دستور توافقي جديد يؤسس للجمهورية التونسية الثانية

انطلقت الاحتفالات داخل قبة البرلمان وفي منازل التونسيين مباشرة إثر إعلان المجلس الوطني التأسيسي التونسي، قبل منتصف ليلة البارحة بدقائق، عن إقرار الدستور الجديد بأغلبية 200 صوت من أصل 216، وبمعارضة 12 نائبا فقط ليعتمد الدستور دون الحاجة لتصويت ثاني داخل البرلمان ودون الحاجة للذهاب إلى استفتاء شعبي لتمريره.
ورغم الخلافات الكثيرة التي نشبت طيلة السنتين الماضيتين والتي بلغت درجة إعلان حوالي 60 نائبا من المعارضة عن تعليق عضويتهم في المجلس التأسيسي ومناداة المعارضة بحل المجلس وإلغاء كل ما نتج عنه، فإن الدستور أقر مساء أمس وسط أجواء توافقية احتفالية رفعت فيها أعلام تونس وتعانق خلالها من كانوا بالأمس “أعداء”.
المنجي الرحوي، النائب المعارض، والحبيب اللوز النائب عن حركة النهضة، والذين اشتهرا بما نشب بينهما من خلاف وصل في الأسابيع الأخيرة جعل الحبيب اللوز يتهم الرحوي بأنه “عدو للإسلام” وجعل الرحوي يتهم اللوز بأنه “شيخ الكذابين”، جمعت بينهما صورة أسالت دموع التونسيين وهما يتعانقان فرحا بالدستور الجديد ويصفحان عما نشب بينهما من خلاف
مي الجريبة أبرز الوجوه النسائية المعارضة في تونس قبل الثورة وبعد الثورة، وكذلك شريكها في النضال داخل الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي والذين اختارا صفوف المعارضة حتى بعد هروب زين العابدين بن علي ووجهت لهم اتهامات كبرة من قبل أنصار حركة النهضة ووجهوا بدورهم اتهامات كبيرة للائتلاف الحاكم وللنهضة ورئيسها، ألتقطت لهما مساء أمس صور مع الشيخ راشد الغنوشي في حالة تذكر بوحدة المعارضين التونسيين ما قبل الثورة
سلمى بكار، أكثر النواب علمانية، ومحرزية العبيدي الإسلامية، واليساريون والقوميون وكل من كانوا قبل أيام خصوما وكل من وجهوا لبعضهم البعض أشد التهم، اجتمعوا مساء أمس تحت قبة البرلمان ورغم انتهاء الجلسة وخروج رئيسها بقوا لوقت طويل يتعانقون ويغنون معا أغاني الثورة وينشدون سوية: “إذا الشعب يوما أراد الحياة”
الشيخ راشد الغنوشي، والذي وصل المجلس التأسيسي قبل ساعات من المصادقة على الدستور قال للصحفيين: “إذا استلزم الأمر فسأعتصم هنا ولن نخرج قبل أن يكون للتونسيين دستورهم”، صرح بعد انتهاء التصويت وقال: “اليوم الشعب التونسي يثأر لنفسه ويقول أنه لن يسمح مجددا بالحاكم المطلق مهما دعا من دعاوي التقدم، اليوم يحقق التونسيون ثمرة من ثمار نضالهم وتضحياتهم”، مضيفا: “اليوم نختم دستورا يؤكد على حقوق الانسان وأن الحاكم مراقب والسلطة تعود للشعب”. وختم كلامه بالقول: “من أجل هذا الدستور تركت حركة النهضة السلطة”.
الصادق شورو المنتمي ل”صقور” حركة النهضة والذي قال قبل أيام :”هذا الدستور ولد ميتا وقد كبرت عليه أربعا وصليت عليه صلاة الجنازة”، قال مساء أمس: “هذا الدستور يعتبر أول دستور في تاريخ الدول العربية والإسلامية يتم تأسيسه في ظل مناخ من الحرية”، مضيفا: “هذا الدستور يتضمّن بعض النقائص من ناحية تجذير المرجعية الإسلامية لكن فيه العديد من نقاط القوة باعتبار أن الحريات هي من الإسلام والفصل الأول يعتبر مرجعية إسلامية”.
صحيفة المصور التونسية تساءلت: “داخل النهضة والنداء.. هل هي الانتفاضة؟ إذا كان الحزبان قد نجحا نسبيا في تجنيب تونس هزة سياسية فإن الهزات قد انتقلت الى داخل كل حزب منهما” مشيرة إلى اللقاءات الثنائية التي جمعت رئيس حركة النهضة برئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي، والتي أسفرت إلى تقارب وتوافق بين الحزبين حول عديد من المسائل وهو ما لم تتقبله قواعد الحزبين الذين يرى كل منهما في الآخر عدوا سياسيا لا مجال للجلوس معه.
وخارجيا، رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالمصادقة على الدستور التونسي الجديد، معتبرا أنها مرحلة تاريخية، حيث قال المتحدث باسمه مارتن نيسركي: “إن العملية الانتقالية الديموقراطية في تونس اجتازت مرحلة تاريخية جديدة بالمصادقة اليوم على دستور جديد”. وأضاف قائلاً: “إن بان مقتنع بأن المثال التونسي قد يكون نموذجا للشعوب الأخرى التي تتطلع إلى إجراء إصلاحات”.
ومن المفترض أن يكون بان كي مون، اليوم من أهم الضيوف الذين سيحضرون جلسة ختم الدستور وتسليمه لرئيس الجمهورية، بالإضافة إلى رئيس البرلمان العربي ورئيس مجلس الشيوخ الفرنسي ورئيس البرلمان التركي وعددا آخر من الشخصيات الوطنية ومن سفراء معتمدين وخبراء ساهموا في كتابة الدستور الى جانب رؤساء الأحزاب الممثلة والمنظمات الوطنية.
بعض فصول دستور الجمهورية التونسية الثانية:
الفصل الأول: تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها. لا يجوز تعديل هذا الفصل.
الفصل الثالث: الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات، يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الانتخاب.
الفصل السادس: الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها.
الفصل السابع: الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، وعلى الدولة حمايتها.
الفصل 18: الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنية وفق ما يضبطه القانون.
الفصل 22: الحق في الحياة مقدس. لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون.
الفصل 31: حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات.