ترجمة وتحرير نون بوست وقد تمت كتابة المقال الأصلي بواسطة بن كوين وكارين مكفاي
يحذر خبراء ومطلعون من المجاعة التي تلوح في أفق أربعة بلدان، وتمثل تهديدا غير مسبوق من الجوع ومن إمكانية حدوث أزمة عالمية، الأمر الذي أنهك النظم الإنسانية. وفي هذا السياق، قال عدد من القادة في مجال العمل الإنساني إن عشرات الملايين من الأشخاص في حاجة ماسّة إلى المساعدات الغذائية في اليمن، وجنوب السودان، ونيجيريا، والصومال، إذ يقبع هؤلاء الأشخاص تحت رحمة نظم المساعدة المنهكة فضلا عن الأزمات التي طال مداها والتي يحركها الصراع في هذه الدول.
وبينما تضاعف سخاء المانحين ستة مرات على مدى العشرين سنة الماضية، تجاوزت المعاناة الإنسانية مستويات غير مسبوقة، مما جعلها أكثر حدة ومن الصعب أن يخفف الدعم المالي من وطئها. ووفقا لستيفن أوبراين، مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، فإن تمويل الجهات المانحة بلغ مستويات قياسية السنة الفارطة، إلا أن هذه المستويات لم تتعدّ نصف مستوى الاحتياجات.
حذرت جماعات إنسانية من أن هناك فرص ضئيلة جدا لتفادي تكرار ما حدث في مجاعة سنة 2011 في الصومال، عندما توفي الآلاف من الناس جوعا بسبب بطء الاستجابة
أما غاريث أوين، مدير منظمة أنقذوا الأطفال، فقد ذكر أنه “من المحتمل أن نشهد هذه السنة 4 دول تجتاحها المجاعة، وهو أمر مروّع سيؤدي إلى نفاذ مواردنا. نحن في وضع حرج”. وأضاف أوين، الذي له خبرة 25 سنة عمل في القرن الإفريقي، أن الوضع الراهن مشابه لوضع الصومال بين سنتي 2010 و2012، عندما توفي 260 ألف شخص من الجوع.
وفي السياق نفسه، قال أوين إنه “حاليا، هناك حوالي 12 مليون شخص يعانون من المجاعة في أثيوبيا وكينيا والصومال. كما أن وضع هذه البلدان الثلاثة أسوأ حتى من وضع الصومال سنة 2011. وإذا أضفتم السودان الجنوبية ونيجيريا، فسيضاف الملايين من الأشخاص إلى هذه الحصيلة ناهيك عن اليمن الذي يعاني فيه 18 مليون شخص من المجاعة، الأمر الذي يشكل قلقا كبيرًا، إذ نواجه أزمة ضخمة لم يشهدها التاريخ من قبل”.
في الحقيقة، أطلقت الأمم المتحدة نداء لجمع 2.1 مليار دولار (1.6 مليار جنيه إسترليني) لفائدة اليمن، وهو أكبر مبلغ تجمعه الأمم المتحدة لهذا البلد. كما تريد الأمم المتحدة جمع مبلغ قياسي يبلغ 22.2 مليار دولار في سنة 2017، وهو مبلغ مرتفع مقارنة بمبلغ 22.1 مليار دولار الذي تم جمعه خلال سنة 2016.
في هذا الصدد، صرّح غولدرينغ، المدير التنفيذي لأوكسفام ، أنه في حين أن الزيادة في المساعدات تعني زيادة في عدد المستفيدين، إلا أن هذه المساعدات غير كافية. وأضاف غولدرينغ أن “التمويل تضاعف على مدى العشرين سنة الماضية، ستة مرات، مما يعني أننا تمكنّا من مساعدة العديد من الناس. في المقابل، لم يعد التمويل كافيا”.
أما المستشار السياسي لأوكسفام، ديبي هيلير، فقد وصف النظام الإنساني بأنه “من العصور الوسطى”، مشبها إجراء النداء بشخص يحترق منزله إلا أنه يحتاج لجمع أموال حتى يخمد رجال الإطفاء نيران منزله. وفي السياق نفسه، قال هيلير إن الإصلاح أمر بالغ الأهمية”، لكن لا يمكن “الاستمرار في الاعتماد على نداءات متتالية، لأنها محددة زمنيا وجزئية”.
وقال غولدرينغ إن تعقيد الأزمات الإنسانية الحالية تلعب أيضا دورا كبيرا. وقد حذرت الشبكة الأمريكية لنظم الإنذار المبكر للمجاعة من أن الدول التي ستجتاحها المجاعة ستكون من تلك التي تعاني من صراعات. ووفقا لغولدرينغ، فإن عمال الإغاثة يعانون من صعوبة الوصول إلى الأشخاص المحتاجين، وذلك بسبب العراقيل الأمنية في هذه البلدان.
وقارن غولدرينغ بين وضعية إثيوبيا السنة الفارطة والمجاعات المحتملة في مناطق الصراع مثل اليمن، حيث قال “في السنة الماضية، ذهبت إلى إثيوبيا خلال ذروة نقص الغذاء. وقيل لي إن تلك الفترة تعد أسوأ من مجاعة سنة 1985، خاصة من حيث الغذاء والمحاصيل. لكن فيما يتعلق بالموارد، فإن الوضعية كانت أفضل بكثير، وذلك بفضل عمل كل من الحكومة والنظام العالمي”. كما أنه من المتوقع أن يكون هناك مجاعة في كينيا، لكن لن تكون المعاناة بنفس المستوى الذي بلغت إليه الصومال.
