ترجمة حفصة جودة
عندما استقلت لين البعاج إحدى جوانب الشاحنة الصغيرة المسرعة؛ قامت بربط حبل حول أطفالها الثلاث حتى لا يسقطوا من الشاحنة، كان هناك 21 شخصًا آخرين في الشاحنة من بينهم 7 أطفال، يقومون بهذه الرحلة الخطيرة في الصحراء من السودان إلى مصر.
تبلغ لين من العمر 25 عامًا؛ وقد قامت بهذه الرحلة مع أطفالها الثلاث –هالة 10 سنوات، عبدالله 9 سنوات، عمر 4 سنوات- بينما ما زال زوجها محتجزًا في سوريا، تقول لين عندما استقبلتنا في مكتب “مدرسة مستقبلنا” بالقاهرة حيث تعمل كمعلمة: “المجيء إلى مصر من خلال السودان كان تجربة سيئة، لو كنت أعلم ذلك لفضلت الجلوس في سوريا والتعامل مع القنابل”.
غادرت لين مسقط رأسها في حمص للحاق بوالديها في مصر بعد أن قررت أنه لم يعد هناك ما يدفعها للبقاء، تواصل والدها مع شبكة المهربين من خلال “واتساب” ورتب لها رحلة من السودان، لأن السوريين لا يحتاجون تأشيرة لدخول السودان.
تسلط رحلتها الضوء على أكثر الطرق المشهورة بين السوريين للهروب من الحرب، فقد ذكرت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن هناك ما يقرب من 117 ألف لاجيء سوري مسجلين في مصر، لكن التقديرات تشير إلى أن عددهم الحقيقي يتجاوز ضعف هذا الرقم.
من بين 15.740 سوري مسجلين لدي مفوضية شؤون اللاجئين في مصر عام 2016؛ وصل حوالي 60% منهم إلى مصر برًا من خلال السودان بشكل غير منتظم، هذا الطريق أيضًا يتم استخدامه من قِبَل العديد من المهاجرين القادمين من إفريقيا السوداء (جنوب الصحراء الكبرى) خاصة الأريتريين.
بعد الطيران من دمشق إلى العاصمة السودانية الخرطوم، التقت ريم وأطفالها مع عصابة المهربين ومهاجرين ولاجئين آخرين، خليط من صغار وكبار السن، سافروا إلى مدينة بورتسودان في الشمال الشرقي متجاوزين بذلك 3 نقاط تفتيش.
تقول لين: “كان الأمر مخيفًا بشدة، كان المهربون يصرخون علينا وأخبرونا ألا نفتح الستائر حتى لا ترانا الشرطة”، “تم وضعنا في إحدى المنازل في بورتسودان حيث انضم إلينا المزيد من المهاجرين واللاجئين، وعند حلول الظلام؛ وضعونا في الشاحنة مرة أخرى وانطلقنا في الصحراء، كنا نشعر بالهلع فالرحلة خطيرة جدًا، كانوا يقودون بسرعة كبيرة ومن السهل أن يسقط أحد الأطفال، كنت أجلس على جانب السيارة وكنت أعتقد إنني سأسقط، ومن يسقط هنا لن ينقذه أحد، وربما يتعرض لإطلاق النار من السلطات أو يقبض عليه قطاع الطرق، لقد كدنا أن نتعرض لإطلاق النار فقد كنا نسمع الطلقات النارية عند إحدى النقاط”.
لين تلعب مع الأطفال في مدرسة مستقبلنا التي يمولها الاتحاد الأوروبي في القاهرة
تعتبر المناطق الصحراوية في شمال السودان من المناطق المعروفة بانعدام القانون، ولا يضطر المهاجرون للتعامل فقط مع تصرفات المهربين العدائية وغير المتوقعة، لكنهم يتعاملون مع عصابات من اللصوص أو موظفين فاسدين، تقول عائلة أخرى خاضت مثل هذه الرحلة أنهم كانوا يخشون من عصابات بيع الأعضاء والذي قيل أنهم يقتفون أثرهم.
من المستحيل إثبات هذا الأمر، لكن مبيعات السوق السوداء لتجارة الأعضاء يُشتبه في أنها إحدى سمات تجارة اللاجئين والمهاجرين، ففي شهر ديسمبر قبضت السلطات المصرية على 45 سخصًا يٌشتبه تورطهم في هذا الأمر.
تقول لين: “لا ينبغي لأحدهم القيام بتلك الرحلة، إنه طريق الموت، بعد يومين في الشاحنة أجبروني أنا والأطفال على النزول قرب الحدود المصرية والسير نحوها، سألني طفلي الصغير أن نجرب ونتسابق لكنني كنت متعبة بشدة”.
تضيف لين: “التقينا بسائق آخر على الجانب المصري، وأخبرنا المهرب أن نسرع لأنه كان خائفًا من الشرطة، كان يقود بجنون وكنا نهتز صعودًا وهبوطًا ونصرخ، حتى جاء إلينا ممسكًا بعصى وأخبرنا أن نصمت”.
في هذا الوقت كان قد مضى يومًا كاملا على لين بدون مياه، التقت المجموعة بسائق آخر والذي باع لهم زجاجات المياه بأسعار باهظة وابتزازية، استمروا في طريقهم حتى اقتربت الشرطة من السائق؛ حينها ترك لين وأطفالها وبقية المهاجرين في الصحراء دون تفسير وانطلق بالسيارة.
بعد ساعتين عاد السائق ونقلهم من الصحراء إلى طريق مرصوف حتى وصولوا بأمان إلى مدينة أسوان جنوب مصر، وهناك طلب منهم أن يتفرقوا، فقضت لين وأطفالها ليلتهم في إحدى المساجد قبل أن يتوجهوا نحو محطة السكك الحديدية ليستقلوا القطار نحو القاهرة لمدة 15 ساعة.
أصُيبت لين بصدمة جرّاء هذه الرحلة واستمر الأمر لأكثر من أسبوع، أما ابنها عمر فكان يرغب في نسيان هذه الرحلة لكنه ينتفض في كل مرة يرى فيها شاحنة صغيرة في الشوارع، كذلك يتلقى أطفالها الدعم النفسي الآن بفضل مشروع اليونيسيف والاتحاد الأوروبي المشترك في مدرسة مستقبلنا؛ لمساعدة أطفال اللاجئين على التعامل مع صدمة الحرب والنزوح.
بعد أسابيع من وصولها تولت لين منصبها لتعليم الأطفال السوريين الذين جاءوا إلى القاهرة بحثًا عن وطن آخر، الآن تأمل لين أن تبني حياتها في سلام، وتختتم حديثها قائلة: “لقد أصبحت أقوى الآن، أستطيع اللعب مع أطفالي ومشاركتهم المرح”.
المصدر: الإندبندنت