في الواقع، تم استخدام مواد سامة خلال الغارات الجوية التي استهدفت شاحنات النفط في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، وقد ترتب عن ذلك انتشار مرض السرطان والعديد من التشوهات الخلقية.
وعلى الرغم من تعهد الجيش الأمريكي بعدم استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب في ساحات المعارك في العراق وسوريا، إلا أن عدة مسؤولين أكدوا أن الجيش الأمريكي قد أطلق آلاف القنابل التي تحتوي على هذه المادة خلال غارتين على شاحنات النفط في سوريا في مناطق يسيطر عليها التنظيم في أواخر سنة 2015.
تعتبر هذه الهجمات بمثابة أول استخدام مؤكد للجيش الأمريكي لليورانيوم منذ غزو العراق سنة 2003
وتعتبر هذه الهجمات بمثابة أول استخدام مؤكد للجيش الأمريكي لليورانيوم منذ غزو العراق سنة 2003، عندما استخدمت هذه المادة السامة مئات الآلاف من المرات، الأمر الذي أثار موجة غضب داخل المجتمعات المحلية التي زعمت أن هذه المواد السامة من شأنها أن تتسبب في مرض السرطان فضلا عن جملة من التشوهات الخلقية.
وفي هذا السياق، صرح المتحدث باسم القيادة المركزية، الرائد جوش تاكيتس، لموقع “آر وارز” وصحيفة “فورين بوليسي” أن الجيش الأمريكي قد أطلق ما لا يقل عن 5265 طلقة من عيار 30 ملم الخارقة للدروع التي تحتوي على اليورانيوم المنضب في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر و22 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 في سوريا. وقد دمرت هذه الطلقات حوالي 350 سيارة في الصحراء الشرقية في سوريا.
وفي وقت سابق من الحملة، أكد التحالف، بالإضافة إلى مسؤولين أمريكيين، أنه لم يتم استخدام اليورانيوم المنضب ولن يوظف في عمليات ضد تنظيم الدولة. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم التحالف، جون مور، في آذار/مارس من سنة 2015، إن “الولايات المتحدة وطائرات التحالف لم تستخدم ولن تستخدم اليورانيوم المنضب في العراق أو في سوريا خلال عملية “العزيمة الصلبة””.
وفي وقت لاحق من نفس الشهر، أفاد ممثل عن وزارة الدفاع الأمريكية خلال حديث له مع موقع “وور إيز بورينغ” أن الطائرات من طراز A ـ 10 المتواجدة في المنطقة لا يمكن لها الحصول على الذخيرة الخارقة للدروع، التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، نظرا لأن تنظيم الدولة لا يملك دبابات يمكن لهذه الذخيرة اختراقها.
وفي الأثناء، يبقى من غير الواضح ما إذا نفذت هجمات تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2015 بالقرب من مناطق مأهولة بالسكان، أم لا. والجدير بالذكر أنه، وفي سنة 2003، تم إطلاق مئات الآلاف من الذخائر في مناطق مأهولة بالسكان، وذلك خلال الغزو الأمريكي، الأمر الذي أثار استياء عميقا وخوفا شديدا في صفوف المدنيين العراقيين حالة من الغضب في مبنى الحكومة في بغداد، وفي السياق نفسه، وفي تقرير للأمم المتحدة حول اليورانيوم المنضب، عبرت الحكومة العراقية عن “قلقها إزاء الآثار الجانبية” لهذه المادة،
علاوة على ذلك، أوضحت الحكومة العراقية أن أسلحة اليورانيوم المخضب “تشكل خطرا كبيرا على البشر وعلى البيئة”، مما دفعها لحث الأمم المتحدة على إجراء دراسات معمقة بشأن مضاعفات اليورانيوم المنضب. في المقابل، وفي حين لم يتم استكمال هذه الدراسة بعد، بين العديد من العلماء أنه لا وجود “لأدلة وبائية مباشرة” ذات مصداقية تربط بين اليورانيوم المنضب وأي آثار سلبية على الصحة.
وفي الوقت الذي تصر فيه الولايات المتحدة على حقها في استخدام هذا السلاح، أكد بعض الخبراء على أن قرار استخدام السلاح بمثل هذه الكميات ضد الدبابات، علما وأن هذه الأسلحة ليست مصممة لمثل هذه الأهداف، أمر مثير للريبة.
في الحقيقة، إن الغارات الأمريكية كانت جزءا من عملية استهدفت البنية التحتية التي يستغلها تنظيم الدولة لبيع ما قيمته ملايين الدولارات من النفط. وفي هذا السياق، أقرت وزارة الدفاع الأمريكية بأن هجمات السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر في الصباح الباكر بالقرب من البوكمال، وهي مدينة في محافظة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية، قد أدت إلى تدمير 116 شاحنة ناقلة للنفط.
