تقدر المساحة الإجمالية للوطن العربي بحوالي 14 مليون كيلومتر مربع وهي تمثل 10.2% من مساحة العالم وتقدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بحوالي 200 مليون هكتار وهو ما يعادل 14.1% من المساحة الكلية للوطن العربي . فهل يتم استغلال هذه المساحة الواسعة في زراعة المنتجات الزراعية المتنوعة لتغطية حاجة سكان العالم العربي من الغذاء؟
الزراعة في العالم العربي انتكاسة رغم توفر الموارد
تقدر مساحة الأراضي التي تُستغل في الزراعة في العالم العربي بنحو 5% فقط من إجمالي المساحة المتوفرة والتي تصل إلى 200 مليون هكتار، حسب ما كشفه محمد بن عبيد المزروعي رئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي – التي تأسست عام 1977، بمساهمة 21 من الدول العربية، وتتخذ من الخرطوم مقرًا لها – في مؤتمر صحفي أقيم للإعلان عن موعد انطلاق المؤتمر العربي الثالث للاستثمار الزراعي في الفترة بين 27 – 28 من الشهر الحالي، والذي سيعقد بنسخه الثالثة بعنوان “غذاؤنا دواؤنا” ليلقي الضوء على أهم المشاكل التي تواجه القطاع الزراعي في الوطن العربي.
تشكل مساحة الأراضي التي تستغل في الزراعة في الوطن العربي بـ5% فقط من أصل 200 مليون هكتار
وبالرغم من إطلاق الدول العربي في سبعينات القرن الماضي شعار “السودان سلة غذاء العالم” لتأمين الغذاء العربي إلا أن السودان لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف بسبب ضعف البنى التحتية وعدم وجود المال اللازم للاستثمار الزراعي.
وخلال المؤتمر كشف نجم الدين حسن، وكيل وزارة الاستثمار السودانية، عن إعداد 48 مشروعًا استثماريًا في القطاع الزراعي، لطرحها خلال المؤتمر. وقال إن الحكومة السودانية وضعت سياسات استثمارية مشجعة، لجذب القطاع الخاص إلى الاستثمار الزراعي داخل البلاد.
تنتشر الأراضي الزراعية في الوطن العربي حول الأنهار الداخلية الكبرى كالنيل والفرات ودجلة، وفي المناطق الساحلية المتوسطية والأطلسية، وذلك لتوافر المناخ المناسب والمياه الغزيرة في المناطق المذكورة، بخلاف المناطق الداخلية والصحراوية التي لا تمتلك المزايا المناسبة للزراعة.
كما تعتمد فئة كبيرة من السكان في أرجاء مختلفة من الوطن العربي على الزراعة إذ يبلغ مجموع القوة العاملة في الزراعة في أرجاء الوطن العربي 30% من إجمالي القوة العاملة وهو ما يعادل 27.4 مليون عامل، ويذكر أيضًا أن الزراعة تساهم بتحو 13% من الإنتاج المحلي في الوطن العربي.
عجز غذائي
بالرغم من تلك المساحة الهائلة للأراضي الصالحة للزراعة واختلاف المناخات بين أقطار الوطن العربي حيث ينمو فيها الحبوب بأنواعها والأشجار المثمرة والمحاصيل الزراعية الصناعية كالقطن والسكر والزيتون، وتوافر الموارد المائية حيث تقدر الموارد المائية المتاحة في الدول العربي من كافة المصادر بنحو 259 مليار متر مكعب، إلا أن الزراعة لم تصل بعد إلى حد الوفرة لاحتياجات السكان.
فالعالم العربي يعاني من فجوة غذائية كبيرة بين إنتاج الغذاء والطلب عليه، حيث يستورد نحو 55% من احتياجاته من المواد الغذائية، وقدر العجز الغذائي في العام 2012 بحوالي 35 مليار دولار.
