها وكان بنسخته الرابعة، وقد حرص مصدري ومنتجي الفيلم أن يظهر البطل بالفيلم وهو يستخدم نفس النسخة وحدث ذلك بالتعاون مع مطوري شركة جوجل نفسها.
بعد 25 عامًا من البعد عن مسقط رأسه، قرر “سارو” البحث عن أمه من الذكريات القليلة التي تجول بباله، عبر تطبيق جوجل إيرث. وقرر ترك عمله ودراسته وحياته، وباتت تسيطر عليه الفكرة، يريد أن يرجع لأمه ويجدها من وسط ملايين البيوت القديمة في “كالكاتا” عبر تطبيق إلكتروني!
وذلك ما حدث بالفعل ! لقد وجد “سارو” أمه بالفعل بعد حسابات ومعادلات وإحداثيات كثيرة، حدد المكان وسافر إليه، وجد نفسه يمشي في طرق يعرفها جيدًا وليست غريبة عليه! وصل لأمه وكان اللقاء بعد 25 عامًا من اختفائه وموت أخيه الأكبر، استخدم التكنولوجيا للوصول لجذوره، ونجح في ذلك !
وللقصة أبعاد آخرى، البعد التكنولوجي وشركة جوجل ومطوريها، هل من الممكن أن تتخيل أن تقوم بابتكار تطبيق يساعد شخص على الوصول لأمه بعد 25 عامًا، أو هل ألهمك الله بالفكرة من الأساس لتكون أداة يستخدمها شخص لا تعرف عنه أي شيء ولم يكن ليصل لأمه وأخته إلا بهذه الطريقة!
قامت شركة جوجل بإستضافة “سارو” وبطل الفيلم الذي قام بدوره وكاتب السيناريو والحوار وكان اللقاء بينهم وبين المطورين الذين كانوا متأثرين جدًا بالقصة وفخورين بمشاركتهم بها بشكل أو بآخر.
لقاء جوجل
استخدم “سارو” منصات التواصل الإجتماعي أيضًا للمساعدة في الوصول لمعلومات أكثر عن مكان تواجد أمه الحقيقية وأنشأ مجموعة على موقع فيسبوك للتواصل مع مواطنين هنود أصليين، كانوا يساعدوه في تأكيد التفاصيل التي يتذكرها لتحديد المكان الصحيح.
هل تسأل نفسك لماذا سمي الفيلم بـ”ليون” أو الأسد؟ ذلك لأن “سارو” ظل طوال عمره ينطق اسمه بطريقة خاطئة، اسمه بالهندي “شارو” وتعني “الأسد”.
فيلم تسجيلي قصير من إنتاج جوجل عن القصة بصور أبطالها الحقيقيين
ونتوقف هنا قليلًا.. عند معنى “الوطن”.. الكلمة التي رددها “سارو” كثيرا وهو يفكر بالبحث عن أمه.. – وهي الكلمة التي اختارها اسم كتابه “رحلة طويلة للوطن”- بعد مشاهدتك للفيلم أعتقد سيصلك الإحساس الحقيقي لهذه الكلمة التي فقد الكثيرون إيمانهم بها.
يبدو أن الوطن هو المكان الذي سقطت رأسك به كبذرة لنبتة مهما اقتلعوا فروعها وأبعدوها آلاف الأميال، ستظل تحن لجذورها مهما كانت الأرض التي زرعت بها قاحلة وفقيرة ومحاطة بالأوبئة. والوطن أيضًا هو اللعنة التي تصيبك بمجرد ولادتك ولا تستطيع أن تنسلخ منها مهما كانت قاسية أو مهما كرهتها.
والحنين للوطن وللجذور يختلف تمامًا عن الإنتماء والامتنان، لقد زار “سارو” والدته الحقيقية كثيرًا واشترى لها بيتًا، وساعد أخته التي كان يقابلها في وجود مترجم لأنها لا تتحدث الإنجليزية، وهو لا يتحدث الهندية، ولكنه اختار المعيشة مع عائلته الأسترالية وانسلخ تمامًا عن أي مظهر لشاب هندي.
يبدو أن لعنة السقوط الأول لرأسك لن تزول عنك حتى لو حاولت الهرب منها ولو أبعدتك الظروف، ستظل تطاردك كساحرة شريرة لن تهدأ وتتوقف عن إلقاء تعويذاتها عليك حتى تعود إليها.
أخيرًا، تم ترشيح الفيلم لستة جوائز أوسكار وأربعة جوائز بالجولدن جلوب، كما تم ترشيحه لـ 62 جائزة مختلفة فاز ب ٢٦ منهم. وحصل على ٨ نجوم من ١٠ في تصنيفات موقع IMDB ، كما حقق الفيلم إيرادات وصلت لـ 24 مليون دولار حتى الآن، بينما تكلف إنتاج الفيلم 12 مليون دولار.