يخيم شبح “المال السياسي” على الانتخابات التشريعية الجزائرية المقرر إجراؤها في الرابع من شهر مايو المقبل، وإمكانية تحالف أصحابه مع السلطة الحاكمة والجيش لمزيد من الإمساك بالبلاد، في وقت تعمل فيه هيئة الانتخابات على طمأنة المواطنين وأحزاب المعارضة والمراقبين الدوليين والمحليين وتأكيد سعيها إلى إنجاح الانتخابات المقبلة.
رجال أعمال على رأس القوائم
في تكرار لنسخة 2012 التي شهدت مشاركة العشرات منهم، يستعد رجال أعمال جزائريين لخوض غمار انتخابات مايو المقبل في الجزائر والانضمام إلى ركب المترشحين للفوز بثقة الناخبين والحصول على مقاعد برلمانية.
ويستعد عشرات من رجال الأعمال المنتمين لمنتدى رؤساء المؤسسات الذي يقوده علي حداد، أحد أبرز الشخصيات المقربة من الدائرة الرئاسية، للمنافسة على مقاعد البرلمان ضمن قوائم الأحزاب الموالية للسلطة، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي يرأسه جمال ولد عباس، والحزب الثاني في البرلمان الحالي، التجمع الوطني الديمقراطي ورئيسه أحمد أويحيى، وهو أيضًا مدير ديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
من بين الأساليب التي ينتهجها رجال الأعمال للحصول على ثقة الناخبين واكتساب شعبية داخل المجتمع، الاستثمار في الجمعيات الخيرية والنوادي الرياضية
ورغم الهجوم الشرس على أصحاب المال ورجال الأعمال من قبل أكبر الأحزاب في الجزائر ـ حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي -، ورفعهم شعار محاربة المال الفاسد فإن ذلك لم يمنعهم من فتح الباب أمام رجال المال الذين يراهنون عليهم لكسب السباق وتحصيل مقاعد برلمانية والحفاظ على الأغلبية النيابية.
ومن بين الأساليب التي ينتهجها رجال الأعمال للحصول على ثقة الناخبين واكتساب شعبية داخل المجتمع، الاستثمار في الجمعيات الخيرية والنوادي الرياضية، حيث صار الاهتمام بنوادي كرة القدم، ظاهرة ترافق طموح أصحابها في التنافس على الانتخابات البرلمانية.
تعتبر هذه الانتخابات “استثنائية” نتيجة الظرف الذي تمر به الجزائر والمنطقة
ويؤكد ترشح رجال المال على رأس قوائم الترشيحات التي فتحتها مختلف الأحزاب السياسية التي أعلنت مشاركتها في الاستحقاق الانتخابي المقبل، في أكبر محافظات البلاد، التزاوج بين السياسة والمال الذي لم يطرح يومًا بمثل هذه القوة التي فرضتها أسماء ثقيلة في عالم الاقتصاد والاستثمار.
وبلغ عدد الناخبين المسجلين في الجزائر إلى غاية نوفمبر الماضي، 23 مليون ناخب (من أصل أكثر من 40 مليون نسمة)، حسب وزارة الداخلية في انتظار إنهاء إحصاء جديد أطلقته الحكومة مؤخرًا.
مخاوف من “أصحاب الشكارة”
يتخوف الجزائريون من مشاركة “أصحاب الشكارة” في انتخابات بلادهم المقبلة، وإمكانية تأثير مشاركتهم على نزاهة الانتخابات ونتائجها التي تعتبر مصيرية للبلاد، ويُطلق لفظ “الشكارة” التي تعني باللهجة المحلية بالجزائر “الكيس”، على الأموال المشبوهة لرجال المال والأعمال.
وشهدت الجزائر آخر انتخابات تشريعية في العاشر من مايو 2012، وبموجبها جرى انتخاب 462 نائبًا من الأحزاب أو المستقلين، وحل حزب جبهة التحرير الوطني الذي ينتمي إليه عبد العزيز بوتفليقة، في المركز الأول بـ 208 مقاعد.
يخشى الجزائريون من احتمال تأثير رجال المال والأعمال على بعض مقومات اقتصاد بلادهم
تصاعد دور رجال الأعمال في الحياة السياسية الجزائرية بشكل لافت، خصوصًا داخل منتدى رجال الأعمال الذي يقوده علي حداد، إحدى أبرز الشخصيات المقربة من الدائرة الرئاسية، ويمنح الدستور الجزائري حصانة لنواب البرلمان طيلة المدة النيابية المحددة بـ5 سنوات، قابلة للتجديد، ويخشى الجزائريون من احتمال تأثير رجال المال والأعمال على بعض مقومات اقتصاد بلادهم، في أثناء وجودهم في البرلمان، من خلال تعطيل بعض الاستثمارات أو توجيهها نحو منحى آخر، مستغلين في ذلك حصانتهم الدبلوماسية، حسب من عديد المتابعين.
