هل ترغب في أن تصارح أحد أصدقائك بعيوب فيه تغضبك بشدة منه ومن الممكن أن تؤثر على مستقبل علاقتكما فيما بعد، ولكنك تخشى في نفس الوقت أن مصارحتك له ستكون سبب كاف لإنهاء علاقتكما ببعض، ماذا إذًا عن رئيسك في العمل، هل ترغب في أن تشكو من تصرفاته معك، أو من تصارحه بمشاكلك في العمل، ولكنك مازلت تخشى من نتيجة تلك الصراحة في تحديد مستقبل بقائك في الشركة أم لا، إذًا إليك الحل، موقع صراحة، حيث يمكنك أن تتحدث كيفما يحلو لك.
يكمن سر الجذب في الغموض، يعمل موقع “صراحة” وغيره من التجارب السابقة التي خرجت من نفس المضمار على عامل الغموض، أو المجهول، فيخفي الموقع هوية المتحدث بناءًا على رغبته الشخصية، فيفتح المجال أمامه لقول ما يشاء، بدون حرج أو خوف، ليقول ما بباله، والذي ربما إن أتيحت له الفرصة لقوله وجهًا لوجه ما فعل قط، لذا يأتي موقع صراحة ليساعده على تخطي ذلك وبسهولة مستخدمًا خاصية المجهول.
هل أنت مستعد لمواجهة الصراحة؟
تعرف على عيوبك ومزاياك من أصدقائك وموظفينك في العمل عبر رابط خاص بسرية تامة.
للتسجيل: https://t.co/utbLPrZ4iy pic.twitter.com/DSCcVFFWUa
— Sarahah (@Sarahah_com) January 15, 2017
نال الموقع نسبة مشاركة ضخمة في أول يومين من انطلاقه، لا سيما أنه يختلف عن موقع “ask”، الذي قدّم خدمة شبيهة من قبل في إتاحة المستخدم خاصية إخفاء هويته لسؤال مستخدم آخر بعض الأسئلة التي يريد أن يعرف إجابتها بدون أن يعرف الشخص الآخر هوية السائل، إلا أن “صراحة” يأتي داعمًا لكل من أراد أن يعزز نقاط قوته، أو يعالج نقاط ضعغه، أو لكل من أراد أن يدعم صداقته، هذا على الأقل ما جاء في تعريف الموقع بما يفعله على صفحته الرئيسية التي تدعو كل من سبق للمشاركة فيه والتسجيل.
بحسب تغطية قناة الجزيرة مباشر لإحصائيات عدد المستخدمين على الموقع، نال الموقع نسب مشاركة ضخمة في بداية انطلاقه، وصلت إلى التالي؛
تصفح الموقع من مصر 2 مليون و400 ألف مستخدم، واحتلت تونس المرتبة التالية بالمستخدمين، مليون و 700 ألف مستخدم، لتأتي الكويت في المرتبة الأخيرة بعدد 550 ألف مستخدم.
تبعها 6 ملايين و 500 ألف رسالة على الموقع بشكل إجمالي، بالإضافة إلى المتشوقين للمعرفة أو الراغبين في الاستكشاف، فكان عددهم 92 مليونًا من متصفحي الموقع فحسب.
يفخر موقع #صراحة بوصول عدد زواره إلى أكثر من مليون زائر وبوصول عدد الزيارات إلى ٢.٧ مليون زيارة.
شكراً لثقتكم ?
— Sarahah (@Sarahah_com) February 3, 2017
قدم المبرمج السعودي “زين العابدين توفيق” اختراعه على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تحويله له من موقع خاص بالموظفين في التعبير عن آرائهم بصراحة في نظام العمل، أو في مدرائهم أو فرق العمل التي تعمل معهم، وبعد نجاح التجربة على المستوى الخاص، فتح “زين العابدين” الباب للتجربة العامة لكل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، لتفاجئه الأرقام السابقة بحاجة المجتمعات العربية لحل “عقدة البوح”.
