انتخب الصوماليون، أو بالأحرى نواب البرلمان الصومالي بمجلسيه النواب والأعيان، محمد عبد الله فرماجو، رئيسًا جديد للصومال خلفًا للرئيس حسن شيخ محمود، المنتهية ولايته أمس الأول، وذلك في انتخاباتٍ شارك فيها أكثر 22 مرشحًا، أبرزهم حسن شيخ محمود نفسه، ورئيس وزراء حكومته، عمر عبد الرشيد علي شارماركي، كذلك شيخ شريف أحمد الرئيس الأسبق، بالإضافة إلى مرشحين أخرين.
مثَّلت الصورة التي جمعت الرؤساء الثلاثة، ممسكين بإياديهم بعد إعلان نتائج الانتخابات، وفوز فرماجو، أبرز لحظات هذه الانتخابات، في بلدٍ عانى ويلات الحرب والاقتتال بين الفصائل المتناحرة، لفترةٍ جاوزت ربع قرنٍ من الزمان، منذ انهيار سلطة الدولة المركزية فيها عام1991. وبالطبع، نجاح تجربة الانتخابات البرلمانية، والرئاسية، وسط بيئة إقليمية مضطربة، يمكن أن يكون مؤشرًا إيجابيًا في سبيل ترسيخ العملية السَّياسية السلمية، والانتقال نحو سلطةًّ ديمقراطيةٍ فعالة، وفق قواعد متفقة عليها، خصوصًا وأنَّ هذه الانتخابات هي آخر انتخابات تجرى بطريقة الانتخاب غير المباشر، القائم على نظام المحاصصة الصومالية المعروفة ب 4.5، التي تم اعتمادها سابقًا، كتسوية سياسة بين مختلف القوى في البلاد.
دول المنظمة في حالة اضطرب، وسط تقاطعات المصالح الإقليمية والدولية، لكن النجاح الصومالي في إقامة انتخاباتٍ ديمقراطية، وتٌسلم السلطة سليمًا، رفعت من آمالنا في رؤية الإقليم بصورة أفضل حالًا من الحالة الراهنة
غير أن هناك تحديات كثيرة، في طريق عودة الاستقرار الشامل للصومال، ولا يخفي على أحد حجم هذه التحديات، أمنية، سياسية، اجتماعية، واقتصادية، ففي الأخيرة على سبيل المثال، أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير، إلى احتلال الصومال للمركز الأخير للبلدان الأكثر فسادًا في العالم، كذلك بقي الصومال مع جنوب السودان، وسوريا، في قائمة البلدان الفاشلة” Failed State” التي يصدرها صندوق السلام” Fund for Peace“، بالتعاون مع مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وهو مؤشر لقياس ما أٌصطلح عليه ب”الدول الفاشلة” حيث ظل الصومال يحتل المركز الأخير دائما على مدار الفترات الماضية، منذ إصدار أول تقرير في 2005.
فرماجو، الرئيس الجديد يتمتع بشعبية وسط الصوماليين، كما أشارت عدة تقارير صحفية، ويرى مراقبين أن فترته السابقة في رئاسة الوزراء عام 2010، رغم قصرها إلا أنه نجح في بسط الأمن في مقديشو، بعدما نجح في طرد قوات حركة الشباب من العاصمة، هذا فضلًا عن تحققه لإنجازاتٍ في بعض القطاعات المهمة، إلا أنه لم يبق في منصبة سوى أشهرٍ معدودة، نتيجة للتسوية السياسية التي عرفت ب “اتفاقية كمبالا”، لكن يشير البعض إلى أنه بالرغم من قصر المدة التي قضاها في رئاسة الحكومة، إلا أن ما حققه في ذلك الوقت، أسهم بشكّل أو بأخر بإعادته إلى كرسي السلطة، وهذه المرة رئيسًا للدولة.
