ترجمة وتحرير: نون بوست
أثار الانقلاب العسكري الذي شهدته غابون بعد مالي وبوركينا فاسو وتشاد والسودان والنيجر تساؤلًا حول حدوث “ربيع أفريقي”، لكن هل أن الانقلابات الأخيرة التي شهدتها البلدان الأفريقية التي كانت في السابق مستعمرات فرنسية هي حقًا بوادر لما يمكن تسميته ربيعًا أفريقيًا أم أنها موجة عابرة؟
قبل النظر في ذلك، من الضروري الوقوف عند ما يعنيه مصطلح الانقلاب في السياق الأفريقي. في بلداننا وبلدان مشابهة لنا يحكمها النظام الديمقراطي، يعتبر التدخل في العمليات الديمقراطية انقلابًا ويجابه بالاستنكار. أما في أفريقيا، لطالما اعتبر الانقلاب تاريخيًا حرب استقلال ضد القوى الاستعمارية وأحيانًا تمردًا شعبيًا ضد الحكام الفاسدين. وحقيقة خروج الناس إلى الشوارع فرحًا بالانقلاب في البلدان الأفريقية المذكورة أعلاه يجب أن تُقرأ حسب هذا السياق.
فعلى سبيل المثال، قال زعيم الانقلاب في مالي مامادي دومبوي لتبرير الانقلاب إنه “إذا تم اضطهاد الشعب من قبل النخب، فإنه من واجب الجيش إعطاء الحرية للشعب”، مستعيرًا عبارات من رئيس غانا السابق جيري رولينغز. وعلى الجانب الآخر، يتم تمجيد إبراهيم تراوري، الذي قاد الانقلاب في بوركينا فاسو والذي يعتبر واحدًا من أكثر الشخصيات التي طُرح اسمها في الأوساط الأفريقية مؤخرًا، وتشبيهه بالزعيم الأسطوري سانكارا الذي وصل بدروه إلى السلطة بانقلاب. وهذا يعكس مدى اختلاف تصورات الانقلاب في بعض البلدان الأفريقية.
أحدث انقلاب في غابون
كان الانقلاب في غابون الأحدث في سلسلة الانقلابات في أفريقيا، حيث انتهى حُكم عائلة بونغو الذي استمر لمدة 56 عامًا بتدخل عسكري إبّان انتهاء الانتخابات التي فاز فيها علي بونغو للمرة الثالثة بنسبة 64 بالمئة من الأصوات بعد وفاة والده عمر بونغو. وقد أعلن عدد قليل من ضباط الجيش على قناة “غابون 24″، وهي قناة تلفزيونية أقيمت في القصر الرئاسي، إلغاء الانتخابات وحلّ جميع مؤسسات الجمهورية قائلين: “قررنا الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام الحالي”.
في وقت ما كان يُعتقد أن غابون لديها الإمكانية لتصبح “الكويت الإفريقية”. لدى البلاد مساحات شائعة من الغابات وموارد باطنية وفيرة، وتعتبر من بين كبار منتجي خام المنغنيز عالي الجودة الذي يُستخدم في إنتاج الصلب وبطاريات السيارات الكهربائية، وهو أحد أكثر المعادن استخدامًا في العالم، مستأثرة بنحو 14 بالمئة من الإمدادات العالمية، وفقا للمحللين.
كما أن غابون عضو في أوبك، ومن بين أكبر مصدري النفط في أفريقيا بإنتاج يومي يصل إلى 200 ألف برميل. لكن اضمحلال الطبقة الوسطى في البلاد، التي يزيد دخلها القومي بأربعة أضعاف عن جارتها الكاميرون، من العوامل التي تفسّر الفجوة الكبيرة في الدخل بين الأغنياء والفقراء. ومع أن عائلة بونغو كانت حليفة مخلصة لفرنسا، إلا أن عزلها من الحكم لم يثر قلق فرنسا على عكس الخطاب المعادي لفرنسا القوي الذي رأيناه في الانقلابات الأخرى.
لماذا تعد الانقلابات أكثر شيوعًا في المستعمرات الفرنسية السابقة؟
وقعت 98 محاولة انقلاب من أصل 216 في أفريقيا في المستعمرات الفرنسية السابقة. ومن أهم الأسباب لذلك طريقة الاستغلال المختلفة التي يتبعها الفرنسيون.
بعد استقلال هذه البلدان، نجحت فرنسا في إيصال الطبقات النخبوية الموالية لها إلى السلطة وسيطرت بشكل كامل عليها من خلال حظر نشاط حلفاء غيرها في الدول ذات السيادة الجديدة لتبدأ عملية تبعية جديدة تُعرف بـ”الاستعمار الجديد”.
سهّلت هذه العملية بناء البنى التحتية والبيروقراطية في هذه الدول لتتوافق مع فرنسا بجميع مؤسساتها وبيروقراطيتها. اليوم، توسّع أنشطة جهات فاعلة مختلفة مثل روسيا والصين وتركيا في أفريقيا، ما دفع أصوات المعارضة خارج الحكومات الحالية إلى توجيه غضبها نحو فرنسا. كان الرئيس المخلوع بازوم، الذي دعا جنود فرنسا الذين تم إخراجهم من مالي إلى النيجر، صديقًا جيدًا لفرنسا أو بالأحرى آخر حلفائها في الساحل الأفريقي وهو ما يفسّر تنامي الخطاب المعادي لفرنسا إثر الانقلاب.
أما العامل الآخر لتتالي هذه الانقلابات هو غياب ردود الفعل الدولية التي ستضغط بما فيه الكفاية على الانقلابيين، إذ لم تتجاوز مختلف التهديدات التي توعّدت بها منظمات مثل إيكواس والاتحاد الإفريقي مستوى العقوبات الاقتصادية.
والعامل الآخر هو توفّر جهات دعم جديدة مثل روسيا التي تدعم الخطاب المناهض لفرنسا ما يشجّع القيادات العسكرية. أما الأسباب الداخلية فيمكن تلخيصها في اعتماد أسلوب حكم الحزب الواحد وإسكات الأصوات المعارضة، واستفحال الفساد، وغياب العدالة.
أسباب مختلفة ونتائج مماثلة
في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، قاد الانقلابات أصوات معارضة لفرنسا بينما رُفع العلم الروسي في الشوارع. وفي غابون، كان الوضع يشبه إلى حد كبير ما حدث في غينيا، حيث كان ألفا كوندي يسعى لفترة رئاسية ثالثة بعد تعديل الدستور للسماح له بالترشح مرة أخرى.
وفي غابون كذلك تم تعديل الدستور عدة مرات وترشح علي بونغو مرة أخرى. وفي السنغال، شهدنا عملية مماثلة قبل الانتخابات المقررة السنة القادمة حيث نُظّمت احتجاجات ضد ترشيح الرئيس الحالي ماكي سال لولاية ثالثة.
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، أجرى فوستان آرشانج تواديرا استفتاءً للسماح له بالترشح لولاية ثالثة، وكانت نتيجة الاستفتاء الذي جرى تحت ظل قوات فاغنر “نعم” بنسبة 95 في المئة. ومن الواضح أن تجاوز الصلاحيات الدستورية من قبل الحكومات من أسباب الاحتجاجات والانقلابات الأخيرة في أفريقيا.
تباين ردود الفعل الدولية
أغلب الإدانات شديدة اللهجة كانت من فرنسا، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي. وفي إشارة إلى وجود “انتهاكات” في الانتخابات التي يُزعم أن بونغو فاز بها، أكد الاتحاد الأوروبي على ضرورة حل مشاكل غابون من خلال “النظام الدستوري والديمقراطية”.
من جهتها، تجنبت الولايات المتحدة تصنيف الحراك العسكري في غابون انقلابًا، تماشيًا مع موقفها المتحفظ تجاه ما حدث في النيجر الذي لم تصنّفه بعد على أنه انقلاب. لكن الناطق باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر أكد أن الولايات المتحدة ما زالت تعارض بشدة “الاستيلاء العسكري والانقلابات غير الدستورية” على السلطة.
ويتمثل أحد الفوارق المهمة في أن المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (إكاس) تتمتع بمكانة أقل من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس). وعلى الرغم من أن المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (إكّاس) أدانت الانقلاب في غابون، إلا أنها لم تتخذ تدابير صارمة مثل تلك التي اتخذتها (إكواس) بعد الانقلاب في النيجر. ولم تدعُ أي من التصريحات الصادرة عن القوى العالمية على وجه التحديد إلى عودة بونغو إلى الرئاسة، الذي يخضع للإقامة الجبرية والذي دعا أصدقاء غابون إلى “رفع أصواتهم”. كما دعا الاتحاد الأفريقي على غرار الصين إلى ضمان سلامة بونغو فقط.
