لا يكاد يمر أسبوع واحد دون أن تعلن السلطات الأمنية الجزائرية الكشف عن شبكات الطائفة الأحمدية والقبض على العديد من أتباعها، بمحافظات عدة في البلاد، بتهمة المساس بالأمن والسلم الاجتماعي، ضمن إجراءات صارمة اتخذتها الحكومة للتصدي لتزايد عدد أتباع هذه الطائفة التي توصف بـ “الدّخيلة” على المجتمع الجزائري، حسب قول سلطات البلاد، وهو الأمر الذي ينفيه معتنقو الأحمدية، مؤكّدين أنهم فرقة من فرق المسلمين المسالمين.
الجزائر تعلن الحرب
تصريح وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى، لوسائل الاعلام، أن حكومة بلاده تعتبر قضية الأحمدية قضية أمنية وليست مجرد قضية دينية، وتؤكّد مساع السلطات الجزائرية اتباع المنحى الأمني لمواجهة ما تعتبره خطرًا يهدّد الأمن الديني والسلم الاجتماعي للبلاد.
اعتقلت قوات الأمن الجزائري، في الأشهر الأخيرة، العشرات من أنصار التيار الأحمدي
وفي سياق حربها ضدّ هذه الطائفة، أعلنت السلطات الجزائرية، يناير الماضي، اعتقال، “فالي محمد”، قائد الطائفة الأحمدية في الجزائر، المنحدر من دائرة ڤديل بمحافظة وهران. وقبل ذلك بأيّام، تمكنت السلطات الجزائرية من إلقاء القبض على 7 أشخاص في بلدية السحاولة من محافظة الجزائر(العاصمة) ـ تتراوح أعمارهم ما بين 30 و50 سنةـ وأصدرت المحكمة في حق الموقوفين قرارًا بوضعهم رهن الإقامة الجبرية “لارتكابهم جرم الإساءة إلى الإسلام وجمع المال من المحسنين دون ترخيص وتخزين وثائق مطبوعة بقصد زعزعة إيمان المسلمين وممارسة شعائر دينية في غير الأماكن المخصّصة لها والإساءة للرسول عليه الصلاة “.
استنفار أمني للتصدّي للأحمديين في الجزائر
وحسب تقارير إعلامية مختلفة، فقد اعتقلت قوات الأمن الجزائري، في الأشهر الأخيرة، العشرات من أنصار التيار الأحمدي في محافظات العاصمة وقسنطينة (شرق) وغيليزان (غرب) والبليدة (وسط)، وتمكّنت من كشف العديد من خلايا نشر الطائفة الأحمدية في البلاد. وترفض الجزائر السماح باستمرار نشاط الطائفة الأحمدية فوق أراضيها، وترى ذلك ضربًا لأمنها واستقرارها، وخروجًا عن المنهج الديني السائد في البلاد ومصدر قلق حقيقي يهدّد وحدة ووسطية النهج الذي تتبناه منذ قرون.
لجنة لمتابعة نشاط الجماعة
قبل أسبوعين، كشف وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، في إجابته على أسئلة نواب البرلمان، عن تشكيل لجنة وزارية يرأسها وزير الداخلية نور الدين بدوي، مع عضوية وزارة الشؤون الدينية من أجل متابعة نشاط وقضية “الأحمدية” في البلاد، بعد أن أقر بعجز وزارته عن محاربة الأحمديين.
وتسعى الجزائر للتصدّي لأتباع هذه الطائفة ومحاربة “أفكارها الدخيلة”، من خلال استراتيجية تجمع البعد الأمني والديني والاعلامي، وكانت مصالح وزارة الشؤون الدينية قد شرعت في حملات لتحسيس المواطنين، والتعريف بحقيقة هذا المذهب الدخيل على المجتمع الجزائري، حسب تصريحات للوزير.
تُتهم الحكومة الجزائرية بالتخاذل والتأخّر في التحرك لمواجهة خطر الطائفة الأحمدية
وسبق لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى (تابع للرئاسة)، أبو عبد الله غلام الله، أن أكّد أنّ “المعالجة الأمنية لمحاربة الأفكار الدخيلة لمختلف الطوائف غير كافية بل وجب العمل على كل المستويات لإنتاج البرامج التي تحث على الاعتزاز بالشخصية الوطنية والانتماء الحضاري العربي الإسلامي”. وتُتهم الحكومة الجزائرية بالتخاذل والتأخّر في التحرك لمواجهة خطر الطائفة الأحمدية، خاصة وأن السلطات كانت على علم منذ سنوات بتحرك جماعة الأحمدية.
