ارتفعت حصيلة أعنف زلزال يضرب المغرب منذ قرن إلى 2012 حالة وفاة 2059 جريحًا، وما زالت هذه الأرقام مرشحة للارتفاع، في وقت تستمر الجهود لرفع الأنقاض في وسط البلاد، خصوصًا في مدينة مراكش وإقليم الحوز، الذي كان بؤرة هذا الزلزال البالغ قوته 6.8 درجة مساء الجمعة 8 سبتمبر/أيلول الحاليّ، ويعتقد أنه زلزال تكتوني مرتبط بالدفع والتصدع الذي يستمر في دفع جبال الأطلس.
تقول التفسيرات الجيولوجية إن البؤرة الزلزلية بإقليم الحوز متوقع أن تكون نتيجة وجود قوى انضغاطية، أي تحرك الصفيحة الإفريقية ضد الصفيحة الأوراسية في العادة على أطراف البحر الأبيض المتوسط شمالًا وجنوبًا، وهذه القوى هي المسببة لاستمرار تشكل سلسلة جبال الأطلس الكبير، وكان جبل توبقال (الأعلى في شمال إفريقيا؛ 4167م) هو المركز الرئيسي لهذه الهزة، التي تفقد قوتها كلما ابتعدنا عن المركز.
في كثير من الأحيان، تؤدي الزلازل التي تحدث ليلًا إلى عدد أكبر من القتلى، فمن المرجح أن يكون الناس داخل المباني المنهارة، وبالتالي فإن عدد الضحايا الحاليّ قد يرتفع وقد تكون هناك هزات ارتدادية، وحسب مسؤولي المعهد المغربي للجيوفيزياء، فإن هذه الهزات الارتدادية تكون أقل قوة وقد لا يشعر بها السكان.
لكن حتى هذه الهزات الأصغر حجمًا، أو توابع الزلزال، قد تهدد بسقوط المباني المتضررة بالفعل، ما يخلف دمارًا كبيرًا، ويقول العلماء إنه بالنسبة لحالة المغرب يتعين الانتظار ليوم أو يومين للحصول على رؤية واضحة حيال مخاطر حدوث هزات ارتدادية أخرى، إذ يمكن أن يؤدي تنشيط خط الصدع إلى حدوث هزات ارتدادية أخرى.
تضاريس وعرة وقرى معزولة
مأساة الزلزال الذي شهده المغرب لا تتوقف فقط على أرقام الضحايا، فهناك العديد من القرى المعزولة تمامًا خصوصًا في إقليم الحوز، وشهدت حالة كبيرة من الدمار وتعيش وضعًا كارثيًا للغاية، بينما أصبح الوصول إليها برًا شبه مستحيل بسبب وعورة التضاريس، كما أن الطرق التي تربطها بالمدن غير معبدة في الغالب، ولم تعد الآن سالكة بأي شكل من الأشكال.
يضم إقليم الحوز، القريب من مدينة مراكش، عشرات القرى وعددًا من البلدات والمدن الصغيرة، كأيت أورير ومولاي إبراهيم وأمزميز وتحناوت وتمصلوحت، وسُجل الزلزال تحديدًا في قرية إيغيل، وبات يسمى باسمها.
كما أنه من المحتمل أن تتساقط الصخور في عدد من المسالك الجبلية، ما يعرض حياة من يحاولون الوصول إلى هذه القرى للخطر، ناهيك بأن بعض القرى لا يمكن الوصول إليها إلا على الأقدام أو على الحمير والبغال، كما تعقد بنية التضاريس هناك عملية نزول طائرات الهيلوكوبتر الخاصة.
مهمات إغاثة عربية ودولية
توالت التعازي وبيانات التضامن العربية والدولية مع المغرب إثر الزلزال المدمر الذي ضرب المملكة وخلف مئات الضحايا، حيث أبدت عدة دول استعدادها للمساعدة في عمليات الإنقاذ، مع انطلاق عملية إيصال المساعدات للمناطق المتضررة.
وجه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بإرسال مساعدات طبية عاجلة وفرق إنقاذ لدعم جهود الإغاثة ومواجهة تبعات الزلزال، كما أضاءت أبراج لوسيل بعلم المغرب وعبارة “حفظ الله المغرب”.
"حفظ الله أهل المغرب".. إضاءة أبراج لوسيل في #قطر بعلم #المغرب تضامنا مع ضحايا الزلزال#زلزال_المغرب pic.twitter.com/xgXFaGDdDW
— قناة الجزيرة (@AJArabic) September 9, 2023
كان الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، أول من عزى الملك محمد السادس والشعب المغربي في ضحايا زلزال الحوز، قبل أن يعطي تعليماته من أجل تسيير جسر جوي لنقل مساعدات إغاثية عاجلة إلى المتضررين من الزلزال وتقديم مختلف أشكال الدعم للمملكة.
كما أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن استعداد بلاده لتقديم المساعدة في عملية الإنقاذ، وكتب عبر منصة “إكس”، في الطائرة التي تقله إلى نيودلهي للمشاركة في قمة مجموعة العشرين: “نحن متأثرون جميعًا بعد الزلزال الرهيب في المغرب، فرنسا مستعدة للمساعدة في عمليات الإنقاذ”.
Nous sommes tous bouleversés après le terrible séisme au Maroc. La France se tient prête à aider aux premiers secours.
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) September 9, 2023
وتعهدت ثلاث مناطق فرنسية بتقديم دعم بقيمة مليون يورو، لضحايا الزلزال المدمر، حيث أصدرت أوكستانيا (جنوب فرنسا) وإقليم الألب كوت دازور وجزيرة كورسيكا، بيانًا مشتركًا تضمن التزامًا بتقديم مساعدات مالية سيتم توجيهها بحسب الاحتياجات التي سيعلنها المغرب.
ويستعد عمال إغاثة ألمان لتقديم مساعدات محتملة للمغرب وقال متحدث باسم الوكالة الاتحادية الألمانية للإغاثة التقنية: “نراقب الوضع ونستعد حاليًّا لمهمة محتملة”، مشيرًا في المقابل إلى أن المغرب لم يقدم بعد طلبًا للمساعدة، ويمكن توجيه طلب المساعدة للاتحاد الأوروبي أو مباشرة إلى ألمانيا.
وقررت جمعية الصليب الأحمر الصينية تقديم مبلغ 200 ألف دولار نقدًا للهلال الأحمر المغربي كمساعدات إنسانية طارئة بعد الزلزال القوي الذي ضرب المغرب ليلة الجمعة، وقال الصليب الأحمر الصيني إن هذا التبرع سيتم استخدامه لمساعدة المغرب على تنفيذ أعمال الإنقاذ والإغاثة من الكوارث.
ليالٍ في العراء وقرى سويت بالأرض
قضى المغاربة المذعورون ليلة ثانية في الشوارع، وأحضر البعض أكياسًا من الملابس والطعام، استعدادًا للبقاء لفترة أطول بعيدًا عن منازلهم، بينما يسابق رجال الإنقاذ الزمن للوصول إلى الضحايا المحاصرين في القرى الجبلية النائية بالقرب من مركز الزلزال الأكثر تضررًا من الزلزال المدمر.
كما ظهرت مشاهد الدمار واليأس في القرى المنتشرة على سفوح جبال الأطلس، حيث مركز الزلزال، وشهدت هذه المناطق النائية أكبر عدد من الوفيات، حيث انهارت المنازل المبنية من الطوب اللبن على السكان وأغلقت الصخور الطريق أمام وصول فرق الإنقاذ.
وأظهرت لقطات جوية قرى تجلس على المنحدرات وقد سويت بالأرض وتحولت إلى أكوام من الركام في أعقاب الزلزال.
محمد، 50 عامًا، من بلدة ويركان القريبة من مركز الزلزال فقد أربعة من أفراد أسرته، وقال لشبكة سي إن إن: “لقد تمكنت من الخروج بأمان مع طفلي لكنني فقدت الباقي.. لقد ذهب منزلي”.
#زلزال_المغرب
⛔جدار سور المدينة القديمة #مراكش بعد الهزة الأرضية pic.twitter.com/409gbIbxJ7
— الباثول (@batoul2nd) September 9, 2023
وقالت فاطمة، 50 عامًا، إن منزلها في قرية أسني الجبلية دُمر، “بالكاد أتيحت لي الفرصة لإمساك الأطفال والهرب قبل أن أرى منزلي ينهار أمام عيني”، وأضافت “لقد انهار منزل الجيران أيضًا وهناك قتيلان تحت الأنقاض”.
وما يزيد من صعوبة الإنقاذ، أن شبكات الاتصال ضعيفة جدًا في المنطقة، فهناك شركات اتصال تعمل في حيز جغرافي ولا تعمل في آخر، فإقليم الحوز شأنه شأن باقي مناطق الأطلس الأمازيغية، التي تعاني من العزلة والتهميش منذ عقود عديدة.