ترجمة وتحرير نون بوست
مؤخرًا، تنامت المخاوف في الفلبين من إمكانية انتشار فروع لتنظيم الدولة في جزر مينداناو الجنوبية، خاصة وأن الجماعات الجهادية في المنطقة قد وحدت صفوفها تحت راية تنظيم الدولة المتطرف، وذلك منذ إعلان رئيس جماعة “أبو سياف”، اسنيلون هابيلون، ولاءه لزعيم تنظيم الدولة، أبي بكر البغدادي في سنة 2014.
وفي أقل من عقد من الزمن، أمست مختلف فروع تنظيم الدولة في مينداناو خليطا مكونا من عصابات محلية، تقوم بأنشطة إجرامية، تحت راية الجهاد.
وفي الأثناء، اكتسب هابيلون وغيره من القادة الجهاديين في الفلبين، شرعية من خلال اعتماد لقب تنظيم الدولة، ومحاكاة بعض تكتيكاتها. وفي الوقت ذاته، كانت هذه الجماعة تتمتع بسمعة سيئة لدى المواطنين الفلبينيين.
وبغض النظر عن كل ذلك، كانت فوائد الانضمام تحت راية تنظيم الدولة هامشية، ولم تحدث أي تغيرات تذكر في صفوف الجماعات في المنطقة.
في الواقع، البغدادي لم يمنح بعد “ولاية” (محافظة) رسمية لجماعة أبو سياف، على الرغم من أن هابيلون يتمتع بتأييد كبير بين المقاتلين في جنوب شرق آسيا، الذين التحقوا بالتنظيم في سوريا. (ادعى زعيم تنظيم الدولة أن قاعدة هابيلون في جزيرة “باسيلان” صغيرة جدا لتكون ولاية، وأنه يجب عليهم اختيار موقع أفضل).
ومن ناحية أخرى، بالنسبة لجماعة كجماعة أبو سياف، فإن إعلان الولاء لتنظيم الدولة ليس مجرد تحرك بغية جذب الأنظار له، إذ يحمل أبعادا أعمق من ذلك. في المقابل، وعلى الرغم من تزايد عدد المنتسبين لهذه الجماعة، إلا أن تأثير تنظيم الدولة لا يزال ضئيلا، مقارنة بالحركات القومية التابعة لجماعة “مورو”.
في الحقيقة، قبل ظهور تنظيم الدولة في تلك المنطقة، ارتكزت الجماعات الجهادية العابرة للحدود بشكل أساسي في مينداناو، نظرا لموقعها الاستراتيجي، إذ تقع الجزيرة على طول الحدود البحرية بين الفلبين وإندونيسيا وماليزيا، مما جعلها الوجهة المفضلة للجهاديين الإندونيسيين والماليزيين الهاربين من قوات الأمن، التي تضيق عليهم الخناق في بلدانهم.
ومن جانب آخر، وقبل أن تقوم فرقة مكافحة الإرهاب في إندونيسيا بتصفية الجماعة في سنة 2016، كثف مجاهدو شرق إندونيسيا نشاطاتهم في “سولاويزي”، جنوب مينداناو. وفي الأثناء، كان الأرخبيل معزولا جغرافيا، وذو تضاريس وعرة، مما جعل من شبه المستحيل احتواء الجهاديين المندسين للمنطقة، وهو ما سهل عملية تهريب المقاتلين الدوليين إلى معسكرات الجهاديين في جنوب الفلبين، عن طريق مدينة “كوتا كينابالو” الماليزية.
انتشار ختم تنظيم الدولة
من ناحية أخرى، ساهم ارتفاع عدد المنتسبين إلى تنظيم الدولة في مينداناو في ذيوع صيتها، فمن خلال إعلان جماعة أبو سياف ولاءها للتنظيم، زاد عدد المقبلين عليها، حتى أنهم تمكنوا من جذب وتجنيد أناس من مناطق بعيدة (زاد عدد المنتسبين لجماعة أبو سياف، في الفترة ما بين التسعينات إلى حدود سنة 2000، بشكل ملحوظ، إذ أنها كانت تنشط تحت راية تنظيم القاعدة).
علاوة على ذلك، ساهمت عمليات التهريب عن طريق “كوتا كينابالو” في وصول العديد من الأشخاص من مناطق بعيدة، مثل بنغلادش، وولاية “راخين” التابعة لميانمار، إلى مينداناو بسهولة.
في نيسان/أبريل 2016، قامت قوات الأمن الفلبينية بقتل صانع قنابل مغربي، يقال بأنه قدم إلى مينداناو بغية تجنيد وتدريب المفجرين الانتحاريين. وفي يناير/كانون الثاني من هذا العام، اعتقلت شرطة المملكة المتحدة بريطانيًّا كان يستعد للسفر إلى الفلبين، للانضمام إلى الجماعات التابعة لتنظيم الدولة هناك.
على الرغم من مضي عامين كاملين على انتماء الجماعة إلى تنظيم الدولة، فإن الجماعات الجهادية في مينداناو إلى الآن ما زالت تركز على نشاطها الإجرامي اليومي المعتاد
في حقيقة الأمر، العلاقة بين التنظيم والجماعات الإرهابية في الفلبين، أبعد بكثير من مجرد إعلانها الولاء، إذ أن الجماعات الجهادية في مينداناو تتمتع بالاكتفاء الذاتي، ولا تحتاج إلى دعم تنظيم الدولة لها، حيث يستولي المقاتلون على الأسلحة، إما عن طريق مداهمة المواقع العسكرية الفلبينية، أو من خلال الاستحواذ عليها من الجنود الفلبينيين الذين قتلوا.
وفي هذا الإطار، تم التفطن إلى أن بعض الشخصيات السياسية في مينداناو قامت بتزويد الجماعات بالأسلحة والمعدات العسكرية التابعة للجيش. فضلا عن ذلك، كانت الجماعات المحلية التابعة لتنظيم الدولة هناك، في وضع مادي جيد، إلا أنها واجهت بعض الصعوبات المالية غداة اغتيال قائدها في يناير/كانون الثاني. ونتيجة لذلك، قامت جماعة “أنصار الخلافة” في الفلبين بابتزاز القرويين مقابل حماية الجماعة لهم، ويقال أنهم قتلوا كل الذين رفضوا الدفع.
وفي جزيرة “جولو” قامت جماعة أبو سياف باختطاف المواطنين، وطلب فدية مقابل إعادتهم واعتمدت نفس الاستراتيجية في “بحار سولو وسيليبس” لتحصد الجماعة ما يربو عن 7 ملايين دولار، في سنة 2015 فقط .
من جانب آخر، وبغية تدعيم نفوذها في المفاوضات مع ذوي المخطوفين، قامت عصابات الخطف بتوثيق عمليات الخطف والابتزاز وتصفية الرهائن، مع تعمد إظهار راية تنظيم الدولة. وعلى ما يبدو كان هذا التكتيك في إظهار الانتماء لتنظيم الدولة مكسبا هاما في حد ذاته، وبالتالي، لم يكن هنالك أي داع لأن تأخذ الجماعات الجهادية الأموال من التنظيم.
اسم جديد، لكن الإستراتيجية نفسها
في الواقع، يبدو أن الجماعة لا تأخذ جل تعليماتها من التنظيم، خاصة وأن الغالبية العظمى من الهجمات التي شنتها في الفلبين استهدفت بالأساس قوات الأمن الفلبينية والمجتمعات المحلية، الذين يناهضون سياساتهم. بالإضافة إلى ذلك، لم تتغير طبيعة الهجمات الجهادية التي تشنها الجماعة في المنطقة، حتى عقب إعلانهم ولاءهم للتنظيم. فعلى سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول سنة 2016، قصفت جماعة أبو سياف سوقا في مدينة دافاو. وعلى الرغم من أن ذلك الهجوم كان أبرز عملية تقوم بها الجماعة باعتبارها جماعة منتسبة لتنظيم الدولة، إلا أنها استهدفت هدفا سهلا، وأسفرت العملية عن عدد متواضع جدا من الضحايا.
