خلف الزلزال الذي ضرب المغرب مساء الجمعة 8 سبتمبر/أيلول 2023 أكثر من ألفي قتيل فيما تجاوز عدد المصابين 2100 حالة بينهم 1400 في حالة حرجة، بحسب بيان وزارة الداخلية المغربية المحدث بين الساعة والأخرى، وسط توقعات بزيادة أعداد الضحايا في ظل استمرار عمليات الإنقاذ والإجلاء.
تعد الهزة الأرضية التي سجلت بقوة 7 درجات على مقياس ريختر وكان مركزها منطقة الحوز (وسط)، هي الأعنف في المغرب منذ قرن تقريبًا بحسب رئيس قسم بالمعهد الوطني للجيوفيزياء (حكومي) ناصر جابور، الذي كشف عن مئات الهزات الارتدادية التي تلت الهزة الرئيسية، بلغ بعضها نحو 6 درجات.
منذ الساعات الأولى من فجر السبت 9 سبتمبر/أيلول 2023 وتواصل فرق البحث والإنقاذ عملياتها للوصول إلى جميع المناطق التي ضربها الزلزال، وأبرزها العاصمة الرباط والدار البيضاء (كبرى مدن البلاد) ومكناس وفاس ومراكش (شمالًا)، وأغادير وتارودانت (وسط البلاد).
أجواء مرعبة عاشها الملايين من أبناء المغرب خلال الساعات الماضية، وسط كر وفر ومبيت في الشوارع العامة والطرقات خشية تكرار الهزات الارتدادية مرة أخرى، فيما أعلن الديوان الملكي المغربي ﺣدادًا وطنيًا لمدة ﺛﻼﺛﺔ أيام وتنكيس اﻷﻋﻼم ﻓوق المباني اﻟرسمية.
"لم يبقَ لي إلا رب العالمين"
أمّ مغربية فقدت زوجها وأولادها الأربعة في الزلزال. #زلزال_المغرب pic.twitter.com/JarwkPaod0
— عمر مدنيه (@Omar_Madaniah) September 9, 2023
أهوال خيالية.. لم ننم بعد
“ما حدث أمر مرعب.. إحساس جنوني أن تشعر أن الأرض تهتز فجأة من تحت أقدامك والجدران تتهاوى وأنت في حالة ذهول”، هكذا بدأت “حنان” المقيمة في “كازا” حديثها عن تلك الساعات القاسية، لافتة إلى أن الأمر بالنسبة لها كان الأول من نوعه، فلم تشهد على مدار سنواتها الـ35 أي هزة بهذا العنف رغم أن منطقتها بطبيعة الحال تقع في حزام جيولوجي متعدد الهزات، لكنها في الغالب ضعيفة وغير مؤثرة.
تضيف الشابة المغربية في حديثها لـ”نون بوست”: “كان زوجي في الشمال في مهمة عمل، وكنت أنا وابنتي فقط في البيت، وفجأة شعرنا بتلك الهزة التي أسقطت معها بعض الأواني الموضوعة على الأثاث، وهنا أدركنا أن الأمر مختلف عما كان، ودون أي تردد حملت ابنتي وهرولت إلى خارج المنزل لا أدري إلى أين أذهب”، وتابعت “وفجأة إذ بالجيران كلهم في الشارع، وسمعنا أصواتًا عاليةً عرفنا بعد ذلك أنها لمنازل سويت بالأرض في الشارع الذي خلفنا”.
https://twitter.com/Bushra_Sidqui/status/1700735293211419012
تضيف حنان أنها قضت ليلتها الأولى في الشارع وقد افترش الجميع الطرقات والممرات الرئيسية، وكلما فكر أحدهم في العودة إلى منزله لقضاء بعض حاجاته كانت السلطات تحذر من ذلك خشية وقوع هزات ارتدادية جديدة، إلا أنها عادت إلى المنزل في الفجر لاستحضار ملابس لابنتها وبعض الأطعمة، لكن الأمر لم يستغرق بضع دقائق وعادت مرة أخرى إلى الشارع بعدما وجدت شقوقًا في منزلها، “ومن ذلك الحين لم ننم بعد”.. هكذا اختتمت حديثها.
أما عبد الحميد (40 عامًا) المقيم في تطوان شمالًا، فيشير إلى أن الزلزال كان مركزه وسط المغرب، تحديدًا في نواحي مدن مراكش وأكادير والصويرة ووارزازات والراشدية، فيما وصل مداه إلى البيضاء والرباط والجديدة وسطات والقنيطرة ومدن أخرى تعاني في الأساس من بناياتها القديمة، وبالتالي ومع شدة الهزة كان متوقعًا تلك الانهيارات.
وأضاف الشاب المغربي لـ”نون بوست” أنه رغم عدم تعرض منطقته لآثار الهزة، إلا أن المشاهد التي شهدتها مراكش وأكادير تحديدًا، وتناقلها أهله وأصدقاؤه هناك، لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة، فهرولة الناس في الشوارع وهم يحملون أطفالهم، واصطدامهم ببعضهم البعض، تشبه إلى حد كبير يوم الحشر، فلا أحد يتذكر أحد، كل يبحث عن منجاته فقط.
مختتمًا حديثه بأنه لا بد من الاستفادة مما حدث تجنبًا لتكراره، خاصة أن عنصر المفاجأة كان سببًا في تعاظم الكارثة وتفاقم أعداد الضحايا، هذا بخلاف ضرورة إعادة النظر في خريطة البنايات ومدى توافر شروط السلامة الخاصة بها.
تضامن عربي إسلامي
أبدت دول عربية وإسلامية عدة تضامنها الكامل مع المغرب في مصابه، حيث أعربت كل من مصر والسعودية والأردن والإمارات والعراق وفلسطين واليمن عن خالص تعازيهم للمملكة المغربية، مؤكدين في بيانات رسمية عنهم تضامنهم الكامل مع الرباط، حكومةً وشعبًا، في مواجهة الآثار المدمرة لهذا الحادث المروع.
كما قدمت الجزائر تعازيها لأسر ضحايا الزلزال، وقالت الرئاسة الجزائرية – في بيان – إنها مستعدة “لتقديم المساعدات الإنسانية وكل إمكاناتها المادية والبشرية تضامنًا مع الشعب المغربي الشقيق، في حال طلب المغرب هذه المساعدة”، كما أشارت إلى أنها ستفتح مجالها الجوي أمام الرحلات الإنسانية والطبية إلى المغرب، وذلك بعد عامين من إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية عقب قرارها قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة صيف 2021.
أعربت تركيا التي كانت قد تعرضت هي الأخرى لزلزال أكثر ضراوة في فبراير/شباط الماضي أسفر عن سقوط أكثر من 50 ألف شخص، عن خالص تعازيها للمغرب في ضحايا الزلزال المروع، مضيفة في بيان لوزارة خارجيتها بأنها على أتم الاستعداد لتقديم كل أنواع الدعم من أجل تضميد جراح المغرب.
في السياق ذاته، قالت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” (مقرها الرباط) في بيان لها، إنها تتضامن مع المملكة في ضحايا الزلزال، مؤكدة “استعدادها للتعاون مع الجهات المغربية المختصة في مواجهة الأضرار الناجمة عن هذه الهزة الأرضية”، مشيرة إلى استعدادها الكامل لـ”تقديم كل ما يتطلبه الموقف من مساندة ودعم في مجالات اختصاصها، وفي مقدمتها ما يتعلق بترميم وصيانة الآثار التي تضررت في بعض المدن التاريخية”.
دعم دولي
كما عبرت الولايات المتحدة على لسان رئيسها جو بايدن عن تضامنها الكامل مع ضحايا الزلزال، مضيفًا في بيان نشره الموقع الرسمي للبيت الأبيض “إدارتي على اتصال بالمسؤولين المغاربة، إذ نحن نعمل بسرعة لضمان سلامة المواطنين الأمريكيين في المغرب، كما أننا نقف على أهبة الاستعداد لتقديم أي مساعدة ضرورية للشعب المغربي”.
أعربت كل من الهند وفرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية وروسيا وإسبانيا وإيطاليا عن تضامنهم الكامل مع المملكة المغربية في تلك الكارثة، فيما وقع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، رسالة تضامن مشتركة أعلنوا فيها وقوفهم إلى جوار الرباط في هذه اللحظة الصعبة.
🚨🚨🚨 هادو هما المغاربة ديال الصح الي بغيناهم في السراء والضراء وانهم يكونوا من والى وطنهم الحبيب 🇲🇦🖤🤲 الله يتقبل من الجميع #زلزال_المغرب pic.twitter.com/pH9gMN8Suo
— سوبر قنديشة (@kanddousha) September 10, 2023
من المقرر أن يشيّع المغرب اليوم الأحد 10 سبتمبر/أيلول 2023 ضحايا الزلزال، وتعد ولاية الحوز (مركز الهزة) هي الأكثر تضررًا وفق البيانات الرسمية، بحصيلة تبلغ 1293 قتيلًا، تليها ولاية تارودانت بـ452 قتيلًا، وكلتاهما جنوب غرب مدينة مراكش السياحية التي دمر الزلزال معظم قراها.
ودقدم الشعب المغربي في تلك المأساة واحدة من أروع لوحات التكاتف والتعاون والإخاء، حيث تسابق الجميع لإغاثة الملهوفين وتقديم أوجه الدعم، فخرجت مئات العربات المحملة بالغذاء والدواء والكساء من كل مناطق المملكة إلى الأماكن المتضررة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإغاثة إخوانهم والمساعدة في أعمال التنقيب والبحث.
يحبس الملايين من المغاربة أنفاسهم خلال الساعات القادمة في انتظار الانتهاء من أعمال الإزالة والتنقيب والبحث عن ضحايا أو ناجين جدد، تحت أنقاض مئات البنايات التي سويت بالأرض جراء الزلزال المدمر، فيما يخيم الترقب والهلع على الأجواء خشية تكرار أي هزات ارتدادية أخرى تعيد الكرة مجددًا.