“إهدار للمال العام، مُنع لأسباب أخلاقية، عدم مطابقته للمعايير الإعلامية، تهديد للأمن القومي، كلها أسباب تعد حجة ذهبية للرقابات الفنية في أن تمنع مسلسل كامل من العرض أو حتى من الخروج إلى النور، بل وتحريض طاقم العمل على التكتم الكامل عن أسباب المنع، لينتهي المطاف بالعمل الفني في أدراج مكاتب شركات الإنتاج، ينعي مؤلفيها ومخرجيها الذكرى السنوية لمنعها من العرض.
على الرغم من أن حرية التعبير الفنية وقعت ضحية القمع هي الأخرى، إلا أنها لا تقارن بضحايا قتل القمع السياسي في الدول العربية، هكذا تحدث الكاتب “بلال فضل” عندما خرج عن صمته بعدما تم منع مسلسله “أهل إسكندرية” عن الخروج للنور ولمدة ثلاث سنوات متتالية، حيث تابع أنه في خضم القتل والقمع وإهدار الكرامة الإنسانية والفوضى السياسية التي تعيشها مصر الآن، لا يستطيع المرء إلا أن يشكو، ويرد غيبة المسلسل في ذكراه الثالثة بعدما تم حجبه عن الشاشات التي ترقبت عرضه.
على الرغم من مرور ثلاث سنوات على منع مسلسل “أهل إسكندرية”، إلا أنه وفي كل ذكرى سنوية له، يخرج الكاتب “بلال فضل” محتفلًا بذكرى منعه عن العرض، مبينًا أن كل ما كان يصدقه الشعب المصري من أوهام السيسي وانتصاراته ومحاربته للإرهاب جاء على حساب الحرية في كل المجالات، ليقمع المتظاهر، والثوري، والكاتب، والفنان.
“تشويه صورة الضباط المصريين”، كان ذلك سبب المنع الواضح والصريح من رئيس الوزراء المصري السابق “إبراهيم محلب” لمسلسل “أهل إسكندرية”، حيث جاء المنع من رتبة تتعدى رتبة الرقابة الفنية، وهي الحكومة المصرية، باعتراضها على تشويه صورة الضباط المصريين في مرحلة انتقالية مضطربة تعيشها مصر في تلك الفترة.
مشهد من مسلسل “أهل الإسكندرية”
لا يعتبر مسلسل “أهل إسكندرية” حالة فردية في الدراما العربية، بل هو يعبر بشدة عن الدراما العربية المقموعة، التي تواجه تحدي القمع، إن واجهت الفساد السياسي بين طيات عملها الفني، حيث يقول الكاتب “بلال فضل” في تقريره السابق، أن من الجيد أن المسألة تنتهي بمنع المنتج الفني من العرض فحسب، ففي بعض الأحيان، ربما يتعرض طاقم العمل كذلك لتهم مختلقة قد تودي بهم خلف القضبان.
اتفق معه في ذلك الممثل “جمال سليمان” حين عبر عن سخطه على الحالة التي وصلت إليها الدراما العربية، والتي يعيد أسبابها الرئيسية إلى اضمحلال الثقافة العربية حتى وصلت إلى مرحلة مخيفة من الاستخفاف بعقل المشاهد، وتزويدها المستمر له بالمحتوى السطحي أو الهابط، ليس لأنها غير قادرة على إنتاج ما هو أفضل، ولكن كل ما هو أفضل بالفعل يبقى في الظلام نتيجة للقمع الفني.
“أهل الإسكندرية”
برومو مسلسل أهل إسكندرية
تدور قصة مسلسل “أهل إسكندرية” حول أحداث ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، بحيث يلقي الضوء على فساد أجهزة الشرطة والاستخبارات المصرية في نهاية عام 2010، بالإضافة إلى تسليطه الضوء على رموز فاسدة كثيرة في مجال الإعلام المصري و قطاع الاقتصاد، وعلاقتها بالحكومة المصرية والنظام الحاكم، فكان من المقرر عرض المسلسل في رمضان عام 2014 على قناتي المحور والحياة، قبل أن يتأجل عرضه للعام المقبل لأسباب غير معلومة، وبعد عرض إعلانات المسلسل في الشوارع، رفضت القناتين عرضه بسبب منعه من العرض لأسباب سياسية و تهديده الأمن القومي بتشويه صورة جهازالشرطة المصرية.
