ترجمة وتحرير نون بوست
كان يوم 10 شباط/ فبراير، تاريخ أول مكالمة هاتفية جمعت بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بنظيره الصيني، شي جين بينغ، منذ توليه المنصب. وفي الأثناء، أعلنت إدارة ترامب من خلال هذه المحادثة عن أنها ستولي احترامها لما يسمى “بسياسة الصين الواحدة”، وهي عبارة عن صيغة دبلوماسية طويلة الأمد ميزت العلاقات القائمة بين كل من واشنطن وبكين وتايبيه.
ووفقا لبيان صادر عن البيت الأبيض، تحدث ترامب كثيرًا حول مجموعة من القضايا الثنائية. وتجدر الإشارة إلى أن تأكيد ترامب على توخي الإدارة الأمريكية لسياسة العلاقات غير الرسمية مع تايوان قد جد بناء على الطلب الذي تقدم به الرئيس الصيني. ويكمن السبب وراء هذا القرار إلى أن كلا من الصين وتايوان تؤمنان بفكرة الصين الموحدة، وبالتالي إذا حاولت إحدى الدول توطيد العلاقات مع بكين أو تايبيه فعليها، العمل بالتوازي على فعل الشيء نفسه مع الأخرى.
مؤخرا، شهدت العلاقات بين واشنطن وبكين فتورا فعليا، وذلك على خلفية خرق ترامب للتقليد الدبلوماسي المتعاقد عليه من خلال تلقي تهنئة هاتفية من الرئيسة التايوانية، تساي إنغ ون، في كانون الأول/ديسمبر، وهي المكالمة الأولى من نوعها منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين في سنة 1979. وفي وقت لاحق، أقر ترامب بأن إدارته قد تحيد عن موقفها السابق تجاه تايوان، إذا ما أثبتت بكين عدم استعدادها لتقديم تنازلات في قضايا محورية مثل التجارة وعلاقات التبادل. في المقابل، حذرت بكين مرارا وتكرارا من أن سياسة الصين الواحدة، هي موضوع غير قابل للتفاوض بشأنه.
ظهرت العديد من المؤشرات التي تدل على أن واشنطن من المرجح أن تخفف من حدة موقفها لتهدئة نيران التوتر بينها وبين بكين
وعلى ضوء التوتر القائم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فإن عودة ترامب إلى السياسة القديمة مع الصين يشير إلى أن الجدل المحتدم بين الطرفين لم يحل بعد خاصة وأن الإدارة الجديدة لا تزال تدرس أبعاد العلاقة التي تربطها بالصين.
وبالعودة إلى فترة الانتخابات، توخى ترامب خلال حملته خطابا متشددا إزاء العلاقات مع الصين، لتشمل تصريحات فريق عمله جملة من القضايا العالقة، أبرزها؛ التلاعب بالعملة والقواعد العسكرية الصينية المتمركزة في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، فضلا عن استعداد الصين لاحتواء البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وفي الوقت نفسه، أعرب ترامب عن احتمال تخفيف التوتر الناشئ بين الولايات المتحدة وروسيا. وقد أثار هذا البرنامج الانتخابي حفيظة بكين مما دفعها لإعادة تقييم علاقاتها الخارجية ومن بينها تلك التي تجمعها بالولايات المتحدة.
وفي الوقت الراهن، تبدو القيادة الصينية مشغولة بالمحافظة على زمام الأمور في عملية إعادة التوازن الاقتصادي المتذبذب، والتأهب لمؤتمر الحزب الرئيسي في وقت لاحق من هذه السنة. ومن هذا المنطلق، فإن هذا الوقت بالذات ليس مناسبا لنشوب أي مشاحنات بين بكين وواشنطن. والجدير بالذكر أن تفاقم التوترات التجارية أو تزايد التهديدات الأمنية في منطقة غرب المحيط الهادي قد تضع استقرار الصين الداخلي على المحك وتشتت التركيز الصيني حيال هذه النقطة الحساسة. وحتى لو توخت بكين البعض من الإجراءات المضادة لحماية مصالحها، خاصة في المجالات الاقتصادية والأمن السيبراني والعوالم البحرية، فإن التهديدات لن تزول. ولعل هذا ما يتضح من خلال استيلاء الصين على طائرة بدون طيار تابعة للبحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، في كانون الأول/ ديسمبر.
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت العديد من المؤشرات التي تدل على أن واشنطن من المرجح أن تخفف من حدة موقفها لتهدئة نيران التوتر بينها وبين بكين. وفي هذا السياق، عَدل وزير الخارجية الأمريكية، ريكس تيلرسون، عن التصريحات التي أدلى بها سابقا خلال جلسة تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ، التي تضمنت دعوة لفرض حصار على الجزر الاصطناعية التابعة لبكين في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي.
وفي الوقت نفسه، اقترح وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، خلال زيارته الأخيرة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، جملة من الحلول الدبلوماسية المتعلقة بقضية بحر الصين الجنوبي. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، ستتناول جلسة دراسة هذه المسألة في البيت الأبيض، والتي ستعقد في 9 شباط/ فبراير، إمكانية إعادة تأكيدها علنا على التزامها بسياسة صين واحدة من عدمها.
خلافا لذلك، وحتى مع موافقة ترامب الواضحة على توخي هذه السياسة مع الصين، فإنه من غير المرجح أن تكون عملية إغاثة بكين سهلة. علاوة على ذلك، من المحتمل أن الإدارة الجديدة في واشنطن لا تزال تخفي في جعبتها خيارات أخرى للاستفادة من علاقاتها مع تايوان، في حين تواصل السعي لتحقيق تنازلات من جانب بكين، وقد تتمكن من تحقيق ذلك من خلال زيادة مبيعات الأسلحة والتعاون في مجال الدفاع.
بدو القيادة الصينية مشغولة بالمحافظة على زمام الأمور في عملية إعادة التوازن الاقتصادي المتذبذب، والتأهب لمؤتمر الحزب الرئيسي في وقت لاحق من هذه السنة
ومن الملفت للنظر أن قانون إقرار الدفاع الوطني المخصص للسنة المالية 2017، قد خصص لأول مرة فصلا يتعلق بعمليات التبادلات العسكرية الكبرى مع تايوان.
أما بالنسبة لتايبيه، فإن أحدث التحولات التي طرأت في البيت الأبيض تعتبر انتكاسة كبرى. في المقابل، اتخذت الحكومة التي يقودها الحزب الديمقراطي التقدمي إجراءات احتياطية لتجنب الممارسات العدائية التي يمكن أن تسلطها بكين ضدها. ولكن يبدو أن السياسات المؤيدة للحكم الذاتي، والسعي المستمر لنيل الاستقلال الاقتصادي، قد كسر الهدنة الدبلوماسية التي نحتتها هذه الأطراف في ظل الإدارات السابقة.
وعلى ضوء هذه المعطيات، لجأت الصين، وبسرعة، إلى الضغط على تايوان من خلال تطبيق العزلة الدبلوماسية عليها والترهيب العسكري والإكراه الاقتصادي المستهدف. وفي ظل هذه التطورات، إذا ارتأى البيت الأبيض أن إبقاء الصلة مع تايبيه ستضر بمصالح البلاد فسيتخلى عنها، وفي هذه الحالة ستجد تايوان نفسها لقمة سائغة في يد الصين.
المصدر: ستراتفور