ترجمة: حفصة جودة
في وقت مبكر من شهر أغسطس/آب، شاهد العالم الفظائع التي ارتكبتها السلطات الهندية شمال ولاية هاريانا الهندية، حين هدمت أكثر من 300 منزل ومحل تجاري يملكهم مسلمون في مقاطعة نوح ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في الولاية.
بعد أعمال العنف، دعت الجماعات اليمنية الهندوسية المتطرفة إلى مقاطعة متاجر المسلمين، كما دعت أصحاب المتاجر الهندوس إلى فصل الموظفين المسلمين، كانت الاشتباكات قد اندلعت بين المسلمين والهندوس في نوح قبل أعمال الهدم، عندما وصل موكب تقوده منظمة “Vishwa Hindu Parishad” اليمينية المتطرفة إلى المقاطعة.
ما نشهده الآن، هو بلا شك نتيجة خطاب الكراهية الذي يشجع عليه النظام الهندوسي القومي الحاليّ، لكن هذا التدمير واسع النطاق لمنازل المسلمين وممتلكاتهم في أجزاء من البلاد مثل “نوح” حيث يعيش المجتمع المسلم منذ قرون، يشير إلى وضع أسوأ: ألا وهو جهد حثيث لمحو أي دليل لوجود المسلمين وتراثهم في البلاد.
فهل يبدو ضربًا من الجنون الاعتقاد بأن ذلك قد يمثل خطوة أولى نحو إبادة جماعية كاملة؟
عبر السنين، وتحت قيادة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، شهدت الهند تقاربًا تدريجيًا مع “إسرائيل”، ويبدو أن اليمين الهندوسي كان متطلعًا لمحاكاة النهج الإسرائيلي مع الفلسطينيين.
وقد بدا تحديدًا محاكاتهم الجهود الإسرائيلية للمحو الممنهج للتاريخ والثقافة والتراث الفلسطيني، يبدو أنهم استلهموا ذلك من طريقة تدمير أكثر من 530 قرية فلسطينية في أثناء وبعد النكبة عام 1948.
بالإضافة إلى استمرار هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس لإفساح المجال للمستوطنات الإسرائيلية التي تعد غير شرعية وفقًا للقانون الدولي.
ومثلما بُني مطار بن غوريون على أنقاض المجتمعات الفلسطينية التي طُردت من منازلها، بُني معبد “Hindu god Ram” على أنقاض مسجد بابري التاريخي في الهند، حيث دُمر في ديسمبر/كانون الأول عام 1992 على يد المتطرفين في حزب مودي.
في نيودلهي عام 2020، تظاهر النشطاء ضد قانون المواطنة المثير للجدل “CAA” الذي يمنح الجنسية الهندية للمهاجرين غير المسلمين فقط من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان
ويبدو أنهم يرغبون في محاكاة المزيد من “إسرائيل” مثل الطريقة التي ترفض بها المتاحف الإسرائيلية ذكر الفلسطينيين أو الاعتراف بوجودهم كمجتمع وطني مستقل.
ماذا عن القوانين التي تشبه القوانين الإسرائيلية التي تنكر على الفلسطينيين حق رثاء خسارة منازل أسلافهم وأراضيهم أو المطالبة بها؟ وفقًا لتعديل 40 لقانون “Budget Foundations Law” الذي يجرم إحياء الفلسطينيين لذكرى النكبة.
هناك أيضًا قانون الدولة القومية اليهودية، الذي مرره الكنيست عام 2018 وينص على أن “إسرائيل” دولة قومية للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير في دولة “إسرائيل” هو حق خاص بالشعب اليهودي فقط.
من الواضح أن القانون يتعلق بعدم قدرة الفلسطينيين على النضال من أجل الحرية أو الحق في الأرض التي بُنيت عليها “إسرائيل”، ويبدو أن مودي تعلم ذلك أيضًا من “إسرائيل”.
القضاء على ماضي المسلمين وحاضرهم في الهند
تُطبق القوانين الهندية اليوم بشكل انتقائي، فقد أصرت السلطات الهندية على أنها تستهدف المباني والمتاجر غير القانونية الخاصة بالمشاغبين فقط، لكن في نوح وغيرها هناك أدلة كثيرة على أن أعمال الهدم تستهدف المسلمين.
في نيودلهي عام 2020، شهدنا استهدافًا ممنهجًا لممتلكات المسلمين، عندما تظاهر النشطاء ضد قانون المواطنة المثير للجدل “CAA” الذي يمنح الجنسية الهندية للمهاجرين غير المسلمين فقط من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان.
هتفت عصابات “Hindu lynch” بشعارات دينية غاضبة وخرجوا في الشوارع والأحياء مدججين بالأسلحة والقنابل الحارقة، لكن منازلهم لم يمسسها أي أذى.