خلافا لذلك، فإن أي هجوم باليورانيوم المنضب على الأراضي العراقية سيكون له تداعيات سياسية خطيرة، نظرا لموجة الغضب التي سرت في صفوف الشعب العراقي حين استخدام اليورانيوم سابقا.
ومن جهة أخرى، يظهر الفيديو أدناه الذي صور في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، ناقلات هوجمت أولا باستخدام الذخائر الكبيرة، قبل أن يتم طمر ناقلات أخرى باستخدام مدافع من طراز 30 ملم.
في حين أن فيديو ثان صور في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، قد نقل عملية تدمير شاحنات تابعة لتنظيم الدولة، التي يُنقل عليها النفط في الصحراء الممتدة بين الحسكة ودير الزور.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم توثيق استخدام اليورانيوم المنضب للمرة الأولى في سوريا من قبل كاتب في وكالة الأخبار “إيرين نيوز”، إلا أن القيادة الأمريكية والقوات الجوية قد نفت ذلك في البداية. وفيما بعد قدمت السلطات الأمريكية رواية مختلفة لما نقله الكاتب، بما في ذلك اعترافا منها، في تشرين الأول/ أكتوبر، بأنه قد تم بالفعل استخدام اليورانيوم.
ومن المثير للاهتمام أن القوات المسلحة الأمريكية قد استخدمت اليورانيوم المنضب، وهو عبارة عن بقايا تخصيب اليورانيوم 235، بهدف اختراق الأهداف المدرعة وحماية دباباتهم التي قد يستهدفها العدو. وعلى الرغم من أنه أقل إشعاعا من اليورانيوم الأصلي، إلا أن اليورانيوم المنضب سام للغاية، حيث اعتبرته وكالة حماية البيئة الأمريكية، “إشعاعا خطيرا جدا على صحة الإنسان إذا ما دخل جسده”، علما وأن اليورانيوم يمكن أن يتسرب إلى جسم الإنسان من خلال استنشاق جزيئات صغيرة منه.
ومع ذلك، فإن الأطباء والنشطاء المناهضين للأسلحة النووية، قد ذكروا أنه لا يوجد ما يكفي من الأبحاث لإثبات الآثار الجانبية للتعرض لليورانيوم على صحة الإنسان. والأهم من ذلك أن غياب بحوث شاملة عن الأمراض والمضار الصحية لليورانيوم في مناطق ما بعد الصراع التي استخدم فيها، قد أدى إلى انتشار افتراضات ونظريات حول إمكانية تسبب اليورانيوم المنضب في تشوهات خلقية بالإضافة إلى مرض السرطان.
في الحقيقة، إن إطلاق قذائف قرب مناطق سكنية له تأثير نفسي عميق على السكان، إذ أن ذلك من شأنه أن يخلق حالة من الضيق والقلق الشديد، وهو ما أشارت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سنة 2014.
وعلى الصعيد الدولي، يتواجد اليورانيوم المنضب في مناطق رمادية بطريقة قانونية. وفي الوقت ذاته، لم يمنع استعماله بطريقة واضحة من قبل الاتفاقيات التابعة للأمم المتحدة، مثل تلك التي تقيد استخدام الألغام الأرضية أو الأسلحة الكيميائية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تفرض قيودا صارمة على التعامل مع هذا السلاح محليا، إلا أنها لا تنظم استخدامه خارج حدودها وخاصة في المناطق المدنية.
وفي السياق نفسه، قال الباحث القانوني وأستاذ علم البيئة في جامعة روتجرز، سيمي باين، الذي قام بالعديد من الأبحاث حول اليورانيوم المنضب، “أعتقد أنه على القانون الإنساني الدولي أن يولي أهمية أكبر لهذه المسألة، وكما اهتممنا في السنوات الأخيرة بفترة ما بعد الصراع والتفكير الدائم في السلام، فإنه يجب أيضا أن ننتبه لحاجتنا الملحة لبيئة نظيفة”.
ومن جانب آخر، أفاد الناطق الرسمي باسم القيادة المركزية الأمريكية، جاك، أن السبب وراء إطلاق الذخيرة، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، يعود إلى “ارتفاع احتمال تدمير الأهداف”.
في الواقع، وبعد وقت قصير من بداية الهجومين، نشر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، شريط فيديو يظهر عدة مركبات، محملة بالقنابل والصواريخ، بالإضافة إلى أنها نقلت عملية اطلاق ذخائر من عيار 30 ملم من مدافع على متن طائرات من طراز A10، ولكن لم يقع تحديد ما إذا كانت المدافع محملة باليورانيوم المنضب. والجدير بالذكر أن أشرطة الفيديو هذه قد أزيلت من القنوات الرسمية للتحالف في الأشهر الأخيرة.
ومن المرجح أنه عند تم تحميل اليورانيوم المنضب في طائرات A10، تمت إضافة كمية قليلة من الذخائر التي تمتاز بكونها حارقة وشديدة الانفجار، لتشكل مجتمعة “مزيجا للقتال”.
