ترتكز السياسة الأمريكية الجديدة على إنهاء الصراع السوري من بوابة القضاء على داعش وطرد إيران من سوريا وتمكين الأكراد، بالتنسيق والتعاون مع روسيا التي تشير جل التحليلات أن ترامب سيعطي لروسيا الحق في تفصيل العملية النهائية في سوريا.
وبينما يجتهد الجميع في نقطة قتال داعش في الرقة عاصمة التنظيم في سوريا، تسعى روسيا من جهة أخرى للخروج بحل سياسي للأزمة يضمن بقاء مصالحها ونفوذها على سوريا في فترة ما بعد الأسد ويبقي مفاتيح الحل والعقد بين يديها وخصوصًأ فيما يتعلق بتقاسم كعكعة إعادة إعمار سوريا؛ المرحلة التي ينتظرها الجميع ويسيل لعاب بعض الدول عليها.
كعكة إعادة إعمار سوريا
التكلفة التي قدرتها معاهد ومكاتب دولية لخسائر الاقتصاد السوري لا تملك دولة بعينها تحملها وخصوصًا بالنسبة لروسيا التي تعرضت لضغوط اقتصادية كبيرة جراء هبوط أسعار النفط العالمية التي كبلتها عن التحرك بحرية خارج حدودها وحسب الناشونال إنتريست فإن روسيا تدفع يوميًا ما يقرب من 3 مليون دولار تكلفة تدخلها العسكري في سوريا وأن تكلفة إعادة إعمار سوريا عند انتهاء الحرب قد تصل إلى ترليون دولار. فمن أين لروسيا بكل هذا المال لإعادة إعمار البلاد!
وفي دراسة لمركز فرونتيير إيكونوميكس الأسترالي للاستشارات ومؤسسة ورلد فيجن الخيرية، كشفت الدراسة أن الخسائر الاقتصادية للحرب في سوريا تقدر بنحو 689 مليار دولار إذا توقف القتال عام 2016، وأنها قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار إذا استمرت الحرب حتى عام 2020، وذكرت الدراسة أن هذه الخسائر أكبر 140 مرة من تقديرات الأمم المتحدة والدول المانحة.
تعتمد عملية إعادة الإعمار على شكل التسوية الأخيرة التي ستؤول إليها الأزمة في النهاية، ففي حال بقاء بشار الأسد فإن دول الخليج لن تتحمل تكاليف إعادة الإعمار والكلام هنا خصوصًا عن السعودية وقطر حيث تقف كلا الدولتين ضد أي دور للأسد في مستقبل سوريا ووزيري خارجية البلدين لهما تصريحات في مناسبات كثيرة حول هذه القضية.
بينما دول الاتحاد الأوروبي على خلاف مع روسيا إذ فرضت عليها عقوبات بعد تدخلها في شبه جزيرة القرم وتخالف توجهاتها الخارجية في سوريا أيضًا، كما أن الدول الأوروبية منشغلة في ترتيب بيتها الداخلي من الأزمات المختلفة التي تعصف بالاتحاد في الآونة الأخيرة من خروج بريطانيا من الاتحاد وصعود تيار اليمين المتطرف.
من المتوقع أن تعتمد روسيا على الصين بشكل كبير في إعادة إعمار سوريا
وفيما يخص الولايات المتحدة الأمريكية فإن سياسة ترامب الحمائية تعتمد على سياسات قومية تعيد الشركات الأجنبية للعمل في الولايات المتحدة وتتخلى عن سياسات التوسع التجاري والليبرالية التي لا تضع المصلحة الأمريكية أولوية لديها، بالإضافة إلى التخلي عن سياسات التدخل الخارجية وبالأخص في سوريا لصالح روسيا، والذهاب في تشكيل مناطق آمنة لحل أزمة اللاجئين والنازحين بالاتفاق مع تركيا في شمال سوريا.