وفقًا لمفوضية دلهي للأقليات “DMC” فهذه العصابات استهدفت منازل المسلمين فقط وأعمالهم التجارية ومركباتهم وكذلك مساجدهم ومدارسهم وأضرحتهم ومقابرهم، أضافت المفوضية أنه لقمع المظاهرات المناهضة للقانون، فإن الخطة الانتقامية للعصابات الهندوسية كانت بدعم الشرطة والإدارة الهندية.
في أبريل/نيسان 2022، اندلعت الاشتباكات في مدينة كهرغون بولاية مدهية برديش بعد أن احتفل المتعصبون الهندوس بمهرجان “Ram Namavi” الهندوسي، ومروا بأحياء المسلمين وعزفوا موسيقى تحريضية تدعو للعنف ضد المسلمين.
وانتقامًا من المسلمين لإلقائهم الحجارة على المتعصبين بحسب زعمهم، فقد أرسلت السلطات جرافات تهدم تلك الأحياء.
في يونيو/حزيران 2022، عندما تظاهر النشطاء ضد تعليقات قادة حزب بهاريتا جاناتا الحاكم على النبي محمد، ردت حكومة ولاية أوتار برديش بطريقة مماثلة وهدمت منازلهم، وغرد المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء بصورة لهدم المنازل قائلًا: “يجب أن تتذكر العناصر الجامعة أن يوم الجمعة سيتبعه السبت دائمًا”.
هذا الخطاب مبني على تاريخ طويل من الإيدولوجيات المناهضة للمسلمين، المتجذرة في فلسفة راشتريا سانغ، الأب الروحي للحزب الحاكم وقوميات هندوسية أخرى
في الوقت نفسه، حُذفت فصول عن التاريخ الإسلامي للبلاد من الكتب المدرسية، ومن الواضح أن عملية حذف التراث الإسلامي في الهند برعاية الدولة ما زالت مستمرة.
على حافة الإبادة الجماعية
هذه المعاملة الهندية للمسلمين تقترب من حافة الإبادة الجماعية، فقد أصبح تعريف الأمم المتحدة للإبادة الجماعية واضحًا على مدى السنوات القليلة الماضية، خاصة مع أفعال مثل هدم المنازل والمتاجر، التي تخلق عمدًا ظروفًا قد تؤدي إلى التدمير الفعلي لحياة المسلمين.
أحد أوجه تعريف الإبادة الجماعية هي النية، كأن تسأل: هل تتعرض هذه المجموعة من الناس للاستهداف بغرض القضاء عليها؟
ربما من الصعب أن تثبت ذلك، لكن إذا نظرنا لسجل الحركة القومية الهندوسية بشأن الإسلاموفوبيا، فلن يكون من الصعب القول إن هناك درجة معقولة من النية والقصد.
في السنوات الأخيرة، حرض القادة الهندوس بشكل مستمر على العنف والتمييز ضد المسلمين في المنتديات العامة، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022 خلال حدث “Virat Hindu Sabha” في دلهي، مجّد عضو المجلس التشريعي الهندي ناند كيشور أفعال الجماعات الهندوسية خلال أعمال الشغب في دلهي عام 2020، وقد قال أمام 2500 من الحضور “لقد قتلنا الجهاديين وسنواصل قتلهم”.
حضر الحدث بارفيش فيرما وهو عضو أيضًا بالبرلمان وأحد قادة الحزب الحاكم، وقال في خطابه: “عندما ترى المسلمين في أي مكان وتجد أن عليك إصلاح عقليتهم فيجب أن تقاطعهم تمامًا، لن نشتري شيئًا من متاجرهم ولن نقدم لهم أي وظائف”، يعد رئيس وزراء ولاية أوتار برديش القائد في الحزب الحاكم يوجي أديتياناث أحد رواد خطاب الكراهية المعادي للمسلمين.
هذا الخطاب مبني على تاريخ طويل من الإيدولوجيات المناهضة للمسلمين، المتجذرة في فلسفة راشتريا سانغ، الأب الروحي للحزب الحاكم وقوميات هندوسية أخرى.
حذر العديد من الخبراء بالفعل من اقتراب وقوع إبادة جماعية للمسلمين في الهند، قال جريجوري ستانتون رئيس منظمة “Genocide Watch” الذي تنبأ بوقوع إبادة جماعية في رواندا عام 1989، إن عملية مماثلة على وشك أن تقع في الهند.
ومع سيطرة الحركة القومية الهندوسية بشكل صارم على كل نواحي الحياة والسياسات في الهند، فلم يعد أمامنا إلا خيارات قليلة لتجاوز أجندة الإبادة الجماعية، لكن هذه العملية لا يمكن السيطرة عليها.
الاعتراف بأن الهدم في نوح وفي كل مكان آخر هو خطوة نحو محو هوية مسلمي الهند، أمر بالغ الأهمية لمقاومة هذه الأجندة.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية