كثيرًا ما تتطرق الدول والخبراء إلى خطة مارشال بغرض إعادة الإعمار وشحذ خطط التنمية في منطقة ما، قصة مارشال أتت على يد وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال حيث دعا إلى إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء اقتصاداتها من جديد وذلك عبر تقديم هبات عينية ونقدية بالإضافة إلى حزمة من القروض الطويلة الأمد.
وقال في إحدى كلماته في جامعة هارفارد 1947 إن وضع العالم خطير وأشار إلى التكلفة الباهظة التي تكبدتها الاقتصادات الأوروبية بسبب الحرب العالمية الثانية والآثار الاجتماعية المترتبة على ذلك، وأضاف أنه من المنطقي أمام هذا الوضع أن تعمل الولايات المتحدة كل ما في وسعها من أجل إعادة العافية إلى الاقتصاد الأوروبي لأن الاستقرار السياسي والسلام مرهونين بذلك.
ومنذ ذلك الوقت والمفهوم يطلق على أي عملية إعادة إعمار في أي دولة تعرضت لدمار هائل بسبب الحرب أو لإطلاق عملية تنمية شاملة.
ألمانيا تتبنى خطة مارشال مع إفريقيا
منذ سنوات أصبحت إفريقيا قبلة المستثمرين والدول، حيث تطرح كل دولة مشروعًا تنمويًا لإنعاش اقتصادات الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء وتبني خطة عمل لتنشيط أعمالها التجارية مع إفريقيا كقارة واعدة اقتصاديًا من جهة وتنشيط اقتصاداتها التي تشهد ركودًا في الآونة الأخيرة من جهة أخرى.
ومن هذا الباب دخلت ألمانيا في تنافس مع الدول الأخرى التي دخلت الأسواق الإفريقية قبلها وأبرزها الصين، وأقامت أول منتدى اقتصادي مع إفريقيا العام الماضي، كما اختتم المنتدى الاقتصادي الألماني – الإفريقي بنسخته الثانية في العاصمة الكينية نيروبي أمس الجمعة الذي استمر لثلاثة أيام لتعلن ألمانيا تبنيها خطة مشروع مارشال مع إفريقيا لتوفير وظائف في دول القارة لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
من المتوقع أن يصل عدد سكان القارة الإفريقية إلى ملياري نسمة بحلول 2050
وزير التنمية الألماني غيرد مولر دعا لإقامة سوق مشتركة بين أوروبا وشمال إفريقيا قبيل بدء المنتدى الاقتصادي، وبحسب المشرف على المنتدى وعضو مبادرة “إفريقيا جنوب الصحراء للاقتصاد الألماني” هاينتس فالتر غروسه أشار أن إفريقيا تطورت على نحو يثير اهتمام الشركات الألمانية، وبنظره فإن هذا الاهتمام مختلف من منطقة إلى أخرى ومن بلد لآخر، لكن التجارة الثنائية تنمو، ففي 2015، توسعت التجارة الألمانية مع إفريقيا لتحقق نحو 26 مليار يورو، وتوجد في ألمانيا حاليًا نحو 1000 شركة ألمانية لديها أعمال تجارية وصفقات مع الدول الإفريقية.
ومع ذلك تعتبر أوساط ألمانية أن هذه الأرقام قليلة مقارنة بما تحويه القارة الإفريقية من فرص استثمارية واعدة ومعدلات نمو، فإفريقيا لا تمثل سوى 1.5% إلى 2% من حجم التجارة الألمانية، ولا توجد شركة ألمانية تحقق أكثر من 2% من عائداتها في إفريقيا، فعلى حد وصف وزيرة الاقتصاد الألمانية بريجيته تسيبريس خلال القمة فإن حجم التجارة الثنائية الألمانية مع منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لم يتجاوز 26 مليار يورو (29 مليار دولار) في عام 2015، يعادل تقريبًا حجم التجارة الألمانية مع سلوفاكيا، وهو لا يعبر عن القوة الاقتصادية الكامنة في القارة والتي يتوقع أن يصل عدد سكانها إلى ملياري نسمة في العام 2050.
إفريقيا لا تمثل سوى 1.5% إلى 2% من حجم التجارة الألمانية
الخطة تم تقديمها إلى لجنة التنمية في البرلمان الألماني وترتكز على شروط تجارية عادلة وعلى استثمار ومساعدة متزايدين في المشروعات التعليمية، وقال وزير التنمية الألمانية مولر “الخطة مع إفريقيا وليس من أجل إفريقيا” مؤكدًا أنها سوف تعتمد على التعاون بين أطراف متساوية وليس على مبادئ المساعدة التنموية التقليدية، وتهدف إلى مساعدة القارة السمراء على مواجهة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، فيما يبدو أن الخطة قائمة كأسلوب وقائي لمكافحة الفقر والآفات التي تتسبب في الهجرة نحو أوروبا.