تعتمد عملية إعادة إعمار سوريا على شكل التسوية الأخيرة التي ستؤول إليها الأزمة في النهاية
في حين أن تركيا وإيران من الدول التي تحاول أن تكون حصتها محفوظة في سوريا، فتركيا ومن خلال عملية درع الفرات وتوسعها في شمال سوريا تسعى أن يكون لها درو فاعل في المنطقة أمنيًا لتأمين حدودها واقتصاديًا لإعادة إحياء المنطقة من جديد، أما إيران فهي داعم مالي وعسكري رئيسي من بداية الأزمة للنظام السوري وقد سعت لتوقيع عهود ومواثيق طويلة الأجل مع النظام لحفظ مصالحها الاقتصادية هناك، بينما من غير المتوقع أن تنخرط في عملية إعادة إعمار كبيرة تكلفها أموالًا طائلة بسبب الظروف الاقتصادية التي عانت منها طوال فترة العقوبات الاقتصادية الأممية في العقد الماضي فضلا عن الخلافات التي تحدث حاليًا مع دونالد ترامب والذي فعّل عقوبات اقتصادية على 12 مؤسسة إيرانية مؤخرًا ويظهر ملامح أزمة بين البلدين لا يعرف إلى الآن ما مآلاتها!.
دول البريكس..الصين والهند تنتظران
تضم مجموعة البريكس التي تضم 5 اقتصادات ناشئة من بينها روسيا والصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم والهند والبرازيل وشمال أفريقيا، وتشمل المجموعة ما يزيد عن نصف سكان العالم ونسبة 22% من الناتج الإجمالي العالمي بواقع 16.6 ترليون دولار.
يعول بوتين على ثروة دول البريكس لتأخذ دورًا فاعلًا في إعادة إعمار سوريا من خلال ضخ استثمارات طويلة الأمد في العملية، كمكافأة لهم على الوقوف بجانب روسيا في التعامل مع نظام دمشق والتغاظي عن جرائمه بحق الشعب السوري.
فالهند مثلا التي تخطى اقتصادها الاقتصاد البريطاني لأول مرة منذ 100 عام بلغ ناتجها المحلي 2.3 ترليون دولار وباتت في المركز السادس عالميًا لكبرى اقتصادات العالم كما أن هذا الرقم من المتوقع أن يتضاعف في الأعوام القادمة لإن النمو الاقتصادي يبلغ في المتوسط سنويًا من 6 – 8%. وقد عملت على مشروع محطة توليد الطاقة الكهربائية بتكلفة 320 مليون دولار وقررت إقامة مصنع للصلب في مدينة حماة القديمة على نهر العاصي.
أما الصين البلد الذي ينافس الولايات المتحدة على المركز الأول كأكبر اقتصاد في العالم ويعد النمو في الصين محركًا لاقتصادات كثيرة حول العالم، استخدت الفيتو إلى جانب روسيا في مجلس الأمن مرتين لإحباط القرارات التي تدعمها كل من فرنسا والسعودية ضد نظام دمشق.
يعول بوتين على ثروة دول البريكس لتأخذ دورًا فاعلًا في إعادة إعمار سوريا
نشرت الصين مستشارين متخصصين وطواقم عسكرية في سوريا ليقوموا بتزويد الجيش السوري ببنادق القناصة وقاذفات الصواريخ، ويذكر أن الاستثمرات الصينية في سوريا في مجالات عديدة لا تزال قائمة ولكنها متوقفة الآن بسبب ظروف الحرب، فالصين اسثتمرت بكثافة في مجال النفط في سوريا بامتلاكها شركة النفط الوطنية المملوكة للحكومة الصينية. فضلا أن السفارة الصينية لا تزال عاملة في دمشق ولم تغلق أبوبها حتى الآن، ومن المتوقع أن تكون حصتها الاقتصادية محفوظة من روسيا بعد أن تضع الحرب أوزارها.
أيًا كانت طموحات روسيا في إعادة إعمار سوريا مستقبلا ولأي الدول ستوكل تلك المهمة فإن هذا الأمر لن يكون يسيرًا وستحدده المتغيرات الكثيرة المتبدلة وطريقة إدارة الصراع من قبل القوى الدولية والإقليمية.