محمد فرماجو
السؤال المهم الآن في أذهان الكثيرين، هل يجنح الرئيس الجديد في حلحلة مشاكل الصومال الكثيرة، بعبارة أخرى، ما هو السبيل الأفضل للصوماليين وللحكومة بصفة خاصة، لتحقيق الاستقرار في كل أرجاء الصومال. فبالتأكيد، الرئيس الجديد وحده لن يحل مشاكل البلاد، بل مطلوب من كل مكونات المجتمع الصومالي، أن تشارك في العملية، لعبور هذه التحديات، وبلا شك يدرك الأخوة الصوماليين جيدًا حجم التحديات التي أمامهم، والجهد المطلوب لمجابهة هذه التحديات.
ومن ناحية أخرى، ماذا يعني ذلك لدول الإقليم، وكيف يمكن قراءة هذه الانتخابات ونتائجها في إطار إقليمي أوسع، وهو هدف هذا المقال. فالصومال عضو في منظمة الإيقاد، التي تضم في عضويتها 8 دول مجاورة، تشهد تواترتٍ ونزاعاتٍ فيما بينها، وفي بعض مناطقها بصورة شبيهه إلى حدًّ كبير بالصومال، إنَّ لم تكن أسوأ منها، فدولة جنوب السودان، تشهد حربٍ أهلية منذ أكثر من ثلاثة سنوات بين القوات الموالية للرئيس سلفاكير والقوات الموالية لرياك مشار، برغم من توقيع اتفاقية تسوية النزاع في أغسطس/ آب 2015، بأديس أبابا – جوبا، عاد مشار بموجبها إلى جوبا- العاصمة، نائبًا أول لسفاكير في أبريل/ نيسان من العام الماضي، بموجب الاتفاقية إلّا سرعان ما عادت المواجهات بين قوات الرجلين في يوليو/ تموز من العام نفسه، خرج على أثرها مشار من جوبا إلى أدغال الاستوائية، ومنها إلى جمهورية الكنغو الديمقراطية، وإلى السودان، ثم أخيرًا جنوب افريقيا، بعد مطاردة عنيفة من قبل قوات سلفاكير لتصفيته.
أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير، إلى احتلال الصومال للمركز الأخير للبلدان الأكثر فسادًا في العالم
أما السودان، فرغم المساعي الإقليمية التي يقودها رئيس جنوب أفريقيا السابق، ثابو أمبيكي، عبر الآلية الافريقية رفيعة المستوى، التي شكَّلها الاتحاد الافريقي، إلّا أنَّ حالة الجمود مازالت تطغي على المشهد السياسي، فجهود تسوية النزاع في دارفور، عالقة بين اتفاقية الدوحة والخلاف حولها من قبل الحركات المسلحة المختلفة، بينما ماتزال الحرب مشتعلة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بين الحكومة والحركة الشعبية – قطاع الشمال. وعلى صعيد أخرى، ماتزال العلاقة متوترة بين أثيوبيا-أريتريا، لخلافهما الحدودي. ومن جانب آخر، التوتر المتصاعد بين إثيوبيا – مصر على خلفية بناء الأولى لسد النهضة، حيث ترى مصر أن السد يمس أمنها المائي والقومي، فيما ترى أثيوبيا غير ذلك، ما تسبب في حرب باردة بين البلدين من جهة، وبين السودان – مصر من جهة أخرى، حول هذا الملف، بالإضافة إلى ملفات أخرىٍ.
بصورة عامة، دول المنظمة في حالة اضطرب، وسط تقاطعات المصالح الإقليمية والدولية، لكن النجاح الصومالي في إقامة انتخاباتٍ ديمقراطية، وتٌسلم السلطة سليمًا، رفعت من آمالنا في رؤية الإقليم بصورة أفضل حالًا من الحالة الراهنة، على غرار نجاح أقاليم أخرى من القارة، في انجاز التكامل السياسي والاقتصادي، تتجاوز مصالح الدولة القٌطرية، والسعي نحو أرساء قيم الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان مثل النجاح الأخير لمنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (أكواس) في الضغط على الرئيس الغامبي يحي جامي وإجباره على الالتزام بنتائج الانتخابات، وتسليم السلطة لمنافسه الفائز آداما بارو، بعد فوزه بكرسي الرئاسة، وهو ما حدث بالفعل.