منذ سنوات ما فتئت الأمم المتحدة ودول الجوار والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الإقليمية والدولية، تقدم مبادرات لحل الأزمة الليبية التي تشهدها البلاد منذ ثورة فبراير 2011 وسقوط نظام العقيد معمر القذافي، إلا أن مصير جميعها كان الفشل ورف الطاولة، وتبرز هذه الأيام مساعٍ تونسية لتصدير تجربة التوافق الوطني نحو الجارة ليبيا التي أنهكها الصراع.
تكثيف المساعي التونسية
باعتبارها من أكثر البلدان المتضررة من الأزمة الليبية، كثفت تونس مساعيها السرية والعلنية، الرسمية والشعبية، للتسريع بإيجاد تسوية لهذا الأزمة، حيث التقى، الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، الأسبوع الماضي، بمحمود جبريل رئيس الحكومة الليبية السابق، لبحث تطورات الملف الليبي والمبادرة التي تقودها تونس للمساعدة على إيجاد حل سياسي عبر الحوار والتوافق.
والتقى بعد ذلك وزير الخارجية التونسي بالمبعوث الأممي في ليبيا مارتن كوبلر للحديث عن مستجدات الوضع في ليبيا، على أن تحتضن تونس خلال الأيام القليلة المقبلة اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي الثلاثة ممثلة في تونس والجزائر ومصر، يليه لاحقًا اجتماع رؤساء الدول الثلاثة في الجزائر، إن تم الاتفاق على ذلك، وقبلها التقى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي بعديد من الأطراف الليبية والإقليمية المتدخلة في هذا الشأن.
تعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا، حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة
وكثفت تونس خلال الفترة الأخيرة مشاوراتها الرسمية ممثلة في الرئيس الباجي قائد السبسي ووزير الخارجية خميس الجهيناوي وغير الرسمية الممثلة في رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي مع أطراف ليبية وغير ليبية من أجل وقف الصراع في هذا البلد عبر تفعيل المبادرة التونسية لحلحة الأزمة.
وفي يناير الماضي، أعلن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي مبادرة لحل الأزمة الليبية دون أن يكشف عن تفاصيلها، مؤكدًا أنها ترمي إلى مساعدة مختلف الأطراف الليبية، وتشجيعها على الحوار من أجل بلوغ حل توافقي، وأشار إلى أن التنسيق جارٍ، خاصة مع كل من الجزائر ومصر لإنجاح هذه المبادرة وتحقيق أهدافها.
لم تتمكن ليبيا منذ الثورة من إحلال السلام داخل أراضيها
وكشفت مصادر دبلوماسية فيما بعد أن المبادرة التونسية تستند إلى القرارات الأممية السابقة، ومن بينها اتفاق الصخيرات، لإطلاق حوار يجمع كل الفرقاء للاتفاق بشأن تشكيل حكومة وجيش موحدين، برعاية دول الجوار تونس والجزائر ومصر.
وتعيش ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا، حيث تدار بثلاث حكومات منفصلة، واحدة في الشرق يقودها عبد الله الثني، في حين تدار العاصمة طرابلس بحكومتين هما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المدعومة دوليًا، وحكومة الإنقاذ الوطني التي يقودها خليفة الغويل، بعد فشل اتفاق الصخيرات في إحلال السلام في البلاد.
التوافق سبيل لحل الأزمة
في أثناء هذه المساعي المتواصلة ما فتئت تونس تضع تجربتها في الانتقال الديمقراطي القائمة على التوافق، على طاولة الحوار أمام مختلف الفرقاء الليبيين والقوى الدولية كنموذج مثالي للخروج من هذه الأزمة التي طال أمدها وانتقل تأثيرها إلى دول الجوار.
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي كان أهم أعمدة الحوار والتوافق في تونس، قال في تصريحات سابقة لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني: “التجربة التونسية في تحقيق التوافق الوطني بين الفصائل الإسلامية وغير الإسلامية والثوار ورموز النظام السابق يمكن تطبيقها في ليبيا”، في إشارة إلى تجربة التوافق التي تم اعتمادها في تونس صيف 2013 عندما كانت البلاد تتجه لحرب أهلية.
