بعد سنوات من الجفاء والعلاقات المتوترة بين البلدين، قرّرت السلطات المختصة بدولة الإمارات العربية المتحدة رفع القيود المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول إلى أراضيها بالنسبة إلى حاملي الجنسية التونسية، الأمر الذي رحّبت به تونس، معتبرة أن “من شأن هذه المبادرة، دعم روابط الأخوة التي تجمع البلدين..”
رفع القيود المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول
أعلنت وزارة الخارجية التونسية، السبت، عن قرار دولة الإمارات العربية المتحدة رفع القيود عن التأشيرات للمواطنين التونسيين. وأوضحت الوزارة أن السلطات المختصة بدولة الإمارات العربية المتحدة أبلغتها رسميا برفع القيود المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول إلى أراضيها بالنسبة لحاملي الجنسية التونسية.
وقبل سنتين، قرّرت الإمارات العربية المتّحدة، منع التونسيين من الحصول على تأشيرة الدخول إليها لمباشرة أعمالهم أو مشاريعهم التي يشرفون عليها، بحجة تأمين حدودها القومية ضد تسلل عناصر إرهابية، وهو ما نتج عنه استياء التونسيين المقيمين بالإمارات العربية المتحدة باعتبار أن ذلك فيه تعطيل لمصالحهم.
من شأن هذه المبادرة أن تدعم روابط الأخوّة التي تجمع البلدين
وقبل ذلك، استدعت الإمارات العربية المتحدة سفيرها بتونس، في سبتمبر 2013، احتجاجا على دعوة الرئيس التونسي، آنذاك، المنصف المرزوقي إلى الإفراج عن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، في كلمة ألقاها فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأمر الذي اعتبرته الإمارات “تدخلاً غير مدروس في شأن دولة ذات سيادة بحجم مصر، إضافة إلى أنه تشكيك في إرادة الشعب المصري، بجانب كونها دفاعا مكشوفًا عن جماعة بحد ذاتها، لا حرصا على الديمقراطية “وفق ما نقلت صحيفة “الخليج” الإماراتية آنذاك.
واعتبرت الخارجية التونسية وجاء في بيانها أنّ “من شأن هذه المبادرة أن تدعم روابط الأخوّة التي تجمع البلدين وأن تعطي دفعا لعلاقات التعاون الثنائي في جميع المجالات وتعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة ويستجيب لتطلعات الشعبين الشقيقين.”
وتشهد العلاقات التونسية الإماراتية حالة من التوتّر، تعود بدايتها إلى أواخر سنة 2011 إثر فوز حركة النهضة الاسلامية بأغلبية مقاعد المجلس التأسيسي ثم ازدادت توترا بعد انتخابات اكتوبر 2014 التي توجت أنداك بالتحالف بين حركة النهضة ونداء تونس.
هل تتحقق زيارة السبسي للإمارات؟
قرار دولة الإمارات العربية المتّحدة رفع القيود المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول إلى أراضيها بالنسبة للتونسيين، من شأنه أن “يعطي دفعا لعلاقات التعاون الثنائي في جميع المجالات وتعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة ويستجيب لتطلعات الشعبين الشقيقين”، حسب الخارجية التونسية، الأمر الذي قد يعجّل بزيارة مرتقبة للرئيس التونسي إلى الإمارات لبحث الملفات العالقة بين البلدين.
شمل قرار المنع وزير الخارجية، آنذاك، الطيب البكوش
وكانت الإمارات قد رفضت، في يناير 2016، استقبال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي متذرعة بانشغال المسؤولين الإماراتيين، بعد أن أكد المستشار السياسي لرئيس الجمهورية التونسية ووزير الخارجية الحالي، خميس الجهيناوي، أنّ السبسي سيقوم بزيارة رسمية إلى الإمارات خلال الأسابيع المقبلة، إثر تسلّمه دعوة رسمية من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة لزيارة دولة الامارات عن طريق وزيرة التنمية والتعاون الدولي الإماراتية الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي.
ولم يشمل قرار منع التونسيين من الحصول على تأشيرة الدخول إلى الإمارات، المقيمين أو أصحاب المشاريع هناك، فقط، بل شمل أيضًا ديبلوماسيين ووزراء، حيث كشفت تقارير اعلامية عن رفض السلطات الإماراتية منح وزير الخارجية السابق، الطيب البكوش، وهو في حالة مباشرة لمنصبه على رأس الوزارة، تأشيرة الدخول إلى أراضيها.
