قضية أخرى يثيرها البيت الأبيض تثير جدلاً واسعًا من بين حزمة القرارات التي اتخذها ترامب خلال الشهر الأول من تسلمه للرئاسة، حيث أعلن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أن واشنطن لم تعد متمسكة بحل الدولتين كأساس لحل الصراع بين فلسطين وإسرائيل والتوصل إلى اتفاق سلام بينهما، بل ستدعم أي اتفاق يتوصل إليه الطرفان أيًا كان هذا الاتفاق.
حسب ما أشار إليه المسؤول فإن السلام هو الهدف سواء عن طريق حل دولتين إذا كان هذا ما يريده الطرفان أو عن طريق حل آخر، وأن الإدارة الأمريكية لن تسعى بعد اليوم إلى إملاء شروط أي اتفاق لحل النزاع بين إسرائيل وفلسطين.
ماذا يعني نسف اتفاق حل الدولتين؟
أحدث ترامب منذ توليه الرئاسة في العشرين من كانون الثاني/ يناير قطيعة مع مواقف كل أسلافه من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث قال إنه يفكر بكل جدية بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، كما أنه رفض اعتبار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عائقًا أمام التوصل إلى اتفاق سلام.
ورشح ترامب ديفيد فريدمان ليكون سفيرًا لدى إسرائيل – لم يجر تعيينه بعد من قبل مجلس الشيوخ – وهو مؤيد لبناء المستوطنات ويشكك في مسألة حل الدولتين بين الجانبين، كما أوكل ترامب مهمة التفاوض من أجل اتفاق السلام في المنطقة لصهره وكبير مستشاريه في البيت الأبيض جاريد كوشنر، وهو يهودي الأصل مقرب من ترامب جدًا ولعائلته علاقات جيدة مع المسؤوليين السياسين في إسرائيل ومع اللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية المعروفة بـ”إيباك”، ويُذكر أن كوشنر سعى إلى عقد لقاء يجمع ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سابقًا، والمقرر أن يتم اليوم الأربعاء 15 شباط/ فبراير.
حل الدولتين الذي تبنته الإدارة الأمريكية المتعاقبة منذ ما يقرب من ربع قرن، يعني إقامة دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل تعيشان بأمن وسلام، وتخلي ترامب عن هذا النهج لا يعني نسف إقامة دول فلسطينية فحسب بل يعني أيضًا نسف اتفاقية أوسلو وسنوات من المفاوضات الماراثونية للتوصل لحل بين الطرفين.
واشنطن لم تعد متمسكة بحل الدولتين كأساس لحل الصراع بين فلسطين وإسرائيل والتوصل إلى اتفاق سلام بينهما، بل ستدعم أي اتفاق يتوصل إليه الطرفان أيًا كان هذا الاتفاق
تخلف الإدارة الأمريكية الجديدة عن دعم حل الدولتين يعد ضربة قاصمة لعقود من السياسة الأمريكية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة على أمريكا، وهو تغيير للمبادئ الأمريكية تجاه قضية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وهذا بمثابة تحريك حجر الأساس في حل الصراع بين الطرفين من جهة وجهود السلام الدولية من جهة أخرى.
فاتفاقية أوسلو للسلام المعقودة في العام 1993 بين الإسرائيليين والفلسطينيين نصت على أن تعترف دولة الاحتلال بمنظمة التحرير الفلسلطينية على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وتعترف الأخيرة بدولة إسرائيل على جميع الأراضي الفلسلطينية باستثناء الضفة الغربية وغزة، وتنسحب إسرائيل من أراضي في الضفة والقطاع على مراحل ومن ثم تقر بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي، وبعد ثلاثة سنوات تبدأ مفاوضات الوضع الدائم يتم خلالها مفاوضات بين الجانبين بهدف التوصل لتسوية دائمة وتشمل قضايا مثل القدس الشرقية والغربية والأماكن المقدسة ومن يتحكم بها واللاجئون وحق العودة وحق التعويض والمستوطنات في الضفة والقطاع.
وكان أن رحبت الحكومات العربية والدول الغربية للتوصل إلى الاتفاق بين الجانبين إلا أن الشعوب العربية والفصائل الفلسطينية ومن ضمنها حركة حماس عارضته، واعتبروها تفريط بحقوق الشعب الفلسطيني وخيانة للقضية برمتها.