في تشرين الثاني /نوفمبر 2015، تم استعمال حوالي 6320 طلقة من هذا المزيج في سوريا، حسب ما أفادت به القيادة المركزية الأمريكية، تقسمت كما يلي: 1790 طلقة من عيار 30 ملم و 1490 طلقة تتضمن اليورانيوم المنضب أطلقت في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، و4530 طلقة من مزيج القتال، من بينها 3775 طلقة تتضمن اليورانيوم المنضب الخارق للدروع، أطلقت في 20 تشرين الثاني /نوفمبر.
أن الولايات المتحدة قد سبق واستعملت اليورانيوم المنضب في العديد من المناطق، ومن بينها منطقة البلقان، إلا أن محور الاهتمام ظل حرب العراق، التي سجلت حوالي مليون طلقة بين حرب الخليج الأولى والغزو الأمريكي في سنة 2003
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد سبق واستعملت اليورانيوم المنضب في العديد من المناطق، ومن بينها منطقة البلقان، إلا أن محور الاهتمام ظل حرب العراق، التي سجلت حوالي مليون طلقة بين حرب الخليج الأولى والغزو الأمريكي في سنة 2003.
علاوة على ذلك، أظهر تحليل حديث للبيانات المتعلقة بغزو الولايات المتحدة للعراق، في سنة 2003، التي لم يتم الكشف عنها سابقاً، أن معظم ذخائر اليورانيوم المنضب قد أطلقت في ما أسموه “الأهداف اللينة”، كالسيارات ومواقع الجيش، بدلاً من استهداف الدبابات والعربات المدرعة، وذلك عملاً بالمبادئ التوجيهية التي نص عليها البنتاغون والتي تعود إلى سنة 1975، بعد مراجعتها من قبل القوات الجوية الأمريكية.
وفي هذا الإطار، ينص قانون الحرب للبنتاغون أن “اليورانيوم المنضب يمكن أن يستعمل في بعض الذخائر بسبب كثافته ولأن خصائصه الفيزيائية تكون مزيجاً فعالاً قادراً على اختراق عربات العدو المدرعة، بما في ذلك الدبابات”. في المقابل، أكد الباحثون الذين أجروا تحليلا معمقا لحرب العراق في 2003 أن الشاحنات التي وقع قصفها في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، لم تكن مدرعة ووصفت على أنها “أهداف لينة”. في واقع الأمر، ووفقاً لما ورد على لسان مسؤولين أمريكيين، يبدو أن المدنيين هم من كانوا يحرسون الشاحنات وليس عناصر تنظيم الدولة.
وفي الأثناء، صرح ممثل لوزارة الدفاع الأمريكية أن الطائرات الأمريكية قد ألقت العديد من المنشورات، قبل الهجوم الذي نفذ في 16 تشرين الثاني / نوفمبر، بغية تحذير المدنيين من هجوم وشيك، في محاولة منها لتقليل الخسائر.
ومن جانبه، أفاد رئيس التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم، دوغ وير، أنه “من الصعب إيجاد تبرير عسكري لاستخدام ذخائر اليورانيوم المنضب ضد ناقلات النفط، بالاعتماد على الحجج التي لجأت إليها الولايات المتحدة لتبرير أسباب استعمالها لهذه الذخيرة لتدمير الأهداف المدرعة”. وأضاف وير، أن “الناقلات كانت غير مدرعة، لذلك كانت الذخائر الحارقة وشديدة الانفجار كافية للقيام بهذه المهمة”.
لم يحسن تنظيم الدولة التعامل مع الذخائر التي انتشرت في شرق سوريا بعد الهجوم. وبالتالي، فإن السكان المحليين لن ينجوا من التأثيرات السامة لليورانيوم المنضب في السنوات القادمة
على العموم، لم يحسن تنظيم الدولة التعامل مع الذخائر التي انتشرت في شرق سوريا بعد الهجوم. وبالتالي، فإن السكان المحليين لن ينجوا من التأثيرات السامة لليورانيوم المنضب في السنوات القادمة، حتى وإن لم يظهر المدنيون، وسائقو الشاحنات، أعراضاً واضحة للتسمم.
ومن جهة أخرى، تسأل كبير الباحثين في منظمة باكس الهولندية، ويم زويجننبرغ، عن مآل العربات المدمرة، حيث بين أن “على الأرجح ستلقى هذه العرابات في ساحات الخردة، أين ستجرد من القطع ذات القيمة، وبالتالي ستكون حياة العاملين هناك من المدنيين عرضة للخطر”.
وفي حين أن هناك رؤية شبه واضحة حول شكل الحكم في شرق سوريا بعد تنظيم الدولة، إلا أنه لا يمكننا معرفة كيف سيتم التعامل مع اليورانيوم المنضب الذي انتشر في كامل المنطقة نتيجة للهجمات التي نفذتها الولايات المتحدة.
المصدر: فورين بوليسي