ويشكل الأمن الغذائي في السودان الأقل على مستوى الوطن العربي حيث تجاوزت النسبة 50% في البلد الذي من المفترض أن يزود الوطن العربي والعالم بمنتجاته الزراعية وليس سكانه فحسب. ويُذكر أن الصراع الدائر في السودان مثل دومًا عائقًا أمام تحقيق الأمن الغذائي بالإضافة لعدم توجيه الموارد المالية الكافية أو رسم السياسات المالية المناسبة التي تؤدي إلى تنمية القطاع الزراعي بالشكل المنوط به.
تساهم الزراعة بنحو 13% من الإنتاج المحلي في الوطن العربي
طوال الأعوام الماضية لم يستفد قطاع الزراعة في العالم العربي من الخطط الخمسية التنموية الموضوعة من قبل الحكومات ولا من تدفق الاستثمارات الأجنبية عليها، إذ لم يكن القطاع الزارعي إحدى أهم أولويات الحكومات المتعاقبة لتحسينه وسد العجز الغذائي ولم تنجح أيًا من الدول العربية بأن تتصدر العالم لتكون سلة العالم الغذائي، علمًا بأن أهمية قطاع الزراعة تحتم على اقتصادات العالم العربي وضع كل وزنها لتطوير هذا القطاع والريادة فيه.
تكثر الأسباب التي ساهمت ولا تزال في ضعف الإنتاجية الزراعية على مستوى الوطن العربي، إلا أن المشكلة الأكبر تكمن في عدم تطرق الحكومات إلى أساس المشكلة التي أدت لتنامي العجز والاعتماد دومًا على الخارج، ومعالجة هذه الأسباب يتطلب تطبيق حزمة إصلاحات تؤدي إلى تكريس جهود القطاع العام والخاص في رفد القطاع الزراعي أهمية أكبر عن القطاعات الأخرى.
ومن تلك الأسباب التي أدت إلى وضعف الإنتاجية وتزايد العجز في الغذاء وبالتالي التعثر في سد احتياجات السكان من المواد الغذائية على مستوى الوطن العربي، كضعف السياسات المالية الحكومية في تنظيم العملية الإنتاجية الزراعية وحماية مصادر إنتاج الغذاء المحلي والاهتمام بالفلاحين بالشكل الذي لا يدعوهم لترك الزراعة والهجرة نحو المدينة، ومن ثم عدم الاستخدام المقونن للموارد المائية المهددة حيث تشير تقارير اقتصادية عديدة أن نصف الوطن العربي سيكون تحت خط الفقر المائي في العام 2025، إذ لا تمثل الموارد المائية سوى 0.5% من الموارد المائية المتجددة العالمية، حيث لا يتجاوز معدل حصة الفرد العربي من الموارد المائية المتاحة، حدود 1000 متر مكعب سنويًا، مقابل 7000 متر مكعب للفرد كمتوسط عالمي.
وتقف معوقات التسويق والسياسات التموينية بما تتضمنه من سياسات سعرية للمنتجات الغذائية وخاصة الزراعية عائقًا قويًا للنهوض في القطاع، وعدم توفر الأسواق المركزية المنظمة وانخفاض مستوى الخدمات التسويقية، بالإضافة إلى صعوبة تبادل المنتجات الغذائية والاتجار بها بين أقطار العالم العربي بسبب القيود التي تفرضها السلطات المحلية في كل بلد على واردات البلد الآخر.
وهناك أيضًا معوقات في مجال استخدام مستلزمات الإنتاج الزراعي بما في ذلك البذور والأشتال، والآلات الزراعية، والأسمدة الكيماوية والمبيدات، وعدم وجود مؤسسات أو أنها ضعيفة في تقديم خدمات تقنية ترفد الزراعة بأهم التقنيات العالمية المعمول بها، ما يؤدي دومًا إلى استيراد التقنية الحديثة من الخارج كم أن معظم الدول العربية تشهد ضعفًا في استخدام المكننة الزراعية.