دخل أطباء القطاعين العام والخاص في تونس، اليوم، في إضراب عام عن العمل، يشمل جميع الأنشطة الجامعية والاستشفائية وكل العيادات الخاصة والأنشطة الطبية داخل المخابر، فيما عدا الحالات الطارئة، على خلفية توقيف طبيبين (طبيبة في سوسة، وطبيب في قابس) على ذمة التحقيق بعد وفاة رضيع حديث الولادة، في سوسة (وسط)، ووفاة مريض إثر إجراء عملية جراحية، في قابس(جنوب).
إضراب مفتوح عن العمل
قرار الأطباء التونسيين الدخول في إضراب عام عن العمل، جاء على خلفية فتح القضاء التونسي تحقيقا في قضية وفاة رضيع، قال والده إنّه أدخل إلى ثلاجة الأموات رغم كونه حيا. ورغم إطلاق سراح الطبيبة المشرفة على الولادة التي تم اعتقالها على خلفية القضيّة، فقد قرّر أطباء القطاع العام الدخول في إضراب مفتوح عن العمل، يشمل إيقاف كل الأنشطة الطبية والأكاديمية ما عاد علاج الحالات الاستعجالية.
كانت نقابة “أطباء أسنان تونس”، قد دعت منظوريها، في بيان لها، إلى رفع الشارة الحمراء، ابتداء من يوم أمس
إلى جانب أطبّاء القطاع العام، دخل أطباء القطاع الخاص أيضا في إضراب عن العمل، اليوم، تم إقراره منذ يوم الأحد الماضي يشمل كل العيادات الخاصة والأنشطة الطبية داخل المخابر، تزامنا مع تنفيذهم وقفة احتجاجية أمام قصر الحكومة بالقصبة، للمطالبة بإطلاق سراح زميلهم الذي تم إيقافه بتهمة اقترافه لخطأ طبي تسبب في وفاة مريضة بمحافظة قابس الجنوبية، والتعجيل بسنّ قانون حول المسؤولية الطبية نتيجة تكرّر تعرّضهم إلى التتبع القضائي حتى في غياب أدلة لإدانتهم، وتأكيد رفضهم أن يكونوا تحت ضغط العقوبات الجنائية لدى ممارساتهم الطبية، و أنّه من غير المقبول توقيف الأطباء من دون إثبات تقصير أو خطأ طبي.
وكانت نقابة “أطباء أسنان تونس”، قد دعت منظوريها، في بيان لها، إلى رفع الشارة الحمراء، ابتداء من يوم أمس، وطالبت النقابة، في بيانها، البرلمان، بالعمل الجدّي لمراجعة التشريعات المتعلقة بممارسي مهنة الطب وطبّ الأسنان وسَنّ قوانين تحميهم.
تفاصيل حادثة وفاة الرضيع
حادثة وفاة الرضيع بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد في محافظة سوسة، وسط شرق البلاد، كانت السبب الرئيسي لهذه الاحتجاجات التي تشهدها تونس من قبل الأطباء. وتعود هذه الحادثة إلى يوم الجمعة الماضية، حيث نشرت وسائل اعلام تونسية خبر يتحدّث عن وضع طفل وُلد قبل اكتمال نموه (7 أشهر) في ثلاجة الموتى، بمستشفى فرحات حشّاد، في حين كان لا يزال على قيد الحياة، بحسب عائلته.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
والد الرضيع يحمل ابنه لدفنه
والد رضيع، قال، إن العاملين بالمستشفى اتصلوا به لأجل إعلامه أن ابنه ولد في الشهر السادس، وأنه يوجد في حالة حرجة، وعند تنقله إلى عين المكان، تم إخباره بوفاة ابنه. وعند جلبه لأوراق الوفاة وتنقله إلى ثلاجة الموتى لأجل تسلّم ابنه ودفنه، فوجئ بممرضة تقول إنّ ابنه حيّ، وتحاول اسعافه، إلّا أنه توفي بعد ساعات، حسب قوله، واتهم والد الرضيع إدارة المستشفى بالتقصير والإهمال والتسبب في قتل ابنه.
