مع كل ذكرى لثورة يناير الطاهرة يبدأ الجميع في محاسبة الأطراف المختلفة وكل طرف يكيل الإتهامات للطرف الآخر وطرف يخون الأخر، وقليل ماهم يملك الإنصاف ليعلن خطأه فى أسلوبه الإداري للمرحلة وكيفية التعامل مع النظام العسكري الذى لم يغب يوما واحد عن حكم مصر فعليا.
نحاول مراجعة الدروس المستفادة من الثورة المصرية والتي إشتعلت في يناير 2011 ودُفع ثمنها ألاف الشهداء على فترات متتابعة منذ بداية ثورة يناير مرورًا بمحمد محمود ومجلس الوزاراء وأحداث بورسعيد وصولا للمجزرة الأبرز في تاريخ مصر أغسطس 2013 إضافة إلى عشرات الألاف من المعتقلين منذ بداية الثورة وحتى الأن والذي لم تخلوا يوماً الزنازين من معتقل سياسي حتى في عهد الدكتور محمد مرسي .
الدولة العسكرية
كشفت الثورة الطاهرة عن العمق الحقيقي للنظام العسكري الذي تجزر في المجتمع المصري حتى نخاعه فظهر الحجم الحقيقي للجيش المصري ومدى توغله الإقتصادي والسياسي وشبكة العلاقات التي كشفت عنها نون بوست وغيرها من التقارير الصحفية والمختصين بالشأن العسكري، فظهر الأمر على غير المعتاد في دول العالم المختلفه، أن الجيش المصري له دولة داخل الدولة يعيش فيها، مسيطر على مليارات من مساحة الأراضي الخاصة بالدولة والمحافظات والوزارات وشركات رجال الأعمال الضخمة في القطاعات المختلفة والتي على إثرها يملك أكثر من ثلث الاقتصاد المصري، فأصبحت أسطورة الجيش المصري الحر والشريف وأقوي الجيوش العربية وخلافه من المصطلحات التي كانت بالنسبة للمصرين قرآنا منزل أصبحت تراجع من قبل العوام من هول ما رأوا من فساد مستشري داخل الدولة.
قطاع كبير من المصريين أعاد النظر في علاقة الجيش بالدولة مرة أخرى بعد أن وجد خيرات مصر منهوبة ويمتلكها قطّاع طرق يرتدون بدلا مدنية وأخرى عسكرية
قطاع كبير من المصريين أعاد النظر في علاقة الجيش بالدولة مرة أخرى بعد أن وجد خيرات مصر منهوبة ويمتلكها قطّاع طرق يرتدون بدلا مدنية وأخرى عسكرية ناهيك عن الكرامة المفقودة للمواطن منذ الزمن البعيد تحت الحكم العسكري على مدار تاريخ مصر، كما أن القوة الحقيقية للجيش المصري ظهرت للجميع في فقد السيطرة علي قطعة صغيرة من أرض مصر كسيناء في مواجهة مجموعة صغيرة من الهواة والتى لا تتعدي العشرات ويذهب ضحيتها جنود بسطاء بسبب معاهدة علي ورق في زمن السادات صاحب الخلفية العسكرية ايضا والتي نزعت السلاح الثقيل من شبه جزيرة سيناء.
الحركة الإسلامية
ربت الجماعات الإسلامية أجيالها على مدار تاريخها بأدبيات وكتب علمية وتاريخية بأنها تسعى إلى قيادة الدولة قبل قيادة العالم وهذا ما ظهر جليا امام الناس وأمام أبنائها داخل صفوفها بعد الثورة وأثبتت التجربة الثورية أنها خالية من النهج الثوري القادر علي إدارة محافظة واحدة داخل دولة مليئة بالفساد بحجم مصر – وهذا الفشل لا يتعارض بكون السقوط الأكبر للثورة بسبب الإنقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 – فلم تهئ الحركة الإسلامية نفسها على مدار قرابة ال٩٠ عاما للشعارات البراقة ويوم كيناير وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمن وهي أم الجماعات الإسلامية في العالم منذ أن أسسها المرشد الأول للإخوان حسن البنا.
ولم تعمل حساب لليوم الذي أتى بدون أي حسابات فوجدت نفسها أمام الدولة منفردة يُلعب بها “ كرة شراب “ فتارة تضرب سياسيا وتارة تضرب اعلاميا ومعنويا وتارة أخرى تضرب بالحديد والنار في غياب تام لأي رؤية مستقبلية أو توقعات لما قد يكون اللهم الا من بعض الأفراد الذين نادوا من بداية الثورة بما قد يحدث مستقبلا، فهمت جيدا الثورة المضادة كيف – وأين – ومتى تضرب رفقاء الثورة وعلى رأسهم الإخوان المسلمين فتشاوروا وتحالفوا في الغرف المغلقة مرارا وتكرارا – وهذا ليس مرفوض للمقتضيات السياسية حسب كل مرحلة وما تفرض عليه اللعبه السياسية المتغيرة ومفهوم ايضا انه كان لمواجهة الصدام مع الجيش – لكن نتيجة تلك الاجتماعات المغلقة صفرية بالنسبة للطرف الثوري ومئوية للطرف العسكري وبسببه كانت التفرقة الشاسعه في الصف الثوري.
تيارات المجتمع المدني
الفضل الأكبر في هذه الثورة الطاهرة أنها كشف الغطاء الحقيقي عن مدعي الليبرالية والعلمانية إذ أنه بعد مرور الأيام إتضح انهم صنعوا عكس ما يدعون فتعاونوا هم ايضا بالسذاجة المفرطة المباشرة احيانا والغير مباشرة في حين اخر مع العسكر بعد وصول محمد مرسي للرئاسة لإسقاط التجربة الأولى الحقيقية والديموقراطية في تاريخ مصر فملؤوا الدنيا صراخا بأن “ نار العسكر ولا جنة الإخوان “.
ووقفوا أمام المقرات وأحرقوها وتسببوا في قتل البعض قبل الإنقلاب ودُخل ميدان التحرير بالبيادات العكسرية على أكتاف من إدعوا الثورية والمدنية يوما وشاركوا بالشكل المباشر في التنسيق مع العسكر لإسقاط الحكم المدني والديموقراطي وهو ماقاله أحدهم في احدى رسالة شهيرة من محبسه “ للاسف كنت أعلم “ فتحول الصارخون في الميادين العامة بالألاف الي عشرة متظاهرين في الصحراء البعيدة خائفين من الصدام مع الدولة العسكرية، وسقط معهم أيضا من إدعوا زورا أنهم حماة الشريعه وكللوا مشهد الإنقلاب بالزي الإسلامي بجوار شيخ الأزهر وسقطت المقاصد الخاصة بالشريعة مع سقوط أول قطرة دم.
الشعب المصري
لم يكن التعامل مع الشعب المصري بالشكل الهين والسلس كما ظن البعض عقب الثورة، والثورة المضادة متمثلة في المجلس العسكري فهمت جيدا كيف تتلاعب بالرأي العام وقتها فهيجت الدنيا وأقدمت على إثارة الناس بقضايا مختلفة مثل الحد الادنى للاجور والاموال الطائلة لمبارك وروموزه التي في الخارج والأزمات المختلفه التي اختلقها لعرقلة الثورة بعد الإنتخابات الرئاسية فشارك الشعب بغياب الوعي عنه وإشغاله بالمشاكل الحياتية مثل البنزين والتموين وخلافه من الأزمات التي ظهرت فجأة وإختفت أيضا فجأة، الإخوان المسلمين ظلوا طيلة تاريخيهم يبنوا المستشفيات ويطعموا الفقراء ويكفلوا أرامل ويتامي ويقوموا بأنشطة مجتمعية مختلفة في الشارع المصري لم يصنع مثلها غيرهم، ومع الصدام الحقيقي للشعب وشيطنت الإخوان والأزمات المتلاحقة تناسي الشعب كل ماسبق وأصبح أداة سهلة في يد العسكر يحركها بالأذرع الإعلامية بكل سهولة فكان أداة سهلة ممتنعة في ما وصل حال مصر إليه.
تلك عدة دروس في رأيي انها اهم الدروس المستفادة من التجربة الثورية التي ولدت من رحم الثورة بعد ثلاثين عاما من حكم مباركا منفردا وثلاثين اخرى من حكم الاخرون، يصبح الثمن المدفوع حقا من دماء وأشلاء وأعمار في السجون مكللا بنجاح تلك التجربة الثورية بالتعلم من الماضي وأخذ العبر للمستقبل.
يناير هي الوجه الحقيقي لجزء من الشعب المصري الذي أمن بالحرية وطلب أن يعيش يوما حرا كريما و3 يوليو هو الوجه الحقيقي للثورة المضادة ودولة عبدالناصر والسادات ومبارك والسيسي وكل رجال الدولة العسكرية والتي رقدت على صدر المجتمع المصري منذ أكثر من نصف قرن ناهبة الأموال والممتلكات والخيرات الكثيرة حتي العقول الفكرية التي خربوها بالجهل والفقر والمرض.