التنافس المنسي بين فرنسا والولايات المتحدة
إن التنافس الروسي الفرنسي الذي تم التركيز عليه مؤخرًا يجعلنا نتجاهل منافسة أكبر خلف الكواليس في المنطقة وبالأخص في غابون: وهي المنافسة بين فرنسا والولايات المتحدة. تم تعيين بريس أوليجي نغيما، الجنرال في جيش غابون وهو ابن عم بونغو، رئيسًا للحكومة الانتقالية للانقلاب. سابقًا، كان نغيما قائدًا لوحدة عسكرية متميزة قامت بحماية علي بونغو في 2018.
وقد ظلت تكهنات أثيرت مسبقًا عن شراء نغيما لعقارات في الولايات المتحدة دون إجابة بسبب سريّة “حياته الخاصة”. وفي تصريح صحفي، قال نغيما بشأن علي بونغو: “ليس لديه الحق في خدمة ولاية ثالثة، لقد تم انتهاك الدستور، وكانت الانتخابات نفسها معيبة، ولهذا السبب قرر الجيش طي الصفحة”.
الانقلابات تزيد عدم الاستقرار
تتدهور مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بعد الانقلابات، حيث استغلت الجماعات المتطرفة في المنطقة الفراغ الأمني وزادت هجماتها مما زاد من عدم الاستقرار. وعلى الرغم من أن الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو تخطط لتوسيع نطاق مكافحة الإرهاب، إلا أن أعمال العنف المرتبطة بالجماعات الإرهابية زادت بنسبة 140 بالمئة مقارنة بالعام السابق.
من ناحية أخرى، تؤدي العقوبات الاقتصادية الدولية المتزايدة إلى تردي مستوى المعيشة في البلدان التي تواجه الانقلابات. وفي حين أن 2 من كل 5 أشخاص في النيجر يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، هناك خطر من أن يستمر دخل الناس في الانخفاض بعد العقوبات.
من التالي؟
من المفيد أن ننظر إلى بعض ملامح الانقلابات الأخيرة. حدثت هذه الانقلابات في الغالب في المستعمرات الفرنسية السابقة وفي البلدان التي حكمها نفس الأشخاص لفترات طويلة وفي البلدان التي لديها قادة سياسيين يثير ترشيحهم الدستوري الجدل.
في غينيا الاستوائية، يحكم تيودورو أوبيانغ نغيما البلاد منذ 1979، وفي الكاميرون لا يزال بول بيا في السلطة منذ 1982، ويحكم موسيفيني أوغندا منذ 1986، ويستمر حكم آفيوركي في إريتريا منذ 1993، ويحكم ساسو نغيسو الكونغو منذ 1997، ويحكم إسماعيل عمر جيلي جيبوتي منذ 1999، وحكم فكاغامي مستمر في رواندا منذ 2000، ويحكم غناسينغبي متواصل في توغو منذ 2005.
الوضع في توغو والكاميرون حساس بشكل خاص بالنظر إلى الوضع السياسي في المنطقة التي ينتميان إليها. تم عرقلة معارضة بوبي واين لموسيفيني مرارًا وتكرارًا ولكن واين لا يزال يتحدث بشكل جريء في الميادين.
ونظرًا للانقلاب الذي وقع بعد الانتخابات في غابون، يجب أن يتم مراقبة الانتخابات في البلدان الإقليمية بعناية أيضًا. من بين هذه البلدان، تأتي انتخابات السنغال في سنة 2024 في المرتبة الأولى من حيث الأهمية.
ويمكن أن تجلب حركات الرئيس سال والمعارض سونكو مفاجآت غير المتوقعة في السنغال التي بدت لفترة طويلة على أنها نجحت في ترسيخ ديمقراطيتها. ومن البلدان التي تستحق المراقبة تشاد التي فقدت رئيسها على الجبهة، وساحل العاج أحد حلفاء فرنسا المهمين.
المصدر: ستار