مشاريع معطّلة
الفتور والبرودة التي اتسمت بها العلاقات بين البلدين، كانت سببا لتعطّل عديد المشاريع الاستثمارية الإماراتية الكبرى في تونس، على رأسها مشروع “سما دبي”، حيث ترفض دولة الإمارات العربية المتحدة استئناف أشغال مشروع سما دبي “باب المتوسط” بمنطقة البحيرة 2 ومشروع “المدينة الرياضية” المعطّلان منذ سنوات، لأسباب يقول التونسيين إنها مرتبطة برفض الإمارات تحالف حركة نداء تونس مع حركة النهضة ومشاركتها في الحكم.
تعول كانت الإدارة التونسية على هذه المشاريع الاستثمارية الكبرى من أجل توفير فرص عمل جديدة
ويتذرع المستثمر الاماراتي باضطراب الوضع في تونس وفي المنطقة لرفضه تحديد بداية الأشغال في هذه المشاريع التي تسعى الحكومة التونسية الى استئناف أشغالها المعطّلة. ولم تشارك الإمارات في المؤتمر الدولي للاستثمار “تونس2020” التي انتظم في نوفمبر الماضي في تونس.
وتعول كانت الإدارة التونسية على هذه المشاريع الاستثمارية الكبرى من أجل توفير فرص عمل جديدة، وتقليص نسبة البطالة في صفوف التونسيين التي تجاوزت 15%.
الإمارات والتجربة الديمقراطية التونسية
كثيرا ما اتهمت دولة الإمارات بمعاداتها للتجربة الديمقراطية التونسية وسعيها إلى افشال هذا الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ سقوط نظام بن علي في يناير 2011.
وكان الإعلامي التونسي سفيان بن فرحات قد كشف في ال 18 من شهر مايو 2015 أثناء مداخلته على قناة “نسمة الخاصة”، أن الرئيس التونسي الباجي القائد السبسي أعلمه في لقاء خاص أن دولة الإمارات طلبت منه إعادة سيناريو مصر وإزاحة حركة النهضة التونسية للإيفاء بتعهداتها المالية لتونس إلا أن الأخير رفض ذلك وفضل سياسة الحوار والتوافق لتفادي الحرب الأهلية بالبلاد وإراقة الدماء،” وفق تصريح بن فرحات. وقبل ذلك نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تقريرين متتالين في أواخر 2015، اتّهم فيهما الإمارات بالوقوف خلف عدم الاستقرار في تونس لرفض السبسي تكرار نموذج السيسي في مصر بالسعي لسحق الإخوان وإعادتهم للسجون.
يتّهم سياسيون تونسيون، الإمارات باستعداء التجربة الديمقراطية التونسية والسعي إلى مصادرة القرار السيادي التونسي
وسبق للرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي أن صرح في لقاء مع قناة “فرانس 24” بأن الإمارات تمول الانقلابات وتخلق أحزابا على حد تعبيره. وأضاف المرزوقي أن الإمارات “عدوة الثورات العربية (..)”.
ويتّهم سياسيون تونسيون، الإمارات باستعداء التجربة الديمقراطية التونسية والسعي إلى مصادرة القرار السيادي التونسي من خلال ضخ الكثير من الأموال في الساحة التونسية ودفع الأمور في اتجاه يشبه ما حدث في مصر.
الإمارات ترفع السفر عن مواطنيها لتركيا
بالتزامن مع قرار رفع القيود المتعلقة بمنح تأشيرات الدخول إلى أراضيها بالنسبة إلى حاملي الجنسية التونسية، قررت السلطات الإماراتية، أيضا، رفع التحذير من سفر مواطنيها إلى تركيا. وسبق أن حذرت وزارة الخارجية الإماراتية في 2 يناير الماضي، مواطني بلادها من السفر إلى تركيا بعد الهجوم الإرهابي على ملهى ليلي في مدينة إسطنبول التركية، ليلة رأس السنة.
وكانت العلاقات الدبلوماسية التركية الإماراتية شهدت فتورًا على خلفية اختلاف في وجهات النظر بخصوص عدد من الملفات أبرزها الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في يوليو2013، واستثنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإمارات من زيارته التي انطلقت أمس إلى دول الخليج العربي.
تتهم الإمارات بدعم محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا
وكانت تقارير اعلامية قد تحدّثت عن دور إماراتي في تحضير محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، الصيف الماضي. وتأتي هذه الخطورة الإماراتية برفع تحذير السفر إلى تركيا، في إطار سعيها إلى عودة علاقتها مع تركيا إلى ما كانت عليه سابقا خاصة على المستوى الاقتصادي والسياسي.
و تؤكد القرارات الإماراتية الأخيرة بخصوص تونس وتركيا، مراجعة دولة الإمارات لسياساتها الخارجية خاصة مع الدول التي يحكم فيها أحزاب الاسلام السياسي، بعد أن اتسمت هذه العلاقة بالفتور والعداء.