بات تعويم العملة المحلية لأي دولة عربية ليس غريبًا مع دخول بعثة صندوق النقد الدولي إليه، الذي يصف وصفة اقتصادية للحكومة تقوم على تطبيق جملة من الإصلاحات مقابل منحها الأموال التي تحتاجها في عملية التنمية الشاملة.
وما إن تبدأ الإصلاحات وتعويم العملة حتى يبدأ معدل التضخم بالارتفاع مرهقًا معه العمال من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وليخفض معه القوة الشرائية للعملة ويدخل الاقتصاد في دوامة لا يخرج منها مادام برقبة صندوق النقد الدولي.
المركز المغربي يشرع بتعويم الدرهم
أعلن البنك المغربي رسميًا أمس الثلاثاء 14 شباط/فبراير عن الشروع في تطبيق مشروع تعويم الدرهم في البلاد بشكل تدريجي وصولاً إلى التعويم الكامل بعد دراسة مستفيضة بدأت العام الماضي من قبل وزارة المالية والبنك المركزي في المغرب وبعثة صندوق النقد الدولي إلى المغرب برئاسة نيكولا بلانشيه.
حيث سيتبع البنك سياسة نقدية تخفف من وطأة تعويم الدرهم على الأسواق المحلية من خلال البدء بتحرير الدرهم بشكل جزئي في المرحلة الأولى بحيث يضع المركزي حدودًا عليا ودنيا لسعر الصرف ويتدخل في حال تجاوزها، وفي المرحلة الثانية سيصبح صرف الدرهم خاضعًا بشكل كامل لقانون العرض والطلب في سوق العملات، وهي مرحلة التحرير الكامل لسعر الصرف.
وفي ورشة نظمها المركزي أمس في الدار البيضاء ذكر إدريس بن الشيخ، الكاتب العام لمكتب الصرف، أن مكتب الصرف وبالتنسيق مع البنك المركزي ووزارة الاقتصاد والمالية “سيصدر دورية جديدة خلال 2017، تتعلق بنظام صرف العملات، بهدف مواكبة الإصلاح التدريجي لنظام الصرف” وأضاف “سنجعل أسعار الصرف مرنة، حتى يتمكن الفاعلون الاقتصاديون ومنهم المؤسسات البنكية، من مواجهة تحديات تقلبات أسعار الصرف”.
أعلن البنك المغربي رسميًا أمس الثلاثاء 14 شباط/فبراير عن الشروع في تطبيق مشروع تعويم الدرهم في البلاد بشكل تدريجي
واعتبر يونس عصامي، نائب مدير العمليات النقدية والصرف، في البنك المركزي المغربي، أن “الفرصة مواتية للقيام بالإصلاح التدريجي لنظام الصرف بالمغرب، في ظل وجود احتياطي أجنبي مهم من العملة الأجنبية، والتراجع المستمر للعجز التجاري”.
وأضاف، في حديثه على هامش مشاركته في الورشة، أن البنك المركزي شرع فعليًا في إجراءات تطبيق الإصلاح، من خلال إجراءات عديدة، منها “إنشاء أربعة لجان للمتابعة، وهي اللجنة النقدية والمالية، ولجنة تنسيق إصلاح نظام الصرف، ثم لجنة سوق الصرف، وأخيرًا، لجنة تنظيم سوق الصرف”. ويتزامن مع خطة التعويم تنفيذ المركزي سياسة تستهدف السيطرة على معدل التضخم عند معدل مستهدف من أجل ضبط الأسعار التي يمكن أن تتأثر بالتعويم.
بعثة صندوق النقد الدولي في المغرب
يهدف المركزي من تعويم الدرهم إلى تعزيز تنافسية الاقتصاد المحلي على مواجهة الصدمات الخارجية التي قد تؤثر على اقتصاد البلاد بفعل التقلبات المناخية والندرة في المياه، والتوترات الإقليمية والجيوسياسية، وعدم الاستقرار في منطقة اليورو، وأزمة اليونان، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم انتخاب دونالد ترامب في أمريكا.
صندوق النقد الدولي الذي لم يكن غائبًا عن الاقتصاد المغربي أكد سابقًا أن هذا الإجراء سيرفع من تنافسية الاقتصاد المغربي، ويجعله قادرًا على تحمل الصدمات الخارجية بشكل أكبر، ويحسّن مناخ الأعمال، وقال إن قرار المغرب القاضي بالتحول نحو نظام حر لصرف العملة “يعد قرارًا إيجابيًا سيرفع الثقة في الاقتصاد المغربي”.
يختلف تعويم الدرهم عن شكل الذي تم فيه تعويم الجنيه المصري حيث عوم المركزي هناك الجنيه بشكل كامل وترك لقوى السوق بين ليلة وضحاها تحديد سعر الصرف، ما أدى لارتدادات سلبية على الاقتصاد المصري والشعب والعملة نفسها التي فقدت الكثير من قيمتها اعترف بها رئيس بعثة صندوق النقد إلى مصر بعد أكثر من 3 أشهر على التعويم، حيث قال لم نكن نتوقع أن تنخفض قيمة الجنيه إلى هذا الحد بعد تعويمه.
بينما يشير رئيس بعثة الصندوق إلى المغرب، نيكولا بلانشيه إلى نفس النقطة بقوله “إن الدرهم لن يهبط فور تبني البنك المركزي لنظام مرن لسعر الصرف لأن الإصلاح سيكون تدريجيًا… لا نتوقع تقلبات، لأن جميع الظروف اللازمة للانتقال السلس متوافرة” وأضاف أن “القطاع المالي المغربي مهيكل بشكل صلب وأن المخاطر التي تهـدد الاستقـرار المالي تظـل محـدودة”.
تخوفات على الاقتصاد المغربي
أثار قرار التعويم جدلًا عند اقتصاديين مغاربة بين من رأى أن هكذا خطوة ستفتح آفاقًا كبيرة للاقتصاد المغربي، وخصوصًا أن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى تعاف في الوقت الحالي وهذا يسمح بانفتاح في تداول الدرهم وأن الاقتصاد المغربي قد يستفيد من التعويم بسبب قدرته التنافسية.
وبين من تخوف من تداعيات القرار على الاقتصاد والقدرة الشرائية للمواطنين، خصوصًا في ظل تجربة التعويم القاسية التي مرت بها العديد من دول العالم عمومًا وآخرها مصر بعد قرار تعويم الجنيه. فالتداعيات السلبية للتعويم قد تظهر إذا ضعُف الاقتصاد وفي حالة ارتفاع واردات المغرب الخارجية في مقابل استقرار أو تراجع الصادرات، والاقتصاد المغربي لا يعد في مرحلة استقرار تام للدخول في هكذا خطوة.
الدرهم لن يهبط فور تبني البنك المركزي لنظام مرن لسعر الصرف لأن الإصلاح سيكون تدريجيًا
ويرى آخرون أن مشروع تعويم العملة يعد وصفة جاهزة من وصفات صندوق النقد الدولي، التي يريد أن يفرضها على العديد من الدول، فهو من طرحها على المغرب مرارًا وأن الحكومة المغربية تتناغم حاليًا مع توجهات الصندوق، “وبالرغم من ارتفاع رصيد العملة الأجنبية في السنوات الأخيرة، الذي مثل عاملًا مشجعًا للحكومة للشروع في تعويم الدرهم، فإن لا شيء تغير جوهريًا في بنية الاقتصاد المغربي، بما يجعلنا نقبل بعملية كنا نرفضها قبل سنوات قليلة” كما يرى أحد المحللين.
وأنه لن يكون هناك ارتفاع في الاستثمارات الأجنبية جراء التعويم كمال يرى مراقبون ولا يمكن التوقع باستفادة الاقتصاد المغربي من هذا الإجراء، بل سيدخل الاقتصاد المغربي في دوامة تقلبات الاقتصاد الدولي.
وفي النهاية فإن قرار التعويم في حالة الاقتصاد المغربي الذي لم يتطور بالشكل الذي يمكنه من امتصاص الصادمات والتغلب عليها قد لا يعد قرارًا صائبًا في هذه المرحلة حتى لو كانت الأرقام الاقتصادية تشير إلى إمكانية التعويم فإنها ليست كبيرة بشكل كاف.
فاحتياطات المغرب من النقد الأجنبي، تكفي لتغطية واردات السلع والخدمات لمدة 7 أشهر، ومن المتوقع أن ترتفع لتكفي لنحو 8 أشهر في العام الحالي ولا يزال هناك الكثير من الخطوات ليقطعها الاقتصاد المغربي ليصل إلى مرحلة التعويم منها التنافسية والشفافية وتنويع مصادر دخل الميزانية وتعديل الميزان التجاري وتعزيز الصادرات المحلية وتعزيز قدرتها التنافسية وأمور أخرى.