يبدو أن الحصار الإسرائيلي المفروض على سكان قطاع غزة للعام العاشر على التوالي، وشرب سكانه المحاصرين طوال تلك السنوات مرارة الأزمات “الإنسانية والمعيشية والاقتصادية وإغلاق الحدود”، لم يكن شافعاً للسلطة الفلسطينية والإتحاد الأوروبي، حتى بدئوا يلوحون باللعب بأخطر الأوراق وهي “لقمة العيش”.
هذه الورقة بدأ اللعب فيها قبل أشهر حين أعلنت بريطانيا تقليص الدعم المالي الذي تقدمه للسلطة الفلسطينية، ولكن تجددت وأصبحت ورقة أضغط أقسى وأشد حين أعلن الإتحاد الأوروبي بشكل رسمي إنه لن يدفع رواتب موظفي السلطة المتواجدين في قطاع غزة بدءً من العام الجاري (2017).
هذا القرار ومع استمرار صمت الحكومة والسلطة الفلسطينية، خلق حالة كبيرة من “الغضب والقلق ” لدى آلاف الموظفين في القطاع، بعد أن أصبح مصير عائلتهم مجهولاً وبات مهدداً في ظل صمت كبير من قبل الحكومة أو السلطة الفلسطينية.
لعب بلقمة العيش
فيخشى هؤلاء الموظفين أن تكون حكومة رامي الحمد الله، وبتوجيه مباشر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بدأت فعلياً باتخاذ خطوات الاستغناء عنهم بحجة “وقف الدعم أو الضائقة المالية التي تعاني منها الحكومة”، رغم أنهم أصبحوا “مستنكفين” بأمر مباشر من الرئيس عباس، بعد سيطرة حركة “حماس” على القطاع.
حالة “الغضب والقلق” التي باتت تسيطر على الموظفين في قطاع غزة، تتصدر الآن المشهد الفلسطيني وأصبحت القضية الأهم بالنسبة للموظفين، بعد القرار الأوروبي الأخير بوقف دفع رواتبهم، معتبرين ذلك بأنه “خطة مكشوفة من قبل الحكومة للاستغناء عنهم وقطع رواتبهم”.
على الاتحاد الأوروبي أن يقف وقفة جادة مع السلطة الفلسطينية، حتى تتمكن السلطة من الاعتماد على الموارد الذاتية لديها، ونتجه لجوهر المشاكل، وليس التداعيات المترتبة عليها
ويقول ناصر حلس” 45 عاماً، (الموظف في وزارة الخارجية) قبل 10 سنوات، إن:” حكومة الحمد الله المسؤولية الكاملة عن قطع أي راتب من موظفي السلطة في قطاع غزة”، مؤكداً أن ما يجري الان هي “مجزرة قطع رواتب بحق الموظفين”.
ويضيف حلس:” قبل أعوام كان الحمد الله يشكوا من المصاريف التي تقدمها السلطة لموظفي غزة المستنكفين، وكان دائماً يلوح بخطوات قاسية وصعبة تجاه غزة بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة والسلطة معاً “.
ويتابع:” قبل أشهر بريطانيا أعلنت تقليص حجم مساعدتها المالية التي تقدمها للسلطة الفلسطينية، وقبل أيام الإتحاد الأوروبي أعلن رسمياً تعديل الصرف المالي الذي يقدم للحكومة، ورفع يده عن دفع رواتب موظفي السلطة في غزة، وهذا الأمر في غاية الخطورة”.
ويشدد “حلس”، على أن ما يجري من حولنا هو ضمن سياسة دولية بمشاركة السلطة الفلسطينية للتضييق الخناق على قطاع غزة، وتصفيه كافة الموظفين التابعين للسلطة في القطاع، تحت حجج واهية”، محملاً الرئيس عباس المسؤولية الكاملة عن أي مكروه يصيب عائلته في حال نفذ قرار قطع الرواتب.
من جانبه، حمل بسام زكارنة، رئيس نقابة الموظفين السابق، أن الحكومة الفلسطينية تتحمل مسؤولية تفاقم الأوضاع المالية التي تعاني منها بسبب سياستها الفاشلة في التعامل مع المتغيرات الداخلية.
وأكد زكارنة، أن سياسة الحكومة “الفاشلة” هي التي قادت إلى تأزيم الأوضاع الإنسانية والمعيشية والاقتصادية داخل الأراضي الفلسطينية، ومحاول تحميل الموظف المسؤولية أمر “غير قانوني” ولن يقبل به أحد.
وأعلن الاتحاد الأوروبي، مؤخراً، أنه ينوي تبني سياسة دعم مالي جديدة فيما يخص قطاع غزة لعام 2017، بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، معلناً عزمه تخصيص أموال الدعم الأوروبي لصالح قطاع غزة، والبالغة 30 مليون دولار؛ لدعم العائلات الفقيرة ومشاريع تتعلق بالتنمية الاقتصادية.
أزمة وحصار جديد
من جانبه عقب الدكتور معين رجب أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الأزهر، على مخاطر القرار الأوروبي الخاص بموظفي غزة وقال: “إنه من المعروف أن رواتب موظفي السلطة الفلسطينية هي من أهم بنود النفقات العامة، وهي تشكل نسبة كبيرة من الموازنة العامة للسلطة، فإذا ما قام الاتحاد الأوروبي بإلغاء دعمه لموظفي القطاع، فإن عجز الموازنة سيزداد.
وتابع، “ستواجه السلطة مشاكل مالية جديدة بعد هذا القرار في الوقت الذي تراجعت فيه المنح والدعم الذي تقدمه الدول المانحة، وستزداد الأمور تعقيداً أمام السلطة، وتجد نفسها غير قادرة على الالتزام بدفع الرواتب.
وعن الخطوات التي يمكن للسلطة فعلها أمام هذا القرار، أكد رجب “أن موظفي السلطة في غزة سيقعون في ضائقة مالية كبيرة، وهم يعانون مسبقاً من ضائقة مالية نتيجة التزامهم بالأقساط للمصارف وغيره، وغير قادرين على الوفاء بأبسط الالتزامات التي يواجهون بها حياتهم اليومية.
واعتبر رجب، “أن هذا القرار تحذيري من الاتحاد الأوروبي، وقد يكون تهديداً للسلطة لكي تصحح الأوضاع المالية لديها، مشيراً إلى أن الدول المانحة تعطي الأولوية للأمور الأكثر أهمية، والأصل أنه ليس هناك منح لصرف الرواتب لأن الرواتب مصدرها الإيرادات العامة للسلطة، وعليها الاعتماد ذاتياً في تمويل نفقاتها، خاصة في موضوع الرواتب.
ووجه رجب نداء للسلطة بأن تعيد النظر في ترتيب أمورها المالية؛ لكي تقلل من الاعتماد على الدول المانحة، وأن يكون اعتمادها على الإيرادات الذاتية، مع الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يقف داعماً لإنهاء مشاكل الانقسام التي أفرزت موظفين جالسين في المنازل في غزة.
يخشى الموظفين أن تكون حكومة رامي الحمد الله، وبتوجيه مباشر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بدأت فعلياً باتخاذ خطوات الاستغناء عنهم بحجة “وقف الدعم أو الضائقة المالية التي تعاني منها الحكومة”
وختم رجب، “على الاتحاد الأوروبي أن يقف وقفة جادة مع السلطة الفلسطينية، حتى تتمكن السلطة من الاعتماد على الموارد الذاتية لديها، ونتجه لجوهر المشاكل، وليس التداعيات المترتبة عليها”.
خيارات السلطة أمام أزمة الموظفين
وفي ذات السياق، كشف مصدر حكومي مطلع أن السلطة الفلسطينية تدرس خياران من أجل معالجة قضية الموظفين “المستنكفين” في قطاع غزة منذ العام 2007، وبحسب المصدر فالخياران هما :” تطبيق التقاعد المبكر، ويجري مناقشته من قبل عدة جهات في السلطة( الإدارة والتنظيم للعسكريين ، وديوان الموظفين العام للمدنيين ، ووزارة المالية) ، وتشكيل هيكلية للوظيفة العمومية، وتسكين من ترى جهات الاختصاص بأنه يصلح للاستمرار في وظيفته ، والاستغناء عن من تراه هذه الجهات غير صالح للوظيفة.
ويقدر عدد الموظفين التابعين للسلطة بنحو 185 ألفاً، منهم 42 ألفاً في قطاع غزة، وفق نقابة العاملين الحكوميين في الخدمات العامة.
وتواصل السلطة صرف رواتب موظفيها في قطاع غزة رغم سيطرة حركة “حماس” على الأوضاع فيه منذ منتصف عام 2007، علماً أنها أمرت غالبية موظفيها بالاستنكاف عن العمل منذ بدء الانقسام الداخلي في العام ذاته.