اتهامات بالولاء للخارج
رغم الغموض الذي مازال يلف ملابسات تغلغل الطائفة الأحمدية للجزائر، فقد ذكرت تقارير إعلامية جزائرية وقوف جهات أجنبية وراء الطائفة الأحمدية، حيث أشارت تقارير إلى تلقّي اتباع هذه الطائفة أموال من جهات خارجية تسهل عليها عملية التسلل، وتوسيع نفوذها، في الجزائر، وهو ما يشير إلى ولائها لقيادة خارج الجزائر.
في سياق متّصل، يؤكّد، خبراء، أن تغلغل أفكار هذه الطائفة في المجتمع الجزائري، جاء نتيجة ضعف الخطاب الديني الرسمي، وانتشار وسائل الاعلام المروجة للمذهب ومنها قناة “ MTA International” بلندن وانتشار أفكاره في شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.
السلطات الجزائرية رفضت مطالب تأسيس جمعية أحمدية
ويسعى أنصار الأحمديين إلى تأسيس جمعية “خيرية” وتكوين مركز دعوي في الجزائر، الأمر الذي ترفضه السلطات الجزائرية. ويركّز أتباع الطائفة الأحمدية في الجزائر على المناطق النائية والأرياف، لنشر أفكارهم. ويؤكّد مؤرخون، أن نشاط هذه الجماعة في الجزائر بدأت مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، بصفة سريّة، وتزايد نشاطهم بداية العام 2007 بفعل بعض المغتربين الذين يأتون من أوروبا، ويقدّر عدد أتباع الجماعة بأكثر من 1000 شخص في الجزائر.
الجماعة تنفي الاتهامات
تعرّف الطائفة الأحمدية نفسها في موقعها الرسمي، أنها “جماعة إسلامية تجديدية عالمية”، تأسست عام 1889بقاديان، إحدى القرى بالبنجاب في الهند، في عهد الاستعمار البريطاني، من طرف ميرزا غلام أحمد القادياني، الذي يقدم نفسه المهدي المنتظر والمسيح الموعود الذي تحدث الرسول محمد صلّ الله عليه بسلّم عن ظهوره في آخر الزمان، وبأنه مجدد القرن الرابع عشر الهجري. ويتزعم الأحمدية حاليًا خامس “خليفة” لها، ميرزا مسرور أحمد، حيث تعمد الجماعة ما تقول إنه نظام الخلافة الراشدة منذ وفاة مؤسسها أحمد القادياني سنة 1908.
مسجد الطائفة الأحمدية في برلين
وفقا لكتابات الطائفة، فقد انتظر الهنود كريشنا، وانتظر اليهود والمسيحيون المسيح، وانتظر البوذيون بوذا، وانتظر المسلمون المهدي والمسيح. تحت التوجيه الإلهي، فقد جلب النبيّ المؤسس، ميرزا غلام أحمد، بشرى ظهوره كنبي مصحّح، يمثّل جميع هؤلاء الأشخاص الموعودين. كانت مهمّته إدخال البشرية كلها تحت كنف دين واحد ومعتقد واحد، كما يقول الأحمديون.
وتعتبر الجماعة نفسها، جماعة دينية غير سياسية وهدفها التجديد في الإسلام وتقول بأنها تسعى لنشر الدين بوسائل سلمية عن طريق ترجمة القرآن إلى لغات عدة بلغت 52 لغة عبر العالم، حسب الموقع الرسمي للجماعة. وينتشر أتباع الطائفة الأحمدية في 170 بلد، معظمهم في جنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا، بواسطة مراكز الدعوة، حسب عديد التقارير الإعلامية، ويقع المركز العالمي للطائفة في لندن، ويقولون إن جماعتهم جاءت لتجديد الإسلام بعد ما اعتراه من جمود وإغلاق لباب الاجتهاد.
يرى أتباع الطائفة الأحمدية أن السلطات الجزائرية تسعى من خلال التركيز على نشاطهم وتضخيمه، إلى الهاء الشعب الجزائري
وكان المحامي الفرنسي المنحدر من أصول باكستانية، إيريف عريف، قد عبّر في تصريحات لوسائل إعلام فرنسية، عن استيائه مما يتعرض له أنصار التيار الأحمدي في الجزائر، ومن المعالجة الأمنية المطبقة عليهم رغم الطابع السلمي للتيار، واعتبر توقيف العشرات من المنتسبين له، من الممارسات القمعية المحظورة والمتنافية مع أساسيات الحريات الدينية وحقوق الإنسان، حسب قوله. وأكّد المحامي تكفّله رسميا بالدفاع عن أنصار التيار الأحمدي الموقوفين في الجزائر، وعن مراسلته للسلطات الجزائرية الرسمية لاستكمال باقي الترتيبات.
ويرى أتباع الطائفة الأحمدية أنّ السلطات الجزائرية تسعى من خلال التركيز على نشاطهم وتضخيمه واعتقالهم، إلى إلهاء الشعب الجزائري عن القضايا الكبرى التي تشهدها البلاد.