كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن استضافة المملكة العربية السعودية 12 رجل أعمال إسرائيلي للمشاركة في مؤتمر احتضنته مدينة الدمام عن الأمن السيبراني خلال يومي 6 و7 سبتمبر/أيلول الحاليّ، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ الحديث عن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
رغم تعتيم الإعلام السعودي عن تلك المشاركة الاستثنائية لوفد رجال الأعمال الإسرائيلي في هذا المؤتمر، فإن صحفًا إسرائيليةً أشارت إلى أن تلك المشاركة تعكس بشكل كبير حجم التقارب بين البلدين في المجال الاقتصادي الذي من الممكن أن يقود قاطرة التطبيع بشكل علني خلال المرحلة القادمة، وفق ما نقلت عن مسؤولين ومراقبين من البلدين.
تتزامن تلك الخطوة مع زخم دبلوماسي إسرائيلي وأمريكي لتوسيع دائرة التقارب العربي الإسرائيلي، في محاولة للحصول على المباركة السعودية بشكل علني بعد احتواء جيرانها، الإمارات والبحرين، في سبتمبر/أيلول 2020، ثم المغرب والسودان لاحقًا، فهل بات الإعلان عن انضمام الرياض إلى حظيرة أبراهام مسألة وقت؟
בכנס סייבר סעודי השתתפה משלחת בת 12 אנשי עסקים ישראלים: "אולי נוכל לבנות סטארט-אפ ריג'ן"https://t.co/e5PGHPkX1u pic.twitter.com/rn0gjumQZe
— ynet עדכוני (@ynetalerts) September 8, 2023
سياق مهم
لا يمكن قراءة تلك المشاركة بمعزل عن سياق أهم وأشمل يخيم على أجواء التقارب السعودي الإسرائيلي، إذ جاءت بعد 4 أيام من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، على رأس وفد يضم شخصيات سياسية واقتصادية إسرائيلية، إلى العاصمة البحرينية المنامة، مساء الأحد 3 سبتمبر/أيلول الحاليّ، في زيارة رسمية تستمر يومين، لبحث سبل دفع العلاقات بين الدولتين.
كما تتزامن معها زيارة مرتقبة من المقرر أن يقوم بها وفد أمريكي بقيادة مسؤول ملف الشرق الأوسط في البيت الأبيض، المحامي بريت ماكغورغ، ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، تلك الزيارة التي تأتي بعد نحو شهر تقريبًا من زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان للرياض لمناقشة ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي.
وبالتوازي مع جولة ماكغورغ أجرى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، زيارة مماثلة إلى العاصمة السعودية، لبحث المطالب التي تود السلطة الفلسطينية تنفيذها والمكاسب المتوقعة حال تم إبرام اتفاق التطبيع بين المملكة و”إسرائيل”.
وفي الأسبوع ذاته زار وفد رسمي مغربي برئاسة رئيس مجلس المستشارين المغربي (الغرفة الثانية بالبرلمان) النعم ميارة العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، في زيارة هي الأرفع لمسؤول مغربي لـ”إسرائيل” منذ تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرباط ديسمبر/كانون الأول 2020، وذلك بعد توقفها عام 2000.
الأمن والاقتصاد.. سياق التفاهم الأبرز
يؤمن الجانب الإسرائيلي أن الأمن هو المدخل الأهم للدخول إلى مفاصل السعوديين، وأن اللعب على وتر تعزيز الدفاعات السعودية في مواجهة التهديدات التي تواجهها المملكة عبر أشرطة حدودها الممتدة جنوبًا وشرقًا هو اللحن الأكثر طربًا للقيادة السعودية التي تعرضت خلال السنوات الماضية للعديد من العمليات التي أثارت خوف وهلع الشارع السعودي.
من هنا يأتي حضور الوفد الإسرائيلي إلى قمة الدمام التي تعرضت لهجوم بصواريخ وطائرات مسيرة على بعد 1000 كيلومتر تقريبًا، أطلقها الحوثيون في اليمن عام 2019، الأمر الذي دفع الرياض للبحث عن كل السبل الممكنة لتعزيز قدراتها العسكرية للتصدي لمثل تلك الهجمات، وعليه جاء مؤتمر الدمام عن الأمن السيبراني ومشاركة الإسرائيليين الذين يمتلكون تكنولوجيا متطورة في هذا المجال.
يذكر أنه في مايو/أيار الماضي، كانت السلطات السعودية قد وجهت دعوة للباحثة الإسرائيلية المتخصصة في الأمن السيبراني، نيريت أوفير، لإلقاء محاضرة في مؤتمر “الأمن في الشرق الأوسط” الذي عقد في الرياض، وكانت تلك المرة الأولى التي تدعى فيها أكاديمية إسرائيلية لإلقاء محاضرة أمام جمع سعودي عربي، وبعد تلك الدعوة طلب مسؤولون سعوديون من الباحثة الإسرائيلية قيادة وفد اقتصادي أمني إسرائيلي، للمشاركة في مؤتمر الأمن السيبراني في الدمام.
يمثل التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة المعول الأبرز الذي يعول عليه الإسرائيليون لإقناع السعوديين بإبرام اتفاق تطبيع علني، فرغم التقارب المحتمل بين الرياض وطهران – المعرض لانتكاسة جديدة بسبب الخلاف بشأن بعض الملفات كحقل درة النفطي – فإن الخصومة الأيديولوجية التاريخية بين البلدين هي صاحبة الكلمة العليا في حسم العلاقات بينهما، وهو ما تحاول تل أبيب توظيفه لخدمة أجندتها التوسعية إقليميًا.
وعلى الجانب الموازي للأمن يأتي الاقتصاد الذي تحول في الآونة الأخيرة إلى الجسر الأكبر لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات، بين الحلفاء والخصوم على حد سواء، وهو ما يمكن قراءته في المشهد المصري التركي من جانب، والتركي الخليجي من جانب آخر، والقطري المصري من جانب ثالث.
وعليه قد يكون الاقتصاد ساحة الالتقاء الكبرى بين الطموح السعودي نحو الريادة، وتعطش دولة الاحتلال لتعاظم دورها الشرق أوسطي، إيمانًا بأن الدولة القوية هي صاحبة الاقتصاد القوي، حتى لو كان ذلك على حساب المرتكزات القومية والوطنية بل والدينية، وهو ما توثقه الكثير من المؤشرات خلال السنوات الماضية.
إجراءات تمهيدية
في تعليقه على مشاركة الوفد الإسرائيلي العلنية في مؤتمر رسمي سعودي، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة i24NEWS (مجموعة إعلامية إسرائيلية) فرانك ملول: “هذه فرصة تاريخية لأنه هنا، في الدمام، تتكشف أمام أعيننا علاقة تومئ إلى شرق أوسط جديد”.
أضاف ملول أن العلاقات الدبلوماسية بين السعودية و”إسرائيل” لم تعد حلمًا بعيد المنال كما كانت في السابق، فتبادل الزيارات بين مسؤولين أمريكيين وسعوديين وإسرائيليين وحتى فلسطينيين بات أمرًا عاديًا، “ما أعطى مصداقية للاعتقاد بأن حقبة جديدة في الشرق الأوسط قد تكون على الأبواب” على حد قوله.
كما نقل الموقع الإسرائيلي عن الصحفي السعودي عبد العزيز الخميس (أحد داعمي التطبيع وزار إسرائيل 3 مرات) قوله: “يجب أن نأتي بالإسرائيليين والفلسطينيين إلى الرياض للحديث عن السلام”، وأضاف “كان توقيع اتفاقيات أبراهام حدثًا مهمًا، لكن يجب أن نتذكر أن المملكة العربية السعودية مختلفة، فهي أكبر دولة في المنطقة، وفي العالم الإسلامي، وفي العالم العربي. وبعبارة أخرى، ليست مجرد دولة أخرى تنتظر في الطابور لمصافحة الإسرائيليين”.
أول وفد تجاري إسرائيلي في #السعودية ! ..هل تعتقد أن التطبيع بين الدولتين اقترب فعلاً؟#العالم_الجديد #الرياض #الدمام #مكة_المكرمة #المدينة_المنورة #الإنترنت #الأمن_السيبراني #الأمن_السيبراني_الحكومي #إسرائيل #تل_أبيب #التطبيع_مع_إسرائيل #العلاقات_السعودية_الإسرائيلية pic.twitter.com/UZvibxvFgj
— العالم الجديد (@aalam_jadeed) September 8, 2023
وتوضيحًا للخطوات المتسارعة بشأن التقارب السعودي الإسرائيلي قال ممثل إحدى الشركات الإسرائيلية المشاركة في المؤتمر: “المحادثات التي تطورت كانت رائعة وتجاوزت إلى حد كبير المواضيع المهنية”، مضيفًا “تحدثنا عن التغيير المتسارع الذي يمر به المجتمع السعودي في قضايا مثل وضع المرأة، وحتى الدوري السعودي الذي يطمح لأن يصبح من أفضل الدوريات في العالم”، وفق “i24NEWS”.
أما رجل الأعمال الإسرائيلي، ممثل شركة OOSTO الإسرائيلية في الخليج، أمبار دالفي، المقيم في دبي، فيقول: “في البلدان التي هي في الواقع أعداء لإسرائيل، تحظى تقنياتكم بتقدير كبير، ولا يخجلون من استخدامها”، فيما أضاف زميله نائب رئيس الشركة، فاديم ألوني: “تمتلك الشركات الإسرائيلية تقنيات مذهلة يحتاجها السوق السعودي، في عالمي الدفاع والأمن. شركة OOSTO متخصصة في منتجات التعرف على الوجه والسلوك، وتفخر بالمشاركة في هذا الوفد الرائد، الذي يمكن أن يعزز السلام الإقليمي والعلاقة الاقتصادية بين البلدين”.
تهرول تل أبيب وواشنطن لإبرام اتفاق تطبيع علني مع السعودية في أقرب وقت، في محاولة للاستفادة من الثقل الاقتصادي للمملكة في ظل المستجدات الإقليمية والدولية وفي ضوء حرب الاستقطابات العالمية المشتعلة بين المعسكرين الشرقي والغربي.
هذا بخلاف العمل على ترميم الطعنات التي تلقاها جدار التطبيع العربي الإسرائيلي خلال الآونة الأخيرة بسبب زيادة حدة الاحتقان الشعبي جراء الانتهاكات التي مارسها المتطرفون الإسرائيليون بحق الفلسطينيين، وأبطأت بشكل كبير من إتمام الصفقة السعودية الإسرائيلية تحديدًا.
وفق المؤشرات الأخيرة فإن التطبيع بين السعودية و”إسرائيل” تجاوز مرحلة الدراسة والتقييم إلى مرحلة الإعلان النهائي وانتظار الوقت المناسب لذلك، فكل المؤشرات تذهب في هذا الاتجاه، وتبقى ساعة التوقيع الرسمي محل الخلاف في ظل محاولات إخراج المشهد بشكل جيد وبما يضع في الاعتبار القضية الفلسطينية.