شهد العراق خلال الأعوام الماضية تراجعًا في الاستثمارات سواء المحلية منها أو الأجنبية بسبب الصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية داعش إضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية الذي يحول دون جذب الاستثمارات، حيث بلغ الدين الخارجي للعراق نحو 40 مليار دولار إضافة إلى الفساد المستشري والعجز المالي.
وقد ضربت العراق أزمة مالية خانقة منتصف العام 2015، تسببت بتوقف نحو ستة آلاف مشروع، فتحولت استراتيجية الحكومة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية للحؤول دون تردي الأضاع الاقتصادية أكثر، ولمّا لم تجد دعوات الحكومة استجابة من رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في العراق بدأت تتبع استرتيجية مختلفة تقوم على تقديم تسهيلات كثيرة لبلدان معينة بغرض جذب شركاتها للاستثمار في القطاعات المختلفة في العراق.
العراق يرحب بروسيا
في حديث لمستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح مع صحيفة روسية ذكرأن “العراق مفتوح أمام الاستثمارات الروسية في مختلف القطاعات” وأشار أن الاستثمارات المتبادلة بين بلدين تشكل أفضل طريق لبناء العلاقات الاقتصادية، مضيفًا أن الشركات الروسية تولي اهتمامًا للاستثمار في مجالات مثل الإسكان والمواصلات والتحديث الصناعي والبنية التحتية، حيث ستستفيد هذه الشركات من التسهيلات التي تقدمها الحكومة العراقية.
وبفضل التسهيلات الجديدة فإنه من المتوقع إقبال الشركات الروسية على مشروعات البنية التحتية في العراق بشكل تدريجي، وتوقعت مصادر عراقية أن يصل حجم الاستثمارات إلى ملياري دولار مع نهاية النصف الأول من هذا العام، على أن يتزايد هذا الرقم بعد ذلك.
سبق لرجال أعمال روس في العام الماضي 2016 توقعهم نمو الاستثمارات الروسية في العراق في حال معالجة الدين الخارجي العراقي، ولكن بعد هذه التسهيلات المقدمة من طرف الحكومة العراقية فمن المتوقع ألا تهتم الشركات الروسية كثيرًا بالدين العراقي بفضل الإغراءات الجزيلة المقدمة لها، ويُذكر أن الشركات الروسية تولي اهتمامًا كبيرًا في الاستثمار في حقول النفط العراقية.
التسهيلات التي تكلم عنها مستشار الرئيس العراقي لم تكن عابرة أو عادية، بل تمثل فرصة ثمينه للشركات الروسية لاستغلالها والدخول إلى الأسواق العراقية والاستثمار فيها بدون شروط ثقيلة من قبل البلد المضيف، ومن غيرالمستبعد أن تصبح هذه التسهيلات هي أسلوب جديد تتبعه الحكومة العراقية بعد فشل آليات جذب الاستثمار المتبعة السابقة.
من المتوقع أن يصل حجم الاستثمارات الروسية في العراق إلى ملياري دولار مع نهاية النصف الأول من 2017
حيث تضمنت التسهيلات للشركات ورجال الأعمال الروس إعفاؤهم من الضرائب، وخصومات تصل إلى نحو 50% على الرسوم الجمركية المفروضة على دخول السلع والبضائع والمعدات إلى العراق، فضلاً عن إعفائهم من شروط تشغيل اليد العاملة العراقية، وذلك بأمر من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. والجدير بالذكر أن القانون العراقي يفرض أن تكون نسبة اليد العاملة من المواطنين في أي مشروع استثماري أجنبي لا تقل عن 50%.
اعتبر خبراء دخول الشركات الروسية بأنها ستكون بديلا جيدًا عن الشركات الغربية التي انسحبت بعد تردي الوضع الأمني وبدء المعارك مع تنظيم داعش، ومن جهة أخرى فإنها ستنهي وضعية التسلط التي كانت تفرضها بعض الشركات الأميركية والأوروبية من خلال فرض شروطها على العراق لقاء عملها، وعلاوة على هذا فهي تعد أرخص من نظيراتها الغربية رغم فارق الجودة، كما أن الشركات الروسية معروف أنها تعمل تحت أي ظرف كان لذا لن تتأثر بتردي الأوضاع الأمنية التي تشهدها العراق جراء الاقتتال مع تنظيم الدولة داعش.
ستعفى الشركات الروسية من قانون العمالة للشركات الأجنبية بتشغيل نسبة 50% من المواطنين العراقيين
بينما يرى آخرون أن الشركات الروسية لا تنافس الشركات الأميركية أو الأوروبية في مجالات الصناعة والاتصالات والإسكان، ولذلك على الحكومة العراقية أن تعيد النظر في هذه الاتفاقات المبرمة وتتجه لشركات أكثر قدرة على العمل في مثل هذه المشاريع الاستراتيجية التي عرضتها على الشركات الروسية.
إرادة سياسية أكثر منها اقتصادية
ما بين الهدف الاقتصادي المتمثل من دعوة الشركات الروسية يلاحظ وجود إرادة سياسية بحتة وراء تلك التسهيلات الممنوحة للروس، فالتسهيلات للشركات الروسية بالذات وفي هذا التوقيت يحمل بين طياته رسالة سياسية تقدمها إيران إلى واشنطن كما يرى مراقبون.
حيث تعد إيران المسيطر الأول على الاقتصاد العراقي وعلى صناعة القرار هناك، وأحد أكبر الشركاء التجاريين للحكومة العراقية، حيث بلغت إجمالي تقديرات حجم التجارة بين البلدين 12 مليار دولار في العامين 2013 و2014، كما تسهم إيران أيضًا في المشهد العسكري في العراق من خلال تمويل وتشكيل الميليشيات العراقية الموالية لها.
تسعى إيران من خلال التقارب الموجود بين أمريكا وروسيا، تقديم شيء لروسيا في العراق على سبيل الترضية
وقد دخلت الحكومات العراقية المتعاقبة في شراكات استراتيجية اقتصادية ولوجستية مع إيران، من خلال مشاريع البنى التحتية ومشاريع الطاقة، واحتكارات تجارية لسلع استراتيجية، حيث بلغت تقديرات استحواذ إيران على منتجات كثيرة في الأسواق المحلية إلى نسبة تقارب 80%، وفقًا لبعض تقديرات باحثين في الشأن الإيراني.
وبات غني عن التعريف أن إيران تسيطر على العراق وتوجهاته المستقبلية بحيث تصيغ سياساته كما يوافق مع سياستها هي لا مع سياسة العراق الوطنية، وفي ظل التطورات الجديدة عالميًا وتصاعد وتيرة تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران سواءًا بسبب الاتفاق النووي المرفوض من قبله أو بسبب تواجد إيران في سوريا الذي يخطط لإخراجها من هناك، تسعى إيران لاستثمار التقارب الروسي الأمريكي، بتقديم شيء لروسيا في العراق على سبيل الترضية وتقريب العلاقة معها أكثر وتسجيل موقف لديها، لتجنيب نفسها أي ضرر قد يصيبها من قبل ترامب في المستقبل بمعية روسيا، فضلًا عن تعميق الحلف الروسي الصيني الإيراني في مواجهة الولايات المتحدة.