من جهتها تعمل هيئة مراقبة الانتخابات التي تم تأسيسها لأول مرة العام الماضي بموجب المادة 194 من الدستور المعدل في 7 من فبراير 2016، ويترأسها الإسلامي عبد الوهاب دربال على تنظيم العملية الانتخابية وضمان نزاهة الانتخابات المقبلة رغم الانتقادات الموجهة للهيئة وعملها.
عبد الوهاب دربال رئيس هيئة الانتخابات
وأسندت لهذه الهيئة التي حلت محل اللجنة الوطنية القضائية للإشراف على الانتخابات، واللجنة الوطنية السياسية لمراقبة الانتخابات، واللتين كانتا الجهازين المتابعين للعملية الانتخابية، مهمة مراقبة عملية مراجعة القوائم الانتخابية وضمان حق المرشحين في الحصول على هذه القوائم والتكفل الكامل بالتوزيع المنصف لوسائل الحملة الانتخابية للمرشحين، وفق القانون الصادر في أغسطس الماضي.
وشرعت قيادات 71 حزبًا سياسيًا في الجزائر في التحضير لدخول سباق الانتخابات النيابية القادمة سواء منفردة أو في إطار تحالفات، وأعلن حزبان فقط مقاطعة هذا الموعد الانتخابي بدعوى عدم وجود ضمانات لنزاهته وهما حزب طلائع الحريات (وسط) والذي يقوده علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق (2000/ 2003) وكان أبرز منافس للرئيس بوتفليقة في انتخابات الرئاسة التي جرت في 2004، وأيضًا في 2014، كما قاطعها حزب جيل جديد (علماني) وهو حزب أسسه عام 2012 جيلالي سفيان، القيادي المنشق عن حزب التجديد الجزائري.
دور الجيش في الانتخابات
في الوقت الذي تؤكد فيه قيادة الجيش الجزائري التزامها الحياد التام واكتفاء الجيش بالتأمين الكامل للانتخابات البرلمانية المقررة في الـ4 من مايو المقبل، فإنه لا يزال طيف العسكريين يخيم على أجواء هذا الاستحقاق الانتخابي المهم في تاريخ الجزائر، وتتهم أوساط جزائرية الجيش بالسيطرة على الحياة العامة في البلاد والتغلغل داخل مؤسسات الدولة وسحق إرادة الشعب، نظرًا لعمله خارج حدود وظيفته، ووجوده كعامل رئيسي ومرجح في أي انتخابات في البلاد.
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية، يُتهم الجيش بالتدخل بطريقة غير مباشرة ودعم مرشحي الحزب الحاكم باعتباره صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الجزائر، فحيث يميل الجيش تميل كفته وترجح وتتحقق إرادته.
أرجعت عديد من التقارير الإعلامية سبب استقالة عمار سعداني إلى الضغوط التي مورست عليه من قبل قيادات الجيش والحزب الحاكم
وأثارت استقالة الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الجزائري عمار سعداني (حزب بوتفليقة)، بعد تصريحات اتهم فيها مدير المخابرات السابق محمد مدين، المعروف باسم “الجنرال توفيق”، بالتخابر لمصلحة فرنسا والعمل على حفظ مصالح دول أجنبية في الجزائر، جدلاً كبيرًا في الجزائر، ورغم أن سعداني علل استقالته المفاجئة بأسباب صحية، فقد أرجعت عديد من التقارير الإعلامية سبب الاستقالة إلى الضغوط التي مورست عليه من قبل قيادات الجيش والحزب الحاكم، وهو ما يؤكد سيطرة الجيش وجنرالاته على الوضع العام في الجزائر.
يُتهم الجيش الجزائري بالانقلاب على انتخابات سنة 1991
ويعتبر الجيش الوطني الشعبي الجزائري وريث جيش التحرير الوطني، الجناح العسكري لجبهة التحرير الوطني، ذلك التنظيم الذي قاد حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، والذي أجبر حكومة فرنسا على التفاوض من أجل تقرير مصير الجزائر، وكان الجيش الجزائري قد أوقف مسار الانتخابات التشريعية سنة 1991، تلك الانتخابات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد إقالة الرئيس الشاذلي بن جديد مطلع 1992، الذي كان عاقد العزم على التعايش مع الإسلاميين ولو شكلوا الأغلبية البرلمانية، وانقلب على نتائجها.