احتل فوز القيادي بحركة حماس يحيى السنوار بمنصب رئيس المكتب السياسي في قطاع غزة مساحة واسعة في الإعلام العبري والعربي والإيراني والدولي، تلك المساحة تجاوزت التغطية الإعلامية للقاء نتانياهو ترامب في واشنطن.
وأثير جدل طويل في الساحة الفلسطينية بخصوص فوز الرجل وجوهر الجدل قائم على مرتكزين: الأول: هيمنة التيار الراديكالي على مفاصل الحركة في قطاع غزة، وانعكاس ذلك على سياسة الحركة داخليًا وخارجيًا. أما الثاني فهو مدى قدرة السنوار على القيادة كونه أمضى 20 عامًا في السجون الصهيونية.
نجحت حماس بانتخاباتها في الاستحواذ على مساحات واسعة من الإعلام بما يدلل أن فكرة استئصال الحركة درب من الخيال، واحتوائها والتعاطي معها كجزء من الحل
فهل فعلًا نجح التيار الراديكالي (العسكريين) في الهيمنة على مقاعد المكتب السياسي؟ سأفترض جدلًا أن التيار الراديكالي فاز بالانتخابات، السؤال الأهم الذي يجب بحثه هو: ما أسباب فشل التيار البراغماتي؟
نعم هناك بعض الحمائم خرجوا من الانتخابات الداخلية ولم يصلوا للشورى العام، والسبب ليس مرتبطًا بهم فقط، وإنما مرتبط بالمجتمع الدولي الذي قدم لهم مكافأة الحصار وبقاء الانقسام والعدوان والتصنيف على قوائم الإرهاب الدولي وعدم الاعتراف بتجربتهم الديمقراطية بعد حصولهم على ثقة الشعب الفلسطيني، فبعد كل ما سبق كيف سيفوز التيار البراغماتي؟
رغم إدراكي أن حركة حماس حركة مؤسساتية شورية تتخذ قراراتها بالتشاور فيما بينها ووفق المصلحة الوطنية، إلا أن حديث البعض عن وجود تيارات داخل الحركة هو حديث موضوعي وصحي في نفس الوقت، فالاختلاف بالرأي ظاهرة صحية، وأمتلك دليلاً على صحة القول:
قرار حركة حماس المشاركة في الانتخابات المحلية عام 2016م كان بفارق ضئيل جدًا مع عدم المشاركة، وبعد انتهاء التصويت حمل ملف الانتخابات في إحدى محافظات غزة أحد القيادات التي صوتت بلا للمشاركة، وهناك العديد من القرارات المماثلة ومنها على سبيل المثال لا الحصر قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية.
ونعود لأسئلة المقال: هل ستؤثر قيادة السنوار على توجهات الحركة داخليًا وخارجيًا؟ والإجابة بالتأكيد لا، لعدة أسباب:
1. المكتب السياسي بغزة لا يمثل سوى 33.333% من اللجنة التنفيذية التي تتكون من 18 عضوًا بالإضافة إلى رئيس المكتب السياسي، وهي من تصنع السياسات والرؤى والاستراتيجيات، والمكاتب الفرعية هي جهات تنفيذية.
2. القرارات السياسية الحاسمة يتم طرحها على المجالس الشورية.
قدمت حركة حماس في انتخاباتها نموذجًا ديمقراطيًا مهمًا، حيث وصل لمجالس الشورى الكثير من الشباب، وظهر لدى الرأي العام أنه لا قداسة للأسماء، بل للأفعال التي تخدم الحركة والمشروع الوطني
ما سبق بعض من الدوافع التي ساهمت بوصول بعض المحسوبين على العسكر لمفاصل الحركة، إلا أن تركيبة اللجنة التنفيذية التي تضم 18 عضوًا 6 منهم فقط من قطاع غزة، وهناك آلية لاختيارهم تعطينا مؤشرًا أن تركيبة اللجنة التنفيذية هي تركيبة سياسية بامتياز، وربما لو وصل السيد إسماعيل هنية لرئاسة المكتب السياسي فهذا سيمنح الحركة قوة وحيوية كون شخص هنية يلقى قبولًا داخليًا وخارجيًا، فهو يجمع بين أغلب المتناقضات السياسية، فهو مقبول مصريًا وتركيًا وقطريًا وإيرانيًا، بالإضافة لقبوله من أطراف عربية وإسلامية ودولية متعددة.
ويبقى السؤال المطروح للعالم
لو استمر عزل حماس وأرهبتها وشيطنتها وحصارها، فكيف سيكون شكل اللجنة التنفيذية عام 2021؟ هذه رسالة بالغة الأهمية على المجتمع الدولي التوقف والتأمل طويلًا عندها، والعمل على التعاطي مع حركة حماس كجزء من الحل وليس المشكلة.
أما ما يدور بالشارع وتتناوله بعض مواقع التواصل الاجتماعي بعدم قدرة يحيى السنوار على قيادة الحركة بغزة كونه أسيرًا غيّب لأكثر من 20 عامًا في غياهب السجون الإسرائيلية، فهذه مسألة غير منطقية لأننا لسنا دولة، بل حركات تحرر وطني، والتجارب في التاريخ طويلة نجح خلالها نيلسون مانديلا بعد 26 عاًام قضاها بالسجون، ثم نجح في قيادة الثورة والحزب والدولة، وكذلك أحمد ياسين، وفيديل كاسترو والقائمة تطول.
الخلاصة: قدمت حركة حماس في انتخاباتها نموذجًا ديمقراطيًا مهمًا، حيث وصل لمجالس الشورى الكثير من الشباب، وظهر لدى الرأي العام أنه لا قداسة للأسماء، بل للأفعال التي تخدم الحركة والمشروع الوطني، ونجحت حماس بانتخاباتها في الاستحواذ على مساحات واسعة من الإعلام بما يدلل أن فكرة استئصال الحركة درب من الخيال، واحتوائها والتعاطي معها كجزء من الحل.