هناك حوالي 12 مليون شخص يعانون من المجاعة في أثيوبيا وكينيا والصومال. كما أن وضع هذه البلدان الثلاثة أسوأ حتى من وضع الصومال سنة 2011
علاوة على ذلك، حذر محققو الأمم المتحدة من أن جنوب السودان يعد على حافة إبادة جماعية، إلا أن الحكومة تبقى إحدى العوائق التي تحول دون الإعلان عن وجود مجاعة. كما تم اتهام كل فصائل الحرب الأهلية في البلاد باستعمال المجاعة كسلاح حرب، فضلا عن أن المجموعات الإنسانية تشكو من أن الهجمات على عمال الإغاثة وتدخل البيروقراطية يمنعان وصول الإمدادات إلى عشرات الآلاف من الأشخاص .
من جهتها، قالت المديرة العامة لمعهد التنمية لما وراء البحار، سارا بانتوليانو، إن نظام المساعدات يحتاج إصلاحا كاملًا وذلك تلبية لاحتياجات هذا العالم المتغير. وأضافت بانتوليانو قائلة: “ما هو مشين هو أننا على الرغم من وجودنا في سنة 2017، إلا أننا لا زلنا نفكر في المجاعة، في حين علينا أن نكون قادرين على إدارة الأمور حتى لا نصل إلى هذا الوضع”.
فضلا عن ذلك، ذكرت دراسة لبرنامج الأغذية العالمي لسنة 2014 أن ارتفاع الاستثمار في المناطق المعرضة للخطر يمكن أن يقلل من تكاليف التدخل الإنساني بنسبة 50 في المائة. وفي هذا السياق، قالت بانتوليانو “إننا نشهد زيادة في مستوى وحجم الحاجة، وذلك نظرا لأن النظام غير فعال فضلا عن أنه لا يتم استخدام الموارد في الوقت المناسب، كما أن الاستجابة عادة ما تكون في وقت متأخر جدا”.
في المقابل، حذرت جماعات إنسانية من أن هناك فرص ضئيلة جدا لتفادي تكرار ما حدث في مجاعة سنة 2011 في الصومال، عندما توفي الآلاف من الناس جوعا بسبب بطء الاستجابة. وفي هذا الصدد، قال توبي لانزر، أحد كبار ممثلي الأمم المتحدة في منطقة الساحل الإفريقي إنه “من المنصف أن نقول اليوم إن هناك أزمات أكبر وأكثر من تلك التي تعاملنا معها في السابق … من ناحية، هناك هذه الأزمات، ومن ناحية أخرى، هناك رأي عام محافظ وصحافة بريطانية لا تفهم الفروق الدقيقة”.
ومن العوامل الأخرى التي تعدّ على صلة بالمجاعة هي عدم وجود تقارير على الأرض. فعلى سبيل المثال، تحتل كل من اليمن وجنوب السودان أعلى المراتب فيما يتعلق بمدى خطورتها على الصحفيين، وذلك وفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود. وعلى الرغم من أن المجاعة في الصومال، وجنوب السودان، ونيجيريا، واليمن مراقبة من قبل لجنة الطوارئ والكوارث، وهي المنظمة التي تنسق الاستجابة للكوارث نيابة عن 13 جمعية بريطانية خيرية، إلا أنه لم يتم الإعلان عن نداء الطوارئ إلا في اليمن. وفي هذا السياق، قال رئيس اللجنة، صالح سعيد، إن “لجنة الطوارئ والكوارث كوّنت سمعة جيدة مع الجماهير. لذلك، في حال وجهنا نداء، فإنهم يدركون بأن شيئا ما يحدث”.
يحذر خبراء ومطلعون من المجاعة التي تلوح في أفق أربعة بلدان، وتمثل تهديدا غير مسبوق من الجوع ومن إمكانية حدوث أزمة عالمية
وإلى حد الآن، لا تلبي الأزمات الثلاث الأخرى معايير اللجنة، فالحاجات الإنسانية غير الملبّاة تحتاج إلى معالجتها على نطاق أوسع، على غرار تواجد أعضاء من اللجنة في البلد المعني، إضافة إلى التعاطف الشعبي، الذي تعترف اللجنة بصعوبة تحديده. مع ذلك، فإنه وفقا لسعيد، تُعدّ التغطية الإعلامية وسيلة مفيدة إذ أضاف قائلا أنه “للأسف، على الرغم من أن هذه الأزمات تحظى بتغطية إعلامية، إلا أنها لم تتلقّ تعاطف الرأي العام البريطاني”.
أما نداء اليمن، الذي تم على إثره جمع 17 مليون جنيه إسترليني منذ انطلاقه في كانون الأول/ديسمبر، كان على إثر حملة من قبل “بي بي سي” و”تشانل فور”.
بالإضافة إلى ذلك، اعترف سعيد بالصعوبات التي تواجه نظام النداءات الحالي، مشبها إياه “بالدجاجة والبيضة”. وأضاف سعيد قائلا: “الكل يعلم أننا إن استجبنا بطريقة أفضل وفي وقت مبكر لهذه النداءات، فإنه سيكون بإمكاننا أن نقلل من معاناة الأشخاص وبالتالي إنقاذ أرواحهم، ولن يكلفنا الأمر الكثير. ولكن السؤال المطروح يتمثل في كيف أننا كمجتمع دولي، لسنا قادرين على معالجة هذه المسألة المتعلقة بكيفية التعامل مع المجاعة؟ وكيف بإمكانك الحصول على الموارد قبل فوات الأوان؟“.
المصدر: الغارديان