أذن رئيس الحكومة يوسف الشاهد لوزيرة الصحة سميرة مرعي بفتح تحقيق عاجل لتحديد المسؤوليات في وفاة المولود
غير أن إدارة المستشفى، قالت في بلاغ لها إنه لم يتم إيداع الرضيع بيت الأموات، وإنه بقي طوال هذه المدة في قاعة التوليد، كما أن الأب عاين حالة الوفاة في هذه القاعة ولم يبد أي ملاحظة، كما أشارت الإدارة إلى أن الولادة تمت عن طريق عملية قيصرية عاجلة لإنقاذ الأم الحامل في شهرها السادس.
وأثناء ذلك، أذن رئيس الحكومة يوسف الشاهد لوزيرة الصحة سميرة مرعي بفتح تحقيق عاجل لتحديد المسؤوليات في وفاة المولود، وقع على إثره إيداع طبيبة بالسجن ليتم الإفراج عنها، مؤقتا، مساء الإثنين، وسط تحركات احتجاجية للأطباء. إلا أن الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بسوسة، أكّد في تصريحات اعلامية أنّ “المعطيات الثابتة في الملف تشير إلى وقوع تغيير في الملف الطبي المحجوز للمولود، وأن الأبحاث كشفت أن الطبيبة المقيمة قامت بتشخيص مغلوط للرضيع المتوفي الذي تم تسليمه لأبيه في علبة كرتون.“
مغالطةً من الإعلام التونسي للرأي العام
ما نشر عن قضية “موت الرضيع”، اعتبره الأطباء مغالطةً من الإعلام التونسي للرأي العام وتجييشاً له، في حين أن الأمر يتعلق بإجراءات طبية معمول بها في كل أنحاء العالم في مثل هذه الحالات. وسارعت عديد المؤسسات الاعلامية إلى نشر خبر وفاة الرضيع والتأكيد على أنه ولد حيّا ووضع في بيت الأموات في كرتونة ورقية.
وزارة الصحة بدورها تدخّلت، ونفت ما وقع تداوله، وقالت في بيان لها أنّ “التحقيق الذي تمّ فتحه في الغرض يؤكّد أنّ المولود لم يتمّ إيداعه ببيت الأموات وأنه بقي من تاريخ ولادته بقاعة التوليد كما جرت عليه العادة”، مشدّدة على أنه “تمّ تمكين الأب من رؤية مولوده على الساعة العاشرة صباحًا، من يوم السبت، وعاين حالة الوفاة ولم يبد أيّة ملاحظة”.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
وزيرة الصحة التونسية أكّدت سلامة الاجراءات المتّبعة
وأوضحت الوزارة في بيانها أنه تم إنعاش الجنين مدة 20 دقيقة من طرف الطبيبة المقيمة ولكنه لم يتمكن من استعادة العلامات الحيوية الكاملة، وعليه فإن أمل الحياة بالنسبة إليه منعدم، ولكن يمكن للجنين ان يبقى بضع ساعات على قيد الحياة أي يتنفس.
مازال التحقيق مستمر رغم إطلاق سراح الطبيبة بعد دفعها غرامة مالية قدرها 600 دينار (حوالي290دولار)
من جانبها، عبّرت وزيرة الصحة التونسية، سميرة المرعي عن ارتياحها لقرار الإفراج عن الطبيبة المتهمة في القضية، مؤكّدة، في ندوة صحفية، أن الإجراءات العلاجية المتخذة كانت سليمة ولم يقع أيّ خلل على مستوى التكفل بالجنين.
وتعمل وزارة الصحة على إصدار تشريعات لحماية الإطار الطبي وشبه الطبي وتحديد المسؤوليات لتدارك الثّغرات القانونيّة في مجال الصحّة، وأثارت حادثة وفاة المولود في ظروف مسترابة بمستشفى فرحات حشاد الكثير من الجدل والاستياء في تونس، ومازال التحقيق مستمر رغم إطلاق سراح الطبيبة بعد دفعها غرامة مالية قدرها 600 دينار (حوالي290دولار).