ترجمة حفصة جودة
كانت ميشيل ديميلو تمشي إلى مكتب رجل الدين في كولورادو وهي تفكر أن شخصًا ما سوف يأتي لينقذها، كانت ميشيل حاملًا في الـ16 من عمرها، وكان مجتمعها المسيحي في منطقة “جرين ماونتن فولز” يضغط على أسرتها لتزوجيها من صديقها البالغ 19 عامًا، لم تكن تعتقد أن لها الحق في رفض الزواج بعد هذه الفوضى التي تسببت بها، تقول ميشيل: “إما أن أصبح مثالاً واضحًا للعاهرة في مجتمعي أو أن أقبل بما يطلبه الجميع وأنقذ ما تبقى من شرف أسرتي”، كانت تعتقد أن الكاهن سيرفض تزويجها فالقانون لا يسمح بزواج القاصرات، كانت مخطئة كما اكتشفت الآن وهي بعمر الـ42.
بينما تحدد معظم الولايات عمر الـ18 كحد أدنى للزواج، فهناك استثناءات في جميع الولايات تسمح بزواج الأطفال في حالة موافقة الوالدين أو موافقة القضاء، كم يبلغ الحد الأدنى؟ لم يحدد القانون في 27 ولاية حدًا أدنى لا يمكن فيه تزويج الأطفال.
معظم الولايات لا توفر معلومات تعريفية عن الأطفال، لكن المؤسسة شهدت وجود حالات زواج أطفال في معظم الثقافة الأمريكية والأديان الموجودة بها، بما في ذلك المسيحية اليهودية والإسلام والمجتمعات العلمانية
“Unchained At Last” منظمة غير ربحية أسستها لمساعدة النساء على مقاومة الزواج القسري أو الفرار منه في الولايات المتحدة، لقد قضيت العام الماضي في جمع بيانات رخص الزواج من عام 2000 وحتى 2010، وكانت السنة الأخيرة هي السنة التي استطاعت فيها معظم الولايات تزويدنا بالمعلومات اللازمة.
وجدنا أنه في أكثر من 38 ولاية تم تزويج أكثر من 167 ألف طفل في تلك الفترة، معظمهم من الفتيات والبعض تصل أعمارهن لـ12 عامًا، أما أغلب الرجال فتبدأ أعمارهم من الـ18 وأكثر، كان هناك 12 ولاية بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا لم يتمكنوا من تحديد عدد الأطفال الذين تزوجوا في تلك الفترة، وبناءً على العلاقة الترابطية التي حددناها بين الكثافة السكانية وزواج الأطفال، قدرنا عدد الأطفال الذين تزوجوا في الولايات المتحدة بين عامي 2000 و2010 بنحو 248 ألف طفل.
رغم أن هذه الأرقام مثيرة للقلق ورغم عواقب الزواج المبكر والذي يتضمن آثارًا سلبية على الصحة والتعليم وزيادة احتمالات العنف المنزلي، فقد قاوم بعض المشرعين إصدار الدولة تشريعًا يمنع زواج الأطفال، إما لأنهم يعتقدون أن هذا التشريع غير قانوني ويمنع الحرية الدينية أو أنهم يتمسكون بفكرة أن الزواج هو الحل الأفضل لحمل المراهقات.
بهذه الطريقة، هناك تعارض كبير بين مشرعي الولايات المتحدة والسياسة الخارجية الأمريكية، فقد أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية العام الماضي مبادرة “الاستراتيجية العالمية لتمكين المراهقات”، وهدفها الرئيسي هو الحد من زواج الأطفال والزواج القسري، تضمنت الاستراتيجية بعض الكلمات القاسية عن الزواج قبل بلوغ 18 عامًا، ووصفته بأنه “انتهاك لحقوق الإنسان” وينتج عنه تداعيات مدمرة لحياة الفتيات من إنهاء طفولتها وإجبارها على الدخول في مرحلة البلوغ والأمومة قبل أن تصبح مهيأة جسديًا وناضجة عقليًا، وكانت وزارة الخارجية تشير إلى العالم النامي الذي تتزوج فيه فتاة من بين 3 فتيات بعمر الـ18، وفتاة من بين 8 فتيات بعمر الـ15.
