أراضٍ واسعة ومناطق قاحلة تمتد على مد البصر، تحتل مساحات كبيرة من الكرة الأرضية، يقل فيها هطول الأمطار إلى ما دون 250 مليمترًا سنويًا وتصل إلى أقل من 10 مليمترات في أغلب الأحيان، ورغم صعوبة الحياة فيها، فقد اختار ملايين البشر العيش هناك، إلى جانب العديد من الكائنات الحية التي تأقلمت مع المناخ القاسي.
نكتب عن الصحاري الممتدة في كل قارات العالم، التي تنقسم عالميًا إلى 4 أنواع، هي: الصحاري الحارة والصحاري الجافة المعروفة أيضًا بالصحاري القاحلة، والصحاري شبه القاحلة والصحاري الساحلية، أما الأخيرة فهي الباردة.
تتميز الأولى بدرجة حرارة دافئة وجافة طوال العام، أما الثانية فهي أكثر برودة قليلًا من الصحاري الحارة والجافة، فيما يكون الصيف المعتدل في الصحاري الساحلية أطول من الشتاء البارد، وهي صحارٍ ليست قاسية، أما الرابعة فهي التي تتلقى معظم تساقطات الأمطار على شكل ثلوج، وتتميز بفصول الشتاء الطويلة الباردة مع الكثير من تساقط الثلوج وصيف قصير رطب ودافئ.
نركز في “نون بوست” على تلك الصحراء الحارة والجافة، التي تتركز في شمال القارة الإفريقية وتعرف باسم “الصحراء الكبرى” وتعد من أقدم الصحاري وأكثرها حرًا وأكبرها مساحة مقارنة بباقي الصحاري، ولأهميتها وتفاعلها التاريخي والسياسي اللافت في المنطقة، خصصنا ملفًا كاملًا للبحث عن حدودها وجغرافيتها وتاريخها الطويل وحاضرها الحافل وأبرز المراحل التي عرفتها.
ثالث أكبر صحراء في العالم
تغطي الصحاري نحو ثلث مساحة اليابسة على كوكبنا، وهي ظاهرة جغرافية محددة، تتشكل عندما تؤدي التغيرات المناخية الإقليمية إلى ظروف جفاف طويلة الأمد، وتعتبر صحراء أنتاركتيكا الأكبر في العالم، فهي تقع في نصف الكرة الجنوبي في قارة أنتاركتيكا، وتمتد عبر قرابة 14 مليون كيلومتر مربع.
تغطي صحراء أنتاركتيكا كامل أراضي القارة القطبية الجنوبية – القارة الواقعة فوق القطب الجنوبي -، وتحتوي المنطقة على العديد من صيغ التفضيل المرتبطة باسمها أكثر من الصحراء الكبرى وحدها، وهي الأكثر برودة وجفافًا ورياحًا.
تنتمي هذه الصحراء إلى الصنف الرابع أي القطبية الباردة، إذ تغطي الثلوج ما يقارب 98% من مساحتها، وتصل درجة الحرارة فيها إلى 90 درجة مئوية تحت الصفر، ما يعني أن البشر لا يستطيعون العيش في هذه الصحراء القاسية، كما تقل فيها النباتات والحيوانات.
لم تكن الصحراء بالشكل التي عليه الآن، إذ حدث تغيير في مدار الأرض قبل 12 ألف عام جلب رياحًا موسميةً إلى الشمال أكثر
أما في الشمال، فنجد صحراء القطب الشمالي الباردة وهي ثاني أكبر صحراء في العالم بفارق بسيط عن صحراء القطب الجنوبي، وتمتد عبر مساحة المحيط المتجمد الشمالي مسافة 2000 كيلومتر من الشرق إلى الغرب و1000 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، وتغطي عددًا من الجزر الواقعة على الساحل الشمالي للنرويج وروسيا.
فيما توجد ثالث أكبر صحراء في العالم في القارة الإفريقية، الصحراء الكبرى، وتمتد على مساحة 9 ملايين و200 ألف كيلومتر مربع، أي أنها تغطي 25% من مساحة اليابسة في إفريقيا، وبحجم الولايات المتحدة الأمريكية تقريبًا (متضمنة آلاسكا وهاواي).
جغرافية الصحراء
يحد الصحراء الكبرى البحر الأبيض المتوسط من الشمال وساحل سافانا من الجنوب، أما من الغرب فيحدها المحيط الأطلسي، والبحر الأحمر من الشرق، وتعد موطنًا لبعض من أكثر المناظر الطبيعية قسوة والظروف القاسية على وجه الأرض، بالإضافة إلى بعض من أجملها.
تمتد هذه الصحراء عبر 11 بلدًا، ففي شمال إفريقيا نجد الجزائر ومصر وليبيا والمغرب والسودان وتونس، أما في غرب القارة فنجد مالي وموريتانيا والنيجر، وفي الوسط تشاد، أما في شرق القارة السمراء فنجد دولة إريتريا.
تتكون الصحراء الكبرى من تضاريس متنوعة، لكنها تشتهر بحقول الكثبان الرملية، وتصل هذه الكثبان إلى ارتفاع 450 مترًا في شرق وسط الجزائر، وهي من أطول الكثبان الرملية في العالم، كما توجد ملامح طبوغرافية أخرى كـ”العرق” وهو عبارة عن مساحات كبيرة من الرمال، ويطلق عليها أحيانًا اسم البحار الرملية.
وأيضا “المسطحات الملحية”، وهي مساحة مسطحة من الأرض مغطاة بالرمل والحصى والملح، وأيضًا “الحمادة” وهي هضاب صخرية صلبة وقاحلة، كما تتضمن تضاريس الصحراء الجبال والهضاب والأحواض والمنخفضات.
الأنهار والجداول الموجودة في الصحراء كلها موسمية، باستثناء نهر النيل، وتوجد في تلك المنطقة أكثر من 20 بحيرة، معظمها بحيرات مالحة، باستثناء بحيرة تشاد وهي بحيرة المياه العذبة الوحيدة في الصحراء الكبرى.
فضلًا عن ذلك، تتكون الصحراء الكبرى في جزء مهم منها من الواحات، ما سمح بتطور طرق التجارة بين موانئ شمال إفريقيا والسكان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ما ساهم في تركز عدد مهم من السكان في هذه المنطقة القاحلة.
أعلى قمة في الصحراء هي إيمي كوسي، وهو بركان يقع في جبال تيبستي، بتشاد، ويبلغ ارتفاعه 3415 مترًا فوق مستوى سطح البحر، تشمل السلاسل الجبلية الأخرى في المنطقة جبال عير والأطلس الصحراوي وأدرار إيفورا وجبال الهقار وجبال تيبستي وتلال البحر الأحمر، أما أعمق نقطة في الصحراء الكبرى فهي منخفض القطارة في مصر على ارتفاع 133 مترًا تحت مستوى سطح البحر.
تاريخ قديم
رغم عدم وجود الكثير من مقومات الحياة في الصحراء الكبرى، فإنها توفر تاريخًا بيئيًا وثقافيًا فريدًا يعود تاريخه إلى ملايين السنين، وفي بعض الأماكن تعد موطنًا لفرص ممتازة لمشاهدة الحياة البرية.
يعود تاريخ المنطقة إلى عشرات آلاف السنين، ويقول بعض الباحثين إن الصحراء الكبرى تعود إلى العصر البليستوسيني وهي الفترة الزمنية التي بدأت قبل 2.588 مليون سنة، وامتدت حتى 11 ألف و700 سنة مضت، وتتميز بتناوب الفترات الجليدية بين العصور الجليدية (يشار إليها عادة باسم العصور الجليدية).
فيما يزعم باحثون آخرون أن الصحراء تشكلت خلال بضعة آلاف من السنين الماضية، بينما يقترح البعض الآخر تاريخًا أطول، حيث تشكلت الصحراء في العصر البليوسيني منذ ما بين 5.3 و2.6 مليون سنة.
من أسباب عدم اليقين بشأن عمر الصحراء الكبرى أن الباحثين يستخدمون طرقًا مختلفة لتقديره، وتشمل هذه الطرق دراسة الغبار الصحراوي الموجود في الرواسب تحت المحيط الأطلسي وتحليل الحجر الرملي ونمذجة المناخ القديم.
تعد الصحراء الكبرى واحدة من أكثر المناطق حرارة في العالم
لم تكن الصحراء بالشكل التي عليه الآن، فقد حدث تغيير في مدار الأرض قبل 12 ألف عام جلب رياحًا موسميةً إلى الشمال أكثر، وجعل منها صحراء كما هي الآن، بعد أن كانت منطقة خضراء فيها بحر كبير.
وفي سنة 2018 اكتشف باحثون مقبرة تعود للعصر الحجري على شواطئ بحيرة قديمة جافة بالصحراء الكبرى كانت تمتلئ بهياكل عظمية لبشر وأسماك وتماسيح عاشوا عندما كانت الصحراء الكبرى بإفريقيا واحة خضراء.
قال الباحث بجامعة شيكاغو بول سيريبنو إن موقعًا يعود تاريخه إلى عشرة آلاف عام بالنيجر يطلق عليه “جوبيرو” أي قبر كما يسميه الطوارق، اكتشف عام 2000 وجمعت عنه معلومات كافية لاستكمال تقرير شامل، وعثر الفريق على مجموعة من العظام البشرية والحيوانية خلال عمليات بحث عن حفريات لديناصورات.
كما تم التوصل أيضًا إلى مصنوعات يدوية متناثرة على الأرض في مناطق عديدة من الصحراء (الفؤوس اليدوية ورؤوس السهام وما إلى ذلك)، فضلًا عن نقوش في عدد من الجبال، وهو ما يؤكد وجود حضارة العصر الحجري الحديث هناك.
تقول العديد من المراجع إن الصحراء الكبرى كانت مليئة بالأنهار والمستنقعات الكبيرة، وقد تم التوصل إلى رسومات وجدت في الكهوف في قلب الصحراء الكبرى يعود تاريخها إلى 9.000 سنة وتظهر رجالًا يرعون غنمهم ويصطادون الحيوانات.
لكن التحولات المناخية القاسية، دفعت أغلب سكان المنطقة إلى الهجرة إما شمالًا وإما جنوبًا، لتصبح الصحراء الكبرى التي نعرفها اليوم، وكان المصريون القدامى والفينيقيون واليونانيون والأوروبيون من بين الشعوب التي سكنت المنطقة.
كشفت دراسة نشرتها مجلة “ساينس” (Science Advances) سنة 2019 عن حقيقة مذهلة وهي أن الصحراء الكبرى لديها دورات بديلة من صحراء جافة وغير مضيافة إلى واحة خضراء أخرى كل 20 ألف عام تقريبًا، وقد فحص مؤلفو الدراسة الرواسب البحرية التي تحتوي على رواسب غبار من الصحراء الكبرى على مدى الـ240 ألف سنة الماضية.
صحراء حارة
يمنع وجود منطقة التقارب بين المداري ITCZ، في جنوب الصحراء الكبرى، الرطوبة من الوصول إلى المنطقة، بينما تتوقف العواصف شمال الصحراء قبل الوصول إليها أيضًا، ما جعل هطول الأمطار السنوي في الصحراء أقل من 25 مليمترًا في السنة.
ويمكن لبعض المناطق في الصحراء الكبرى أن تمر سنوات عليها دون أن تشهد تساقط قطرة مطر واحدة، ويؤدي التعرض المستمر لأشعة الشمس العالية والرطوبة المنخفضة جدًا إلى قلة الغطاء النباتي وغياب الأمطار تقريبًا.
تهطل معظم الأمطار في الفترة من ديسمبر/كانون الأول حتى مارس/آذار، ويحدث حد أقصى آخر في شهر أغسطس/آب، وتتميز بالعواصف الرعدية، ويمكن أن تسبب هذه العواصف فيضانات مفاجئة هائلة تندفع إلى المناطق التي لم تهطل فيها الأمطار.
فضلًا عن كونها جافة، فإن الصحراء الكبرى تعد واحدة من أكثر المناطق حرارة في العالم، إذ يبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية للصحراء 86 درجة فهرنهايت (30 درجة مئوية)، لكن خلال أشهر الصيف يمكن أن تتجاوز درجات الحرارة 122 فهرنهايت (50 درجة مئوية).
سجلت مدينة العزيزية في ليبيا درجة 136 فهرنهايت (58 درجة مئوية)، وهي أعلى درجة حرارة تسجل حتى اليوم على الأرض، بحسب “ناسا”، ويعيش في المدينة، بحسب آخر إحصاء، 44 ألف نسمة، لا يتخذون أي تدابير خاصة لمواجهة الحر، خصوصًا أن الحرارة التي سجلت عام 1922 لم تتكرر في المدينة.
السماء صافية دائمًا في الصحراء الكبرى، ويمكن أن تصل مدة سطوع الشمس إلى نحو 3600 ساعة إلى 4300 ساعة من ضوء الشمس الساطع سنويًا، أي ما يقارب 82% إلى 98% من الوقت، وتسجل أعلى مدة لسطوع الشمس في أجزاء من صعيد مصر وحول الصحراء النوبية.
يعتقد الكثيرون أن مناخ الصحراء حار باستمرار، إلا أن درجات الحرارة يمكن أن تنخفض بشكل كبير في الليل، بسبب قلة الرطوبة، فيمكن أن تصل إلى ما دون درجة التجمد، ما يجعلها دافئة إلى شديدة الحرارة في أثناء النهار مع برودة في الليل، كما تتساقط الثلوج بانتظام على عدة سلاسل جبلية، لكن ليس في أي مكان آخر في الصحراء.
المناخ العام للصحراء يجعلها مكانًا صعبًا لأي حياة، فالجو حار وجاف وعاصف، ومع ذلك فإنها تدعم مزيجًا من الحيوانات البرية بما في ذلك المها وغزلان الداما وغزال دوركاس والحمير البرية وقردة البابون والضباع المرقطة وابن آوى وثعالب الرمل والنمس والجربوع والقنفد.
كما تضم الصحراء غطاءً نباتيًا متناثرًا عمومًا، مع وجود تجمعات من الأعشاب والشجيرات والأشجار في المرتفعات وفي منخفضات الواحات وعلى طول الوديان، وتوجد نباتات ملحية مختلفة (نباتات تتحمل الملوحة) في المنخفضات المالحة.
توجد أيضًا بعض الأعشاب والشجيرات الصغيرة والأشجار التي تتحمل الحرارة والجفاف في السهول والهضاب الأقل رطوبة في الصحراء، فقد تكيف هذا الغطاء النباتي مع التغيرات المناخية ومع هطول الأمطار غير الموثوق به.