هل النقد المتخفي وراء الهوية المجهولة يعد نقدًا بناءًا؟
يأتي الموقع في النهاية طارحًا جدلية الاختلاف الذي دائمًا ما يفشل وسط المجتمعات العربية، وينتهي بالمشاكل الشخصية، أو شخصنة الاختلاف نفسه وتحويله من نقاش موضوعي عام إلى نقاش شخصي بحت يختلف تمامًا عن الفكرة الأصلية، فهي مشكلة من الممكن تحليل جذورها إلى انعدام القدرة على إجراء حوار بناء، أو عدم القدرة على تحمل النقد أو ضيق الصدر وعدم قدرته على تقبل الآخر، فكما قالها الكاتب الساخر جلال عامر؛
“نحن ديمقراطيون جداً… تبدأ مناقشاتنا بتبادل الآراء في السياسة والاقتصاد وتنتهي بتبادل الآراء في الأم والأب”
كان الحل لما سبق من جدليات وإشكاليات أن يكتم المرء ما يود البوح به، ربما لأنه لا يود أن يخسر وظيفته بسبب مجرد رأي انتقادي، أو لأنه يود الاحتفاظ على علاقته الاجتماعية وتفضيل النفاق على الصراحة، ذلك لأن الصراحة تؤذي البعض، وتهددهم بما يهربون منه دومًا، ألا وهي المواجهة، ربما تكون مواجهة أنفسهم قبل مواجهة من حولهم.
بعيدًا عن كون النقد من خلف الهوية المجهولة بناءًا أم لا، كان ذلك بالنسبة لموقع “صراحة” هو الحل الأمثل للحديث بدون تردد أو حرج، ولكن من خلف الشاشات الإلكترونية، لعله يكون أول حجر أساس في محاولة كسر تلك “التابوهات المجتمعية” المتعلقة بأساليب تقبل الرأي والرأي الآخر، ومعالجة أسباب عقد البوح بصراحة أمام غيرنا.
يعد هذا الموقع انعاكسًا صريحًا لمشاكل مجتمعية بقيت كثيرًا طي الكتمان، لا يعد المجتمع العربي من أكثر المجتمعات حرية للتعبير، كان ذلك واضحًا على مستويات عدة كانت قاسية في بعض الأحيان على شعوب بأكملها في الربيع العربي، لكن لم يكن الأمر سياسيًا فحسب، بل هو جزء لا يتجزأ أيضًا من التركيبة المجتمعية والثقافية التي تخشى من حرية التعبير حتى على المستوى الاجتماعي، بل على المستوى الأسري أيضًا.
أرجو عدم مراسلتي بخصوص معرفة صاحب الرسالة فأنا – صاحب الموقع – لا يمكنني معرفته!#صراحة
— ZainAlabdin Tawfiq (@ZainAlabdin878) January 28, 2017
لم يكن موقع “صراحة” مبشرًا بالخير لكثير من المترددين، بل كان محطًا للسخرية والاستهزاء من قِبل كثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من تفاجأ مبرمج البرنامج والشركة المستضيفة من أنظمة “مايكروسوفت” إلى آخره من الأعداد المقبلة الضخمة على استخدام الموقع، كانت ردة البعض مفاجأة أيضًا، فاتهمه البعض بسرقة المعلومات، أو محاولة جديدة للتجسس الإلكتروني من بعض الأنظمة الحكومية على شعوبها، كما رآه البعض وسيلة للنفاق العلني واتهام بعض المستخدمين بما هو غير صحيح تحت هوية “مجهول”.
كان نفسى اعمل اكونت على "app صراحة" بس للأسف رأيكوا فيا مش فارق معايا فى حاجة ! ? #صراحة pic.twitter.com/9XwrsJiQWL
— GHADA (@ghadamostafa896) February 12, 2017
سخرية مقدم برامج على يوتيوب “يوتيوبر” تونسي من موقع صراحة ومن استخدام التونسيين الكثير له
في خضم السخرية والاستهزاء والانبهار والاعجاب بالموقع الذي صار من أشهر المواقع العربية مؤخرًا والأكثرها استخدامًا، يكون السؤال الواجب طرحه هنا، هل يمكن بالفعل لموقع صراحة أن يساعد على حلة عقدة النقاش البناء أو البوح بالحقيقة بين المجتمعات العربية، أم سيساعد في استسهال الحقيقة من وراء الشاشات الإلكترونية، ويزيد الطين بلة، بحيث لا يلزمك من الأمر سوى تسجيل الدخول، إنشاء حسابًا جديدًا، ومن ثم ترسل رسالتك الصريحة بهوية سرية؟