بينما تبدو الأرقام من الداخل بعيدة كل البعد عن أن تكون وخيمة إلا أنها تنذر بالخطر، العديد من الأطفال الذين تزوجوا في هذا العقد تم تزوجيهم لأشخاص بالغين بشكل ملحوظ كما تظهر البيانات، فعلى الأقل تم تزويج نحو 31% من الفتيات لأزواج يتجاوز عمرهم 21 عامًا (غالبًا ما يكون الرقم الحقيقي أكبر لأن بعض الولايات لا توفر الفارق العمري بين الزوجين)، بعض الأطفال تزوجوا بفارق عمري بين الزوجين يشكل اغتصابًا بموجب القانون في الدولة.
أكثر من 38 ولاية تم تزويج أكثر من 167 ألف طفل في تلك الفترة، معظمهم من الفتيات والبعض تصل أعمارهن لـ12 عامًا
ففي ولاية إيداهو، عندما يقوم شخص بعمر الـ18 أو أكثر بممارسة الجنس مع طفل أقل من 16 عامًا فإنه يُتهم بارتكاب جناية ويتعرض للسجن لمدة تصل إلى 25 عامًا، ومع ذلك تشير البيانات في ولاية إيداهو – والتي تمتلك أعلى معدلات زواج أطفال من بين الولايات التي قدمت بيانات – إلى أن نحو 55 فتاة تحت عمر الـ16 عامًا تزوجن من رجال تتجاوز أعمارهم 18 عامًا خلال هذا العقد.
بعض الولايات التي قدمت بيانات تضمنت تصنيفات مثل “14 عامًا وأصغر” لكنها لم تحدد بالضبط كم يصغر عمر الزوج والزوجة، وهكذا فحالات الزواج التي وُجدت بعمر الـ12 عامًا في ألاسكا ولويزيانا وساوث كارولينا ربما ليست هي الأصغر في هذا العقد، كما أن البيانات التي جمعناها لم تحتسب الأطفال الذين تزوجوا في احتفالات دينية فقط أو الحالات التي خرجت من البلاد ليتم تزوجيها، فقد رأينا الكثير من تلك الحالات في المؤسسة.
معظم الولايات لا توفر معلومات تعريفية عن الأطفال، لكن المؤسسة شهدت وجود حالات زواج أطفال في معظم الثقافة الأمريكية والأديان الموجودة بها، بما في ذلك المسيحية اليهودية والإسلام والمجتمعات العلمانية، لقد رأينا هذه الحالات في الأجيال الأمريكية وعائلات المهاجرين من جميع أنحاء العالم، ومن واقع خبرتي فإن معظم الآباء يزوجون أطفالهم القاصرين بدافع ثقافي أو ديني، إما رغبة في السيطرة على سلوك الأبناء وحياتهم الجنسية أو من أجل المال (مهر العروس) أو لأسباب تتعلق بالهجرة (عندما تتزوج الطفلة من زوج أجنبي مثلاً)، وبالطبع هناك بعض الحالات التي يتزوج فيها الأطفال بمحض إرادتهم رغم أن القوانين لا تسمح باتخاذ الأطفال مثل هذه القرارات الخطيرة.
كانت الرقابة الأبوية على الحياة الجنسية سببًا في تزويج سارة صديقي – 36 عامًا – وهي بعمر الـ15، اكتشف والدها علاقتها بشاب من خلفية ثقافية مختلفة، فأخبرها أنها ستصبح “ملعونة للأبد” إذا فقدت عذريتها خارج إطار الزواج، رغم أنها ما زالت عذراء، رتب والدها زواجها الإسلامي بشخص غريب يكبرها بـ13 عامًا في أقل من يوم، وتمت إجراءات زواجها المدني في ولاية نيفادا وهي بعمر الـ16 وحامل في شهرها السادس، تقول سارة – والتي استمر زواجها لمدة 10 سنوات -: “لم أستطع أن أدافع عن نفسي عندما تم تسليمي لهذا الرجل، لم أكن مستعدة للاعتناء بنفسي وفجأة أصبحت مسؤولة عن زوج وطفل”.
من السهل إجبار القاصرات على الزواج والاستمرار فيه، فالبالغون الذين يتعرضون لمثل هذه الضغوط لديهم العديد من الخيارات مثل الوصول إلى ملاجئ ضحايا العنف المنزلي، لكن الأطفال الذين يتركون منازلهم يُعتبرون هاربين وتحاول الشرطة إعادتهم إلى أسرتهم، وقد تتعرض منظمتنا لتهم جنائية إذا حاولنا التدخل في الأمر، معظم الملاجئ لا تقبل الأطفال القاصرين وتخبر الأهل بأن أطفالهم هنا، لذا فخدمات حماية الأطفال ليست حلاً، يشير الأخصائيون الاجتماعيون إلى أن منع الزواج القانوني ليس من اختصاصهم.
هؤلاء الذين يفرون من الزواج القسري يستطيعون اللجوء إلى القانون، أما الأطفال فحصولهم على تمثيل قانوني أمر صعب للغاية، فحتى لو كانوا يستطيعون تحمل أتعاب المحاماة، فعادة لا يُسمح للأطفال برفع دعاوى قانونية بأسمائهم.
وبغض النظر عن كون الزواج فكرة الطفل أو الوالدين، فالزواج قبل سن الـ18 أمر كارثي، وتأثيره على الفتاة يستمر مدى الحياة ويؤثر على صحتها وفرص حصولها على التعليم، كما يؤدي إلى زيادة احتمالية تعرضها للعنف.
الفتيات اللاتي يتزوجن بعمر الـ18 أو أقل أكثر عرضة بنسبة 23% للإصابة بنوبات قلبية ومرض السكري والسرطان والسكتة الدماغية، عن الفتيات اللاتي يتزوجن بين 19 و25 سنة، ويرجع ذلك إلى أن الزواج المبكر قد يؤدي إلى الاجهاد والضغوط وفقدان فرصة التعليم، كما أنا الزواج المبكر يجعل الفتيات عرضة لاضطرابات نفسية مختلفة حتى عند التحكم بالعوامل الاجتماعية والديموغرافية.
بالنسبة للفتيات الأمريكيات اللاتي يتزوجن قبل عمر الـ19، فإنهن يصبحن أكثر عرضة بنسبة 50% مقارنة بأقرانهن غير المتزوجات، للتسرب من التعليم الثانوي وأقل عرضة أربعة أضعاف للتخرج من الجامعة، كما أن ما يقرب 31% من الفتيات اللاتي يتزوجن مبكرًا أكثر عرضة للعيش في فقر، هذه النسبة اللافتة للنظر لا علاقة لها بالاختلافات بين الفتيات، ووفقًا لدراسة عالمية فالفتيات اللاتي يتزوجن قبل عمر الـ18 أكثر عرضة 3 مرات للتعرض للضرب من قبل أزواجهن.
ينبغي أن يكون إنهاء زواج الأطفال أمرًا بسيطًا، تستطيع كل ولاية أن تمرر التشريع الذي ساعدت في كتابته للقضاء على جميع الاستثناءات التي تسمح بالزواج قبل عمر الـ18، أو تحديد سن الزواج عند عمر 18 سنة في الولايات التي تعتمد سن رشد أعلى من ذلك، ولاية نيوجيرسي هي الأقرب للقيام بذلك مع مشروع القانون المقدم للسلطة التشريعية والذي من شأنه أن يضع حدًا للزواج قبل 18عامًا، كما أن ولاية ماساتشوستس قدمت مؤخرًا مشروعًا مماثلاً.
الفتيات اللاتي يتزوجن بعمر الـ18 أو أقل أكثر عرضة بنسبة 23% للإصابة بنوبات قلبية ومرض السكري والسرطان والسكتة الدماغية، عن الفتيات اللاتي يتزوجن بين 19 و25 سنة
عندما أقرّت ولاية فرجينيا مشروع قانون العام الماضي لإنهاء زواج الأطفال، أضاف المشرعون استثناءً للقاصرين الذي لا يخضعون لوصاية بعمر الـ16، رغم أن آثار الزواج المبكر المدمرة لن تختفي عندما تكون الفتاة غير خاضعة لوصاية، في العام الماضي قدمت ولايتي ميريلاند ونيويورك مشروع قوانين مماثلة لكنها فقدت قوتها وفشلت في نهاية المطاف، تقول فانيسا أتيربيري – ممثلة ولاية ميريلاند والتي قدمت المشروع لإنهاء زواج الأطفال في ولايتها -: “بعض زملائي ما زالوا ينتمون لمدرسة التفكير القديمة: فالفتاة الحامل ينبغي عليها أن تتزوج”.
ما زال هناك 9 ولايات تقر بأن “حدوث حمل” من ضمن استثناءات الزواج المبكر، هذا الاستثناء يتم استغلاله للتغطية على حالات الاغتصاب وإجبار الفتاة على الزواح من مغتصبها، تقول شيري جونسون إنها تعرضت للاغتصاب عدة مرات في طفولتها وأصبحت حاملاً بعمر الـ11، في ذلك الوقت أجبرتها أمها على الزواج من مغتصبها الذي يبلغ من العمر 20 عامًا وفقًا لقانون الزواج الذي يستثني حالات الحمل في السبعينيات.
بالإضافة إلى ذلك، فالأمهات المراهقات اللاتي يتعرضن للزواج ثم الطلاق أكثر عرضة للحرمان الاقتصادي وعدم الاستقرار، إذا كان الأب يرغب في إثبات أبوته فيمكنه القيام بذلك من خلال توفير المال واحتياجات الطفل الأخرى دون الزواج، ينبغي أن يدرك المشرعون أن المراهقات الحوامل أكثر عرضة للزواج القسري، لذا فهم بحاجة لمزيد من الحماية وليس نزعها عنهم.
ينبغي ألا يتعرض إنهاء زواج الأطفال إلى الانتهاك بشكل غير قانوني وفقًا لأسباب دينية، وبالمناسبة فقد أيدت المحكمة العليا القوانين التي تحظر أفعالاً دينية طالما أن الأمر لا يستهدف ممارسة الشعائر الدينية، بالإضافة إلى ذلك فمعظم الأديان تصف الزواج بأنه “ميثاق غليظ” بين زوجين متراضيين، هذا الأمر لا ينطبق على زواج الأطفال والذي هو زواجًا قسريًا على الأغلب ونحو 70% من تلك الحالات تنتهي بالطلاق.
تقول آمي باولين – عضو مجلس نواب نيويورك والتي قدمت مشروع قانون فاشل في العام الماضي لإنهاء زواج الأطفال في ولايتها -: “كان هناك بعض المخاوف من أننا نسيء لبعض الثقافات في مجتمعنا، لذا فبدلاً من اعتبار هذا الأمر على أنه إساءة للفتيات الصغيرات، يرى بعض المشرعين أننا بحاجة إليه لحماية بعض الثقافات”.
نحو 70% من تلك الحالات تنتهي بالطلاق
تشترك بيتسي لايمان – 37 عامًا – في توضيح أهداف باولين، كانت لايمان تبلغ من العمر 27 عامًا عندما فرّت من الزواج الذي رُتب لها في مجتمعها الأرثوذكسي اليهوي في نيويورك عندما كانت بعمر الـ17 من رجل عرفته لمدة 45 دقيقة فقط، وعلى الرغم من أنها هربت مع أطفالها الثلاث، إلا أن تداعيات هذا الزواج ما زالت تؤرقها، فهي أم وحيدة بشهادة تعادل الثانوية لا تملك أي خبرة عمل ولا مال لديها لرعاية أطفالها، أما الوظائف المؤقتة أو بدوام جزئي التي حصلت عليها فلا تمكنها من تغطية فواتيرها.
تقول لايمان: “لقد كنت في القسم الثامن لكوبونات الطعام والرعاية الصحية، في بعض الأيام لم يكن لدينا ما يكفي من الطعام لتناول العشاء، عندما كانت شركة الكهرباء تقطع عنا التيار لعدم دفع الفواتير كنت أشعل الشموع في جميع أنحاء المنزل وأخبر أطفالي أن هناك انقطاع عام في التيار الكهربائي، وعندما وصل طفل الأصغر لسن المدرسة استطعت الحصول على عمل بداوم كامل وتحقيق بعض الاستقرار”، وتضيف لايمان: “يمتلك المشرعون القدرة على منع حدوث هذا الأمر لفتاة أخرى في الـ17 من عمرها، أتوسل إليكم أن تمنعوا زواج الأطفال”.
المصدر: واشنطون بوست