زيارات روحاني الخليجية.. لماذا بدأت الآن؟

1280x960_32

في زيارة هي الأولى له خليجيًا منذ توليه السلطة يتوجه الرئيس الإيراني حسن روحاني بجولة قصيرة لمدة يوم واحد فقط، يزور خلالها سلطنة عمان، متوجهًا بعدها إلى الكويت، ومنها عائدًا إلى طهران مساء اليوم نفسه، وذلك لبحث سبل تحسين العلاقات الخليجية الإيرانية كما أشارت المصادر الرسمية هنا وهناك.

جولة روحاني الخليجية تأتي ردًا على زيارة وزير خارجية الكويت لطهران يناير الماضي، وتحمل العديد من الرسائل السياسية التي تهدف إلى محاولة لتخفيف حدة الاحتقان بين إيران ودول الخليج بصفة عامة والسعودية بصورة خاصة، إضافة إلى أنها تأتي وسط مستجدات إقليمية ودولية ربما تدفع الإدارة الإيرانية إلى العودة للوراء قليلاً.

جولة اليوم الواحد

وصل رئیس الجمهوریة الإسلامية الإيرانية، حسن روحانی، ظهر الیوم الأربعاء، إلى العاصمة العمانية مسقط، على رأس وفد سیاسي واقتصادي رفیع المستوى، تلبية لدعوة السلطان قابوس بن سعيد، لبحث القضایا ذات الاهتمام المشترك، في مستهل جولته الخليجية الخاطفة، حيث كان في استقباله فهد بن محمود آل سعید نائب رئیس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بالسلطنة ووزیر خارجیتها وعدد آخر من كبار المسؤولين، حسبما أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية.

ومن المقرر أن تجرى مراسم الاستقبال الرسمیة للرئیس الإيراني في قصر العلم، قبيل عقد اجتماع مشترك يضم وفد البلدين، للتباحث بشأن القضايا البينية، وسبل تعزيز التعاون الفعال، خاصة أن البلدين يربطهما العديد من الاهتمامات المشتركة، ثم يتوجه بعدها روحاني إلى العاصمة الكويتية لمقابلة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، حيث من المتوقع عقد لقاءات ثنائية بين الزعيمين لمناقشة بعض القضايا الخلافية بين إيران ودول الخليج.

جولة روحاني ردًا على زيارة وزير خارجية الكويت لطهران يناير الماضي

لماذا الكويت وعمان؟

تتميز العلاقات بين إيران من جانب، والكويت وسلطنة عمان من جانب آخر، بالقوة والمتانة، وهو ما تجسده الزيارات المتبادلة بين الجانبين بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، إذ تعد مسقط والكويت نافذة طهران الوحيدة للتواصل مع الخليج خاصة المملكة العربية السعودية.

وفي تقرير نشرته وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، تناول عمق العلاقات بين إيران والكويت، حيث كانت إيران من أولى الدول التي اعترفت رسميًا باستقلال الكويت عام 1961، ومن ثم إقامة العلاقات الدبلوماسية الثنائية عام 1962، كما أشار إلى ما شهدته السنوات القليلة الماضية لعدد من الزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين وأبرزها في يونيو عام 2014 حين قام أمير الكويت بزيارة رسمية لإيران بحث خلالها والرئيس روحاني سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتنميتها وعدد من القضايا ذات الاهتمام وآخر مستجدات الساحتين الإقليمية والدولية، كما شهدت التوقيع على ست اتفاقيات ثنائية في المجالات الأمنية والخدمات الجوية والشؤون الجمركية والرياضية والسياحية والبيئية، كما تعد الكويت من الدول الأولى التي هنأت طهران على الاتفاق النووي المبرم في 2015.

اختيار الكويت وعمان  كمحطة أولى لجولة الرئيس الإيراني الخليجية يعكس مكانة الدولتين لدى طهران وعمق العلاقات بينهما

وعلى الجانب الآخر، تتمتع العلاقات بين طهران ومسقط بخصوصية مستقلة، تفوق ما هي عليه مع الجانب الكويتي، حيث إن سلطنة عمان من الدول القليلة التي تتبنى وجهة النظر الإيرانية على طول الخط، حتى وإن تعارضت مع وجهة النظر الخليجية، وهو ما ساهم في توتر العلاقات العمانية الخليجية لفترات طويلة.

ومن ثم فإن اختيار الكويت وعمان كمحطة أولى لجولة الرئيس الإيراني الخليجية يعكس مكانة الدولتين لدى طهران وعمق العلاقات بينهما، ومن ثم فهما حلقة الوصل بين إيران ودول الخليج، خاصة أن الكويت وعمان عرضتا أكثر من مرة القيام بدور الوساطة لتقريب وجهات النظر بين الجانبين.

ضغوط إقليمية ودولية

تأتي زيارة روحاني الخليجية في وقت حساس للغاية، حيث تشهد المنطقة بصفة خاصة والعالم بصورة عامة حالة من عدم التوازن جراء بعض المستجدات الإقليمية والدولية، منها ما يتعلق بتطورات الأحداث في سوريا واليمن، والآخر يتعلق بتوجهات الرئيس الأمريكي الجديد وما يمكن أن تلعبه من دور في تغير الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط.

أولا: التقارب الخليجي التركي

تأتي زيارة روحاني للكويت وعمان، بالتزامن مع قرب نهاية جولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتي زار خلالها البحرين ثم المملكة العربية السعودية، مختتمًا جولته بالدوحة، التقى خلالها بزعماء دول الخليج حيث ناقشوا العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها، إضافة إلى الملفات الشائكة وفي مقدمتها الملف السوري والتدخل الإيراني في شؤون المنطقة.