إلا أن تلك الأهداف لا تخرج عن هدف ألمانيا الأساسي والذي يرمي إلى فتح أسواق جديدة وأخذ جزء من الكعكة في إفريقيا وباتجاه تقوية استثماراتها وصادراتها في القارة الإفريقية، بيد أن الظروف الحالية تجعل الأضواء مركزة على جانب من هذا المشروع، وهو معالجة الأسباب التي تؤدي إلى هجرة الشبان الأفارقة إلى أوروبا عبر البحر.
وعلى الرغم من وجود الشركات الصينية منذ فترة في القارة الإفريقية وحجم الفرص الاستثمارية وبالأخص مشاريع البنية التحتية التي تشرف عليها فإن مراقبين ألمان يرون أن القارة لا تزال تملك فرصًا كافية للشركات الألمانية في إفريقيا.
ويُذكر أن التجارة الصينية الإفريقية بلغت 210 مليار دولار نهاية العام 2013 حيث تمثل تجارة الصين مع إفريقيا 5% من إجمالي تجارتها العالمية البالغة قرابة 3.9 ترليون دولار نهاية 2013 وأن الاسثمارات الصينية المباشرة بلغت نحو 4% من إجمالي الاستثمارات الصينية المباشرة في الخارج بنحو 77.2 مليار دولار في العام 2012 وأن ما يقرب من 2500 شركة صينية تعمل في القارة مما يجعل الدور الصيني في القارة يتعاظم مع مرور الوقت.
من المتوقع أن تصل الصناعات الزراعية في القارة الإفريقية إلى ترليون دولار بحلول العام 2030 في القارة
إفريقيا والتي يقطنها نحو 600 مليون شخص تدرك أنها مليئة بالفرص الاستثمارية التي تجعلها مكانًا جاذبًا للشركات الكبرى ورؤوس الأموال على مستوى العالم، فالهياكل الاقتصادية لدول إفريقيا لا تزال ضعيفة وبحاجة لمزيد من الاستثمار والعمل في جميع المجالات، فالصناعات الزراعية مثلاً من المتوقع أن تصل إلى ترليون دولار بحلول العام 2030 في القارة التي تمتلك ما يصل إلى 60% من أراضي العالم الصالحة للزراعة غير المزروعة تؤهلها لتصبح أكبر مصدر للمنتجات الغذائية في العالم، كما لا يزال 30% من الطرق الإفريقية غير معبدة و50% منها يعد وضعها سيئًا وهذا يمثل أحد الأمثلة على قطاع الخدمات اللوجستية من طرقات ومواني ومطارات وسكك حديدية وغيرها تحمل آفاق استثمارية كبيرة لدول العالم.
ثراء فاحش وسط فقر مدقع
رغم كل هذه الاستثمارات وما تشهده القارة من حراك اقتصادي وثروات طبيعية مهولة، لم يؤد الذهب الأسود والأصفر والألماس والقصدير وباقي المعادن الثمينة، إلى إخراج الشعب من الفقر والبطالة والتخلف، بل زادت ثروة الأثرياء وبقيت الأحوال الاقتصادية في مختلف الدول سيئة، فمعدلات الفقر والبطالة مرتفعة وتوزيع الثورة يتم بشكل غير عادل، فعدد الأغنياء في تزايد مستمر وظاهرة تزاوج السلطات مع الأغنياء لها دور كبير في تأخر عمليات التنمية الشاملة.
ففي نيجيريا يعيش ثلثا السكان في بلد غني بالنفط وبناتج محلي يبلغ نصف ترليون دولار والعضو في منظمة “أوبك” على دخل دولارين في اليوم وهو حد الفقر في العالم، ويعد أغلب اللاجين إلى أوروبا من نيجريا يهربون من الفقر والبطالة.
وفي كينيا لا يزال نصف السكان يعيشون على دخل دولارين أيضًا في اليوم على الرغم من توافر الموارد السياحية والثروات الحيوانية والزراعية والمعادن، بينما يقدر عدد الأثرياء 8500 ثري تعادل ثروتهم ثلث العائد الاقتصادي في البلاد.
ثلثا السكان في نيجيريا يعيشون على دخل دولارين يوميًا
ويعيش في إثيوبيا نحو ثلث السكان في حالة فقر بأقل من دولارين يوميًا، بينما يبلغ عدد الأثرياء هناك 2800 ثري، ولا يعد الوضع في باقي البلدان الأخرى بأفضل حالاً من هذه والسمة العامة هي ثروات هائلة مستغلة من قبل الدول الأجنبية في ظل زيادة ثراء الأثرياء وفقر الفقراء.
وما دامت الحكومات الإفريقية لا تضع المصلحة الوطنية نصب عينيها في أثناء التعامل مع الاستثمارات الأجنبية وخطط مارشال المختلفة التي تعرضها الدول عليها، فإن الحال سيبقى على ما هو عليه، يتلخص في استغلال ثروات القارة لتشغيل الشركات في الدول المتطورة على حساب الشعب الإفريقي الفقير.