يؤكد التونسيون أن اللقاءات التي تحتضنها بلادهم، مؤخرًا، تمثل خطوات تمهيدية أساسية لدفع الفرقاء الليبيين للجلوس إلى طاولة المفاوضات
وتسعى تونس للاستفادة من علاقات حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي، السياسية والاجتماعية القوية مع كل الأطراف الليبية سواء الإسلاميين وغير الإسلاميين والقبائل وجماعة النظام القديم من أجل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين لمساعدتهم في الجلوس إلى طاولة الحوار وإيجاد حلول توافقية تعيد لليبيا استقرارها وتأخذ بعين الاعتبار مشاركة مختلف المكونات الليبية لإنهاء الصراع وتصدير تجربة التوافق السياسي في تونس إلى ليبيا.
ويؤكد التونسيون أن اللقاءات التي تحتضنها بلادهم، مؤخرًا، تمثل خطوات تمهيدية أساسية لدفع الفرقاء الليبيين للجلوس على طاولة المفاوضات والخروج بحلول مرضية وتسويات توافقية ترضي جميع الأطراف كالذي حصل في بلادهم، خاصة أن الوقت مناسب للتوصل لتوافقات بعد شعور جميع الأطراف الليبية بعدم قدرتهم على حسم المعركة بقوة السلاح.
راشد الغنوشي يقود الديبلوماسية الشعبية في تونس
وتحرص تونس من خلال مساعيها الدبلوماسية الرسمية والشعبية على تحقيق أكبر قدر من التوافق ببن الأطراف الليبية دون تدخل جهات خارجية والمحافظة على العملية السياسية الديمقراطية في البلاد وعدم إقصاء أي طرف.
ورغم التدخلات الإقليمية والدولية في الساحة الليبية من جانب دول تعمل على تغذية الانقسامات، واحتدام الصراع على السلطة بين الفرقاء، فإن انعدام الصراعات الطائفية والعرقية في ليبيا، يسمح بوصول الفرقاء إلى توافق يرضي الجميع، ويمثل إيجاد حل للأزمة الليبية مفتاحًا لحل عديد من المشاكل الداخلية ذات الطابع الأمني والاقتصادي في تونس، وغيابه تهديد للتجربة الديمقراطية التونسية.
اتفاق مصر يؤكّد نهج التوافق
التوافق لم يكن اقتراح تونس فقط، فقد سعت له الجزائر ومصر “مؤخرًا” أيضًا بعدما دعمت فصائل ليبية عسكريًا، وأفرز ذلك أمس حسب المصادر المصرية اتفاق الأطراف الليبية المجتمعة في القاهرة على 4 نقاط رئيسية لحل الأزمة تتمثل في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه شباط من العام المقبل، وتشكيل لجنة من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للتوصل لصيغ توافقية واعتمادها بمجلس النواب الليبي، وإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتضمين الاتفاق السياسي بالإعلان الدستوري.
شددت مصر أثناء استضافتها هذه المحادثات طيلة الشهرين الماضيين، على أهمية التوافق بين الفرقاء السياسيين الليبيين
وتم الاتفاق على استمرار جميع شاغلي المناصب الرئيسية في ليبيا إلى حين انتهاء الفترة الانتقالية وتولي الرئيس والبرلمان الجديدين مهام عملهما في 2018، حسب بيان للجيش المصري.
وشددت مصر أثناء استضافتها هذه المحادثات طيلة الشهرين الماضيين، على أهمية التوافق بين الفرقاء السياسيين الليبيين للتمكن من حل الأزمة التي تعرفها بلادهم. والشخصيات المشاركة في اجتماعات اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا هي عقيلة صالح رئيس مجلس النواب المنحل، واللواء المتقاعد خليفة حفتر وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق.