قبل أغسطس/آب 2016 كانت تركيا تعد الدولة الوحيدة التي لا تملك صندوقًا سياديًا من بين دول مجموعة الدول العشرين التي تحتل فيها المرتبة 16 وبعد ذلك التاريخ أقرت الحكومة مشروع قانون لاستحداث صندوقًا سياديًا برأسمال أولي قدر 17 مليون دولار ويستهدف أن تصل استثماراته لنحو 200 مليار دولار ويضيف لنمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد 1.5% سنويًا.
دلالات تأسيس صندوق سيادي في تركيا
جاءت خطوة تأسيس صندوق الثروة السيادية التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو/تموز 2016 وما تلاها من مشاكل على الصعيد الاقتصادي أبرزها انخفاض قيمة الليرة التركية إلى مستويات غير مسبوقة، فاتخذت الحكومة التركية جملة من الإجراءات على صعيد تطوير السياسات المالية والضريبية والاستثمارية لتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي، وإرسال رسالة إلى المستمثر المحلي والأجنبي أن تركيا قادرة على ترميم مناخها الاستثماري من جديد والمشاركة في الاستثمارات العالمية عبر صندوقها السيادي.
ومن جانب آخر صرف الاهتمام الكبير للحكومة عن الاستثمارات الأجنبية والسياحة التي تعتمد الحكومة عليها بشكل كبير، اتجاه استثمارات محلية وخارجية بإدارة صندوق الثروة السيادي التركي تدر عليها دخلًا تعوضها عن تلك المصادر وخصوصًا في أوقات الأزمات.
وحسب ما صرح به وزير المالية التركي”ناجي إقبال” أن هناك بنوكًا وصناديق ثروة سيادية أجنبية تبدي اهتمامًا بالتعاون مع صندوق الثروة السيادي التركي، وأضاف الوزير أنه يجري ضم أصول تملكها الحكومة التركية إلى الصندوق مثلما ما حدث في “الخطوط الجوية التركية” الذي تملك الحكومة منها نسبة 49.12% وبنك “halk” الذي تملك الحكومة فيه نسبة 51.11% وشركة “تورك تيليكوم” الذي تبلغ حصتها فيه نحو 7%.
تأسيس صندوق الثروة السيادي التركي من ضمن إجراءات الحكومة لتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي
وتم كذلك نقل شركات مملوكة للدولة بشكل كامل مثل مؤسسة توزيع الغاز الطبيعي “بوتاش” ومكتب البريد “بي تي تي” وشركة إنتاج الشاي إلى الصندوق السيادي، وحسب أحد الخبراء الاقتصاديين الأتراك فإن قيمة الأصول المنقولة والتي سيتم نقلها تبلغ قيمتها نحو 33 مليار دولار، أما الإيرادات المستهدفة من الخصخصة في 2017 ستبلغ نحو 13 مليار ليرة أو ما يعادل 3.46 مليار دولار.
وتطمح الحكومة التركية من نقل تلك الأصول (الشركات) المملوكة للدولة إلى الصندوق السيادي والتي تبلغ قيمتها عشرات مليارت الدولارات، لتمويل مشاريعها الطموحة في مجال البنية التحتية، حيث ستستخدم إيرادات الصندوق في تمويل مشاريع عملاقة استراتيجية وتنموية طويلة الأمد بتمويل منخفض التكاليف ويتبع مباشرة لمكتب رئيس الوزراء، مثل قناة الشحن في اسطنبول وأنفاق وجسور أخرى.
كما أن نقل الأصل إلى ملكية الصندوق يعني أن الصندوق سيتلقى أرباحه من الأصول بدلاً من موازنة الحكومة، وأن إدارة تلك الشركات ستنتقل من الحكومة إلى الصندوق بهدف إدارة تلك الشركات بشكل أفضل.
وكان صندوق النقد الدولي سبق قبل يومين إبداءه نصيحة للحكومة التركية لخفض الإنفاق الحكومي لإن الاقتصاد التركي سيواجه المزيد من الصعوبات على الأقل خلال العام الحالي، ويُذكر أن الليرة التركية تراجعت مطلع العام الحالي بنحو 9%، على الرغم من الإجراءات المتتالية التي اتخذها البنك المركزي، والتي لم تفلح في تهدئة مخاوف المستثمرين.
رد نائب وزير المالية على الصندوق قائلا أن الوضع الاقتصادي التركي، يعد جيدًا للغاية، بالنظر إلى اقتصادات الدول الأخرى حول العالم، مؤشرات الاقتصاد التركي، تعد أفضل من المعدلات الوسطية للدول الصاعدة، مؤكدًا أن اقتصاد البلاد يواصل نموه، ويعد أفضل من المعدل الوسطي للاتحاد الأوروبي. وقال نائب الوزير أن الاقتصاد التركي، حقق نموًا ولو قليلاً مقارنة بالعام الماضي، في الوقت الذي انكمش فيه الاقتصاد الأوروبي.
إدارة الشركات المنقولة إلى صندوق الثروة السيادي ستنتقل من الحكومة إلى الصندوق بهدف تطوير إدارة تلك الشركات نحو الأفضل.
وأخيرًا فإن تأسيس الصندوق السيادي في تركيا وإضافة شركات تملكها الحكومة إليه يعد خطوة مهمة في تعزيز الاقتصاد بالاعتماد على نفسها لتمويل العملية التنموية الجارية في البلاد من خلال إيرادات الشركات في الصندوق والخروج من ارتهان الاستثمارات الأجنبية لها، ومن ثم سيوسع استمثارات تركيا الخارجية في بلدان العالم بقيادة صندوقها السيادي.