وفي الواقعة التي استهدفت “ليتي” و”كوتاباتو”، في ديسمبر/كانون الأول، تم استخدام قذائف مدفعية يتم التحكم فيها عن بعد، عن طريق الهاتف الجوال، وهو تكتيك معتمد من قبل الجماعات الجهادية في الفلبين منذ فترة طويلة، حتى قبل أن يعلنوا مبايعتهم للتنظيم. وتشتبه الشرطة الفلبينية في أن”مجموعة مُوتْ”، وهي جماعة منتسبة لتنظيم الدولة تقع في “لاناو”، هي المسؤولة عن زرع عبوة بدائية الصنع، في إحدى حاويات القمامة في وسط مدينة مانيلا، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
وإذا كانت شكوكها في محلها، فإن ذلك يدل على أن المجموعة ستكون قادرة على توسيع عملياتها في العاصمة الفلبينية، واتباع إستراتيجية جديدة، وذلك بغض النظر عن فشل جهاز التفجير، الذي يكشف محدودية قدرات الجهاديين في جنوب الفلبين.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدد قليل من الهجمات الإرهابية التي قامت بها الجماعات مؤخرا في مينداناو، التي كشفت عن نفوذ وتأثير تنظيم الدولة عليها. ففي أذار/مارس سنة 2016، قام مسلح في مدينة زامبوانجا بإطلاق النار، وإصابة داعية سعودي، الذي أدرجه تنظيم الدولة في قائمة المستهدفين في إحدى اصدارات مجلة “دابق” التابعة له، وعلى الرغم من ذلك لم تتبن أي جهة هذا الهجوم.
وفي ذلك الوقت، نشرت “مجموعة مُوتْ” بعض فيديوهات تنظيم الدولة، التي وثقت من خلالها عمليات الذبح والإعدام التي قامت بها، وأرفقتها بفيديو يصور إعدامها لعاملين بتهمة التجسس.
أكبر مشاكل مينداناو
على الرغم من مضي عامين كاملين على انتماء الجماعة إلى تنظيم الدولة، فإن الجماعات الجهادية في مينداناو إلى الآن ما زالت تركز على نشاطها الإجرامي اليومي المعتاد، أكثر بكثير من سعيها لتنظيم هجمات إرهابية تضاهي دقة هجمات تنظيم الدولة.
وخلافا لذلك، ما زالت حركة “مورو” القومية تشكل خطرا أمنيا في مينداناو أكبر بكثير من تنظيم الدولة. ومن هذا المنطلق، إذا قارنا جماعات مورو المسلحة في المنطقة، مثل جبهة تحرير مورو الإسلامية وجبهة مورو للتحرير الوطني، الذين أشعلوا نار التمرد ضد مانيلا لأكثر من أربعة عقود، بالجماعات الجهادية الأخرى، فإنها أخطر بكثير، حيث يقدر عدد قواتها بعشرات الألاف، فضلا عن أن لها تأثيرا كبيرا على الجماعات التي أعلنت انتمائها لتنظيم الدولة.
بالنسبة لجماعة كجماعة أبو سياف، فإن إعلان الولاء لتنظيم الدولة ليس مجرد تحرك بغية جذب الأنظار له، إذ يحمل أبعادا أعمق من ذلك
وتجدر الإشارة إلى أن جميع قادة تنظيم الدولة في “ماجوينداناو”، و”أنصار الخلافة” في الفلبين، و”مجموعةمُوتْ”، جلهم ينحدرون من الجماعات المتشددة، التابعة لحركة مورو.
وطالما بقي صراع مورو قائما، فإن الجماعات الجهادية ستجد ملاذا في مينداناو.
في الواقع، كانت الحكومة الفلبينية، في سنة 2014، قاب قوسين أو أدنى من إنهاء التمرد، عندما استجابت لمطالب المتشددين بنقل السلطة إلى المنطقة ذات الأغلبية المسلمة، وذلك من خلال الموافقة على إنشاء منطقة إدارية في “بانجسامورو”، ولكن هذه العملية تعطلت، ولم تكلل بالنجاح. ومع ذلك، وكلما تعثرت عملية السلام، صعب على قادة حركة مورو الحفاظ على التزام مقاتليها.
وفي غضون ذلك، كثفت الفصائل الأكثر تشددا من دعواتها للعنف، وتأجيج الانشقاقات، وتشجيع المقاتلين على القيام بمزيد من العمليات المتطرفة.
وفي ظل استمرار الصراع، قوضت قدرة الانفصاليين مراقبة المنطقة، وحرمت مانيلا من إنفاق التمويل الإنمائي، والاستثمار الدولي. وإلى أن تستقر الأوضاع، فإن الجماعات الجهادية في مينداناو، بصرف النظر عن التنظيم الذين تنتسب إليه، سيكون بمقدورها استغلال ضعف الحكومة المحلية، وشن المزيد من الهجمات الإرهابية، والتورط في العديد من الأنشطة الإجرامية.
المصدر: ستراتفور