التقارب التركي الخليجي لا شك أنه يزعج طهران بصورة كبيرة، خاصة في ظل تباين وجهات النظر الإيرانية التركية في كثير من الملفات أبرزها الملف السوري وفكرة إقامة مناطق آمنة، في الوقت الذي تتطابق فيه رؤيته مع توجه الخليجيين وهو ما يصب في غير مصلحة طهران.

ومن ثم فإن زيارة روحاني الخليجية للكويت وعمان، ربما تأتي كرد فعل على جولة أردوغان الأخيرة، في محاولة لعدم ترك الساحة الخليجية كاملة أمام الأتراك، والبحث عن موطئ قدم يحفظ لإيران نفوذها الإقليمي.

التقارب التركي الخليجي لا شك أنه يزعج طهران بصورة كبيرة، خاصة في ظل تباين وجهات النظر الإيرانية التركية في كثير من الملفات أبرزها الملف السوري

جولة خليجية للرئيس التركي شملت البحرين والسعودية وقطر

ثانيًا: فتور العلاقات مع روسيا

تعاني العلاقات الإيرانية الروسية في الآونة الأخيرة حالة من الفتور بسبب تباين وجهات النظر حيال بعض المسائل المتعلقة بالأزمة السورية، لا سيما في مقترح إقامة المناطق الآمنة الذي لم يبد الجانب الروسي الاعتراض المتوقع إيرانيًا.

رد الفعل الروسي حيال هذا المقترح تناغم بشكل كبير مع التوجه التركي من جانب، والرغبة في التعاون مع الجانب الأمريكي من جانب آخر، مما اعتبرته طهران تهديدًا لنفوذها داخل سوريا، وهو ما دفعها إلى إعادة النظر في خارطة التوازنات الإقليمية في المنطقة وفي مقدمتها علاقاتها مع الخليج.

تهديدات ترامب لإيران جاءت بالتزامن مع انفراجة في العلاقات الأمريكية السعودية، وهو ما زاد من خطورة تلك التهديدات، مما دفع طهران إلى العودة للوراء قليلاً

ثالثًا: توجهات ترامب العدائية

حالة من الترقب سادت الأوساط الإيرانية منذ إعلان دونالد ترامب الترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث نالت طهران النصيب الأكبر من تصريحات الرجل العدائية، سواء قبل الانتخابات أو بعد دخوله البيت الأبيض، أبرزها فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، وتضييق الخناق، إضافة إلى التلويح بفسخ الاتفاق النووي الموقع في 2015.

تهديدات ترامب لإيران جاءت بالتزامن مع انفراجة في العلاقات الأمريكية السعودية، وهو ما زاد من خطورة تلك التهديدات، مما دفع طهران إلى العودة للوراء قليلاً في محاولة لجس النبض الخليجي حيال تصريحات الرئيس الأمريكي تجاه طهران، ومن ثم تأتي هذه الزيارة للوقوف على أبرز ملامح رد الفعل الخليجي حيال حملة ترامب العدائية، ومحاولة التأثير عليه لصالحها من خلال مساعي تخفيف حدة التوتر بين الجانبين.

رابعًا: تحسين العلاقات الإيرانية الخليجية

خطوات ملموسة تبذلها كل من إيران ودول الخليج على حد سواء، لتخفيف حدة التوتر في العلاقات بينهما، وذلك عن طريق الوساطة الكويتية، كما جاء على لسان الرئيس الإيراني، قبيل توجهه لمسقط: “رحبت بالرسالة التی نقلتها الكویت مؤخرًا عن الدول الستة في منطقة الخلیج، بشأن حل سوء الفهم الموجود، والعمل من أجل الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائیة”، مشيرًا إلى ترحيب بلاده بوساطة الكويت لتحسين العلاقات مع الخليج، موضحًا أن التحرك الأول لتجسيد هذا الترحيب سيكون من خلال زیارة اثنین من الدول الأعضاء في مجلس التعاون لتبادل وجهات النظر في هذا المجال.

الرئيس الإيراني: رحبت بالرسالة التی نقلتها الكویت مؤخرًا عن الدول الستة في منطقة الخلیج، بشأن حل سوء الفهم الموجود، والعمل من أجل الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائیة

روحاني أكد على أن السياسة الإيرانية قائمة على حسن الجوار وضمان الأمن في منطقة الخلیج، وأن بلاده لم ولن تفكر مطلقًا في القيام بأي اعتداء على أحد، أو أي تدخل في الشؤون الداخلیة للدول الأخرى، كما أنها لا ترید فرض عقائدها الدینیة أو المذهبیة أو السیاسیة على الآخرين، إضافة إلى التأكيد على أن سياسة طهران قائمة دومًا على التعاون المشترك مع الأصدقاء والدول الإسلامية.

وفي المقابل شهد الخطاب السعودي بعض ملامح التغير حيال إيران وهو ما تجسد في تصريحات الخارجية السعودية مؤخرًا بشأن دعوة طهران للحوار شريطة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، إضافة إلى ما تحمله الوساطة الكويتية من مؤشرات عن رغبة دول الخليج  – ولو بطريق غير مباشر – في فتح قنوات اتصال مع إيران لمحاولة التوصل لنقاط مشتركة في مواجهة التحديات الإقليمية التي قد تؤثر على الجميع – سلبًا – وهو ما يتطلب من الجانبين خطوة للوراء وتقديم بعض التنازلات من أجل التوصل لحلول ترضي الطرفين.