أقرت الأمم المتحدة يوم 13 من فبراير من كل سنة يوما عالميا للإذاعة احتفاء بالدور الذي قامت به هذه الوسيلة الإعلامية على امتداد أكثر من قرن في تنمية المجتمعات وتقريب الشعوب ونشر الوعي لدى الأفراد.
والى جانب هذه الوظائف التثقيفية والاقتصادية أنيطت بالراديو مهام سياسية تجذرت مع نهاية العقد الثاني من القرن العشرين حيث أصبح، في ظل التنافس السياسي، القناة الأجدى للحكومات والسياسيين لنشر أفكارهم وإقناع الرأي العام بها فكان إن أسقط الأثير حكومات وحرر بلدانا وغير جغرافيا وكتب تاريخًا حافلًا لشعوب وأفراد.
هيئة الإذاعة البريطانية BBC: الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس
كان مذهلا أن تسمع الشعوب في المستعمرات البريطانية في كانون الأول 1932 صوت الملك جورج الخامس في أول عيد ميلاد ملكي يبث عبر إذاعة BBC في أرجاء ما يعرف بدول الكومنولث.
أصبح بإمكان المملكة المتحدة استعادة مجدها البحري ونفوذها الإمبراطوري عبر سفينة جديدة نقلت الثقافة والمدنية والمواقف السياسية البريطانية إلى كل أصقاع العالم دون الحاجة إلى جيوش وأسلحة.
رغم ثورة التلفزيون والانترنت بقي هذا الجهاز العجيب ملتصقًا بأذان الأكثرين في مناطق نائية من العالم يؤثر في الأحداث ويتأثر بها محافظًا على سلطة معنوية تختزلها عبارة – قالوا في الراديو-
اكتسبت BBC قوة سياسية ضخمة وتأثيرًا واسعًا خلال تغطيتها للحرب العالمية الثانية ولعبت دورًا إعلاميًا هامًا في هزيمة دول المحور وانتصار الحلفاء خلال هذه الحرب وكان خطاب 18 يونيو 1940 الذي ألقاه الجنرال الفرنسي شارل ديغول عبر موجات إذاعة BBC من مقرها في بوش هاوس حاسمًا في استعادة الفرنسيين لروح المقاومة لتحرير باريس من الاحتلال النازي ومثل نقطة تحول فارقة في مسار الحرب حيث تشكلت عبر برنامج فرنسا الحرة من إذاعة bbc حركة كفاح انتهت بعودة فرنسا إلى الفرنسيين وعودة ديغول مظفرا إلى باريس المحررة.
وكتب التاريخ إن رسائل ديغول الصوتية عبر إذاعة BBC كانت منطلقًا لبروزه كقائد سياسي سيكون له تأثير على المستقبل السياسي لأوروبا والعالم.
وتواصل التأثير السياسي للإمبراطورية الإعلامية لهيئة الإذاعة البريطانية BBC ولعبت دورًا في كبرى القضايا العالمية من الحرب الباردة إلى سقوط حائط برلين مرورًا بحركة التحرر الوطني التي عرفتها الشعوب المستعمرة في إفريقيا وأسيا ومنطقة الشرق الأوسط وفي ذروة شهرتها ونشاطها بثت الإذاعة برامجها بـ 45 لغة من بينها اللغة العربية.
هنا لندن.. سيداتي سادتي.. نحن نذيع اليوم من لندن باللغة العربية للمرة الأولى في التاريخ..
بهذه الكلمات أعلن المذيع كمال سرور انطلاق بث هيئة الإذاعة البريطانية باللغة العربية وهي خدمة أطلقتها المؤسسة سنة 1938 موجهة إلى الشرق الأوسط ومثلت موجات الإذاعة ملاذًا لقادة حركات التحرر الوطني في المنطقة العربية للتعبير عن مواقفهم وآرائهم السياسية كما كانت بي بي سي عربي متابعًا أمينًا ودقيقًا للإخبار في المنطقة رغم الانتقادات التي وجهت للإذاعة في تغطية بعض الأحداث خاصة عند تأميم قناة السويس المصرية والأخبار المتصلة بالثورات المناهضة للاستعمار البريطاني والفرنسي.
“من الخطأ تقليد استهتار وغلو برلين” هكذا ردت إدارة بي بي سي على انتقادات وزارة الخارجية البريطانية لتقارير الإذاعة أثناء تغطية الحرب العالمية الثانية في إشارة إلى إعلام غوبلز المسئول عن الدعاية النازية. انطلاقا من هذا المبدأ راكمت هيئة الإذاعة البريطانية تجربة إعلامية فريدة تواصل تأثيرها على المجريات السياسية حتى وقت قريب وما زالت تتمتع بمصداقية في نقلها للإخبار لدى جمهور واسع في كل أنحاء العالم مما أهلها لتكون وريثة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس بقيم الثقافة البريطانية الجديدة.
إذاعة صوت العرب من القاهرة: من الثورة إلى النكسة
في جلسة صاخبة في مجلس العموم البريطاني طالب النواب بمنع دخول المذيع المصري في صوت القاهرة أحمد سعيد إلى لندن سنة 1965 ضمن وفد مصري. وأسباب المنع تعود لما اعتبروه دورًا تحريضيًا لإذاعة صوت العرب آنذاك على الدول الغربية.
اكتسبت BBC قوة سياسية ضخمة وتأثيرًا واسعًا خلال تغطيتها للحرب العالمية الثانية ولعبت دورًا إعلاميًا هامًا في هزيمة دول المحور وانتصار الحلفاء خلال هذه الحرب
تأسست إذاعة صوت العرب سنة 1953 بعد ان كانت برنامجًا يبث على إذاعة القاهرة وكانت وسيلة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر للتعبير عن أفكار القومية العربية ومناهضة الاستعمار وعمل على استخدامها لشحذ همم الشعوب العربية لفكرة الوحدة والتحرر.
من نفس المصدح الذي نقل بيان الضباط الأحرار بصوت أنور السادات صدح أحمد سعيد المذيع الأشهر في صوت العرب بنداءاته الثورية تأييدًا ومناصرة للفكر السياسي الجديد الذي تعرف عليه وتبناه عدد كبير من شباب المنطقة العربية من خلال هذه الإذاعة فكانت صور جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وأحمد سعيد تطبع على الكراسات في أوائل الستينات من القرن الماضي حيث بلغت صوت العرب أوج شهرتها وانتشارها بعد الدعم الكبير الذي لقيته من حكام مصر الجدد.
وانخرطت الإذاعة في معارك تحرير الشعوب العربية من الاستعمار وساندت الحركات القومية وهاجمت المناوئين للنظام المصري من بينهم الملك الأردني حسين بن طلال والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة ونجحت في تشكيل رأي عام لا يثق إلا في رسائلها السياسية، وصنعت مجدًا مازال تأثيره واضحا في الأوساط السياسية للرئيس عبد الناصر وللفكرة القومية.
ولمواجهة التأثير السياسي والأيديولوجي لصوت العرب قامت فرنسا إبان الثورة الجزائرية بتوزيع أجهزة راديو على الجزائريين لا تلتقط موجهة الإذاعة بهدف التعتيم على المد الثوري المناوئ لفرنسا المتدفق عبر أثير هذه الإذاعة.
لم تصمد صوت العرب طويلًا كقائد رأي في المنطقة العربية وتراجعت ثقة الجمهور بها وفقدت شعبيتهما بعد إعلانها انتصار الجيش المصري في حرب 1967. حيث انقلب الشغف إلى ازدراء وبات قطاع واسع من المستمعين لا يعتمد الإذاعة كمصدر موثوق للمعلومة الصحيحة
قال أحمد سعيد مدير هذه المؤسسة في تلك الفترة: لم يكن بالإمكان رفض بث بيانات عسكرية والبلاد تعيش حالة حرب.
أقرت الأمم المتحدة يوم 13 من فبراير من كل سنة يوما عالميا للإذاعة احتفاء بالدور الذي قامت به هذه الوسيلة الإعلامية على امتداد أكثر من قرن في تنمية المجتمعات وتقريب الشعوب ونشر الوعي لدى الأفراد
إذاعة صوت العرب حملت لواء الثورة ونجحت عندما كان المد الثوري متصاعدًا وسقطت عندما اكتشف المستمعون أنها كانت جزء من التضليل الذي يعتمده السياسيون عادة لتمرير أفكارهم السياسية.
رغم ثورة التلفزيون والانترنت بقي هذا الجهاز العجيب ملتصقًا بأذان الأكثرين في مناطق نائية من العالم يؤثر في الأحداث ويتأثر بها محافظًا على سلطة معنوية تختزلها عبارة – قالوا في الراديو- التي يتداولها الناس جيلًا بعد جيل بكل اللغات وحكاية الإذاعة مع السياسية متواصلة والتاريخ مازال يكتب فصولًا في ارتباط الأثير بأصحاب القرار بقي أن التجربة أثبت أن الزواج بين الإذاعة والسياسيين لا يعدو أن يكون إلا زواج متعة يتصدع بمجرد ظهور الحقيقة.