وفي أول رد فعل فلسطيني قالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي إن التصريح يعبر عن سياسة واشنطن غير المسؤولة وغير المنطقية والتي لا تخدم قضية السلام، موضحة أن الأمريكيين لا يمكنهم قول ذلك من دون تقديم بديل.
على الرغم من حدة موقف ترامب حتى الآن من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والذي افتتحها بنيته نقل السفارة إلى القدس فإن تلك الحدة لم تستمر طويلًا حيث بدأ حديثه يتغير ويقترب من التسويف، بعد إجرائه اتصالات مع قادة عرب ولقائه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لجهة ترجيح العودة إلى السياسات التقليدية للإدارات الأمريكية فيما يخص النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وبما يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، خصوصًا تعزيز التعاون والتحالف مع الدول العربية لمواجهة إيران وتنظيم الدولة.
خطوات ترامب تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قد تغضب حلفاءه من الدول العربية في قتال داعش وإيران
ويرى مراقبون أن خطوات ترامب تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من نقل السفارة إلى حل الدولتين، فيما لو تمت قد تؤدي إلى موجة غضب عارمة في العالم العربي والإسلامي تشمل الدول العربية الحليفة مع ترامب ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش، والتي ينوي اجتثاثها من سوريا والعراق وضد إيران التي يعاديها وينوي لجم نفوذها في المنطقة بإخراجها من سوريا، وهو ما قد يثنيه عن اتخاذ قرارات غير محسوبة.
أضف لذلك أن البيت الأبيض لم يصحُ بعد من فضيحة مستشار الأمن القومي مايكل فلين التي أدت إلى استقالته، على إثر حديثه مع الروس عن العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا مؤخرًا بعدما أنكر ذلك أمام نائب الرئيس مايك بنس، لذلك من المستبعد أن يزج ترامب نفسه في صراع غير محسوب المخاطر في المنطقة قبل أن يرتب بيته الداخلي من جديد.
نتنياهو في ضيافة ترامب
تغير لهجة ترامب مؤخرًا بشأن نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس جعل من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يزور الولايات المتحدة اليوم الأربعاء يخفض سقف توقعاته المرجوة من اللقاء بينهما، حيث سبق قوله إن ترامب في البيت الأبيض سيكون فرصة تاريخية لإسرائيل.
فقد خاب أمل الإسرائيليين بعد تصريحات ترامب لصحيفة يسرائيل هيوم التي قال فيها إن البناء الاستيطاني لا يفيد العملية السلمية، فضلاً عن التسويف فيما يتعلق بنقل السفارة إلى القدس المحتلة.
بات جل ما يصبو إليه الإسرائيليون في هذه المرحلة هو التوصل إلى تفاهم أولي مع ترامب على تكريس الوضع القائم حاليًا وإبداء تفهم أمريكي وليس بالضرورة موافقة للضغوط الداخلية التي يواجهها رئيس الحكومة في ائتلافه الحكومي المطالب بالتوسع في الاستيطان والتخلي عن حل الدولتين، بما يمكنه من تحريك بناء استيطاني منضبط إلى حد ما في الكتل الاستيطانية الكبيرة وداخل نطاق المستوطنات القائمة حاليًا.
نتنياهو يخفض سقف توقعاته في لقائه مع ترامب بعد تغير تصريحات ترامب حيال النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مؤخرًا
وسيحاول أيضًا تكريس خطر إيران في المنطقة وضرورة فرض عقوبات اقتصادية عليها والسعي لوقف المد الإيراني في سوريا ولبنان وفتح ملف الاتفاق النووي مجددًا، واكتفى قبل صعوده إلى الطائرة بقوله إنه سيعمل على تعزيز التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة وحماية مصالح الأمن القومي لإسرائيل وفق قيادته هو لدفة الأمور حسب تعبيره.
ويبقى الإشارة إلى تصريح القنصل الإسرائيلي العام في نيويورك، ورئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة سابقًا، داني ديان، للإذاعة العسكرية، صباح أمس الثلاثاء، مفاده أن اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب على درجة من الأهمية ولكنهم لن يغيران وجه العالم، واقترح على الجميع أن يضعوا الأمور في حجمها الصحيح.
وفي هذا إشارة أن الشيك المفتوح الذي كان أيام حملة ترامب الرئاسية لم يعد موجودًا، بسبب دخول الإدارة الأمريكية في خضم الأحداث السياسية التي تفرض عليها إلغاء أو تأجيل وعودها تجاه إسرائيل.