مسلسل التغريبة السورية
على خطى “التغريبة الفلسطينية” تحدث الممثل السوري “جمال سليمان” عن كتابة سيناريو مسلسل “التغريبة السورية” في روايته عن قصة عائلة سورية مكونة من أب مسلم يساري التوجه وأم مسيحية وابن شارك في المظاهرات الشبابية وأصبح لاحقا في “جبهة النصرة”، ويرصد التحولات الاجتماعية التي حدثت في الثورة السورية، لكنه لم يجد طريقه إلى النور حتى الآن، وذلك لرفض الدراما السورية والدراما العربية الرسمية عرض أي مسلسل يتحدث بشكل مباشر عن القضية السورية.
رغب الفنان “جمال سليمان” أن يكون ذو موقف واضح كفنان تجاه الأزمة السورية، ليس فقط على المستوى الشخصي ولكن أيضًا على المستوى العملي، فأراد تخصيص عمل فني كامل عن الأزمة السورية بأياد عربية، وعلى الرغم من اكتمال العمل الفني إلا أنه تم مقابلته بالرفض التام، حيث أوضح “جمال سليمان” بأنه لن يتخلى عن موقفه من الثورة السورية، قائلًا في لقاءه مع قناة “الجزيرة“
“عندما أتخذ أي موقف لابد أن أكون مدركًا لتبعاته وجاهزًا لدفع الثمن، وأشعر أنني سجلت موقفًا لصالح نفسي وشعبي وبلدي”
مسلسل “الشتات” وغضب اليهود
بعد الحملة الإعلامية المركزة التي اتخذت من مسلسل “الشتات” هدفًا لها للتعتيم عليه ورفض نشره، نجح الكيان الصهيوني بالفعل في اكتساب التأييد الدولي لرفض عرض “الوطن القومي لليهود” بهذا الشكل في المسلسل العربي “الشتات”، فعلى الرغم من اعتماد المسلسل على أكثر من 250 وثيقة تاريخية شرحت فيها تاريخ اليهود وتاريخ شتاتهم قبل قيامهم بتأسيس الوطن القومي الخاص بهم، ليتناول تاريخ الصهيونية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بدأت قناة “المنار” التابعة لحزب الله اللبناني بنشره، ليثير بعد ذلك ضجة شديدة في الأوساط الإسرائيلية بالإضافة إلى تدخل دولي أدى فيما بعد إلى وقف عرض المسلسل بعدما عرضت العشر حلقات الأولى منه، ومنعه من العرض في أي قناة عربية أخرى.
مسلسل الطريق إلى كابول
مشهد من مسلسل “الطريق إلى كابول”
ملسلسل من إنتاج قطري أردني يحكي عن الأحداث التي مرّت بها أفغانستان منذ الاحتلال السوفييتي وحكم حركة طالبان ومن ثمّ الغزو الأمريكي للبلاد من خلال روايته لقصة حبٍّ لفتاة أفغانية وشاب عربي وقعا في الحب في مدينة لندن وقرّرا العودة إلى كابول.
كانت رواية التلفزيون القطري تشير إلى منعه من العرض لأسباب تقنية، إلا أن الرواية الحقيقة التي تم التكتم عليها تقول بأن فريق العمل قد تعرض لتهديدات من جماعات جهادية بسبب إساءة المسلسل لحركة “طالبان”، لم تعرض المحطّتان القطرية والأردنية أيًّا من حلقات المسلسل، بينما عرضت قناة mbc الحلقات الثمانية الأولى التي كانت قد تسلمّتها من تلفزيون قطر قبل إعلان إلغاء عرضه.
لا نحتاج لكثير من البراهين لتأكيد صحة الحديث السابق، فالدراما العربية تحولت من دراما أصلية ذات محتوى أصلي وعميق، إلى دراما تعريب المسلسلات الأجنبية، أو دراما الفن الهابط والسخيف، فبطبيعة الحال غرض الدراما العربية التسلية والمتعة، ولكن يضل السؤال، هل يجب على الدراما تغطية كل ما يجري على أرض الواقع، أم تستمر في مضمار الفن السخيف خوفًا من القمع؟