بعد صدور تقرير منظمة العفو الدولية الذي حمل عنوان “المسلخ البشري” وتكلم عن سجن صيدنايا العسكري في سوريا متهمًا النظام السوري بإعدام نحو 13 ألف معتقل بين عامي 2011 و 2015 واصفًا السجن بأنه المكان الذي تقوم الحكومة السورية بذبح شعبها بهوء، بدأ التساؤل في الشارع السوري حول مدى قدرة محكمة الجنايات الدولية ملاحقة النظام السوري ومحاكمته على كل جرائمه المرتكبة في سوريا سواءًا في سنوات الثورة أو ما قبلها.
منظمة العفو الدولية ذكرت في تقريرها أن جرائم النظام في سجن صيدنايا بحق المعتقلين وسجون النظام الأخرى التي تديرها الحكومة السورية، تعد “جريمة إبادة”، وهي جريمة يرد تعريفها في نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، تشمل ” الإبادة ” “تعمد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان.”
اعتبرت منظمة العفو الدولية أن جرائم النظام في سجن صيدنايا بحق المعتقلين وسجون النظام الأخرى تعد جريمة إبادة
إلا أن ارتكاب النظام السوري لجرائم إبادة في سوريا لا يعد جديدًا على الساحة المحلية أو الدولية، ولا حتى التطرق لجرائمه في اجتماعات مجلس الأمن للنظر فيها وإدانتها والتحرك ضد نظام الأسد، فمشاريع القوانين لإدانته في مجلس الأمن الدولي طوال أعوام الثورة الستة الماضية اسٌتخدم بحقها الفيتو من قبل روسيا والصين حليفي الأسد وحال هذا دون تمرير القرارات وبالتالي محاسبة الأسد.
هل يمكن أن تستجيب محكمة الجنايات لتقرير العفو الدولية؟
من غير المتوقع أن يكون هناك خطوات جدية لنقل ملف جرائم النظام السوري إلى محكمة الجنايات الدولية في ظل استحكام روسي صيني بمنع أي قرار صادر من مجلس الأمن لإدانة نظام دمشق، ويرى مراقبون معارضون للنظام أنه لا جدوى من النظام الدولي الذي يغمض عينيه عن كل انتهاكات الأسد في السنوات الماضية ويغمض عينيه. وحسب أحد المعارضين فإن الثأر للشعب السوري من نظام الأسد على جرائمه بحق القتل والقمع والتعذيب وكل صور الانتهاكات في الثورة وما قبل الثورة أمر مستبعد في ظل هكذا منظومة عالمية تقف إلى جانب الأسد ضد حرية الشعب السوري.
كما أن هناك جرائم كثيرة ضد الإنسانية ارتكبت بحق شعوب دول أخرى ولم تتمكن محكمة الجنايات الدولية من مقاضاة مرتكبيها، كما حدث في صربيا ورواندا. وتكتفي الدول بإدانات فردية لا أكثر كما فعلت بريطانيا حول المعلومات الواردة في تقرير العفو الدولية أنها تمثل جوهر نظام بشار الأسد وأكدت على ألا يكون له أي دور في مستقبل سوريا.
دمشق غير موقعة على معاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية المعتمدة سنة 1998 وبهذا لن تستطيع المحكمة الجنائية التدخل في سوريا
هناك عدة عوائق تحول دون محاكمة الأسد على انتهاكاته، أولها أن دمشق غير موقعة على معاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية المعتمدة سنة 1998 وبهذا لن تستطيع المحكمة الجنائية التدخل في سوريا، ومن جهة أخرى فإن نظام الأسد ينفي أي انتهاكات ضد الإنسانية والتي بدأت من بداية الثورة وحتى الآن، فنظام دمشق وعلى لسان وزير العدل السوري أمس نفى ارتكاب أي جرائم بحق المعتقلين في سجون صيدنايا أو القيام بإعدامات هناك، أما رأس النظام، بشار الأسد، فدائمًا ما ينفي تلك الجرائم وينكرها.
كما أن النظام ينفي أساسًأ وجود سجون سرية أو قيامه باعتقالات تعسفية وتعذيب يجري داخل السجون فضلا عن الإعدامات والقتل، ولم يتأثر بالتسريبات المعروفة بتسريبات “قيصر” حول القتل في سجون النظام والذي بينت أعداد من المعتقلين العراة المقتولين. وبالإضافة لذلك فطالما أن النظام السوري يسانده أقطاب عالمية كالصين وروسيا عضوان دائمين في مجلس الأمن لن يمر أي قرار يدين انتهاكاته وجرائمه وهما يساندانه ويدعمانه.
فوزارة الخارجية الروسية في سنة 2013 صرحت بأن حالة قضية جرائم الحرب المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية سوف تكون “غير مؤاتية ولها نتائج عكسية”.
ومن ثم فإن بنود المعاهدة الموقعة بين الدول في المحكمة الجانئية الدولية تحمل لبسًا كبيرًا في عدم امتلاكها صلاحية في التدخل في الدول التي تحوي على انتهاكات ضد الإنسانية، فشرط تدخل المحكمة في دولة غير موقعة تحتاج إلى تعديل في بنود المعاهدة وهو ما يحتاج إلى موافقة كل الدول الموقعة عليها، ودائما ا يواجه هذا معارضة من قبل العديد من الدول الموقعة على المعاهدة.
لن يمر أي قرار في مجلس الأمن طالما أن النظام السوري يسانده أقطاب عالمية كالصين وروسيا
وأخيرًا فإنه في ظل ما ذكر فمن الصعب أن يتم إحالة قضية جرائم نظام الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمته، وما يمكن القيام به هو جمع الأدلة والتحقق من الانتهاكات وتوثيق أعداد القتلى والمعتقلين وطرق التعذيب، إلى حين حدوث تغيير في بنية المحكمة الدولية والمعاهدة التي وقعت عليها الدول لتجيز للمحكمة ملاحقة الجناة حتى لو لم يكونوا موقعين على المعاهدة أو يملكون حصانة أو حلفاء في مجلس الأمن.
أو حدوث تغيير في مواقف كل من روسيا والصين لصالح المعارضة السورية لينعكس موقفهما ضد الأسد ويتم تمرير قرارات في مجلس الأمن لإحالة ملفات الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية.