يعد التحدي الأكبر الذي يواجه مهنة المصوّر في المطلق، أن يفهم ما الأثر الذي ستتركه صورته فيمن يشاهدها، إلا أن الأمر يختلف عندما نتحدث عن مصوري رؤساء العالم، فهم على وعي تمامًا بأنهم يصنعون التاريخ بصورهم، وأن صورتهم ستظل أبد الدهر في الأرشيف الرئاسي، لتؤرخ حقبة يعيشها ذلك الرئيس بالتحديد ويعيشها العالم أجمع.
يقع على عاتق المصور الرئاسي مهمة في غاية الصعوبة ألا وهي إظهار الجانب الإنساني من الرئيس في صوره، فكما يقول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن مصور البيت الأبيض بيت سوزا بأنه صار فردًا من العائلة، حيث يشهد معه لحظات قراراته الحاسمة التي ستؤثر على ملايين في الولايات المتحدة وكذلك حول العالم، كما يشهد معه خطاباته الحماسية لعشرات الآلاف من الجماهير، واجتماعاته المعقدة مع أعضاء الكونجرس، ويشهد بعدسة كاميرته أوباما الأب وهو يداعب ابنتيه ويحتضن زوجته أو وهو يتسابق مع أحد الأطفال في أثناء زيارة للأخير للبيت الأبيض.
أما بيت سوزا نفسه فيعبر في هذا الفيديو الوثائقي عن حياته كمصور رئاسي قائلًا بأن التحدي الأكبر الذي يواجهه هو خلق أرشيف رئاسي سيعيش في المطلق ويُخلّد بين الرؤساء، أليس هذا هو طموح المصوّر بالفعل، أن تبقى صوره ذات أثر ومكانة طول العمر؟
لقد غطى المصورون الرئاسيون أحداث العالم كلها قبل أن تحدث وهي طي الكتمان خلف جدران غرف العمليات الصعبة وغرف الاجتماعات الطويلة، كل اجتماع رئاسي يُسجل، ولهذا فلمصوّر الرئيس حضور أكثر من الرئيس نفسه، لأنه يعتبر ظله وسِجل تاريخه الملازم له، فيغطي بصوّره له المآسي وقرارات الحروب والحزن وكذلك الفرح.
ربما يأتي “بلاتون” مصور أغلب رؤساء العالم في مرتبة أعلى من مصور البيت الأبيض من حيث الأهمية، فإذا قمت بجولة سريعة في استوديو التصوير الخاص بالمصوّر بلاتون، ستجد صور شخصية “بورتريه” لكل رؤساء وملوك العالم تقريبًا، فبلاتون مصور إنجليزي لُقب بمصور القرن الواحد والعشرين الرئاسي، حيث كانت إحدى صوره للرئيس الروسي فلادمير بوتن غلافًا لمجلة ime Magazine” لعام 2007، وإحدى الصور الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم أيضًا، يتحدث عنها بلاتون في لقاء قصير مع السي إن إن ليروي قصة الصورة كالتالي:
مهمتي أن أقوم بأنسنة السلطة، وتسليط الضوء على الجانب الإنساني من الرئيس، ولهذا أحصل على الحقيقة، فالحقيقة هي الوجه الآخر للسلطة
كان ذلك جزءًا من حديث بلاتون مع الرئيس الروسي بوتين عندما وُكلت إليه مهمة تصويره لشخصية العام على مجلة “تايم” في عام 2007، يروي بلاتون بأن المكان يكون مهيبًا بحق، لا يريح أي مصور اعتيادي، مليء بالكاميرات والحراس ضخام الجثة، تجد الرئيس وسط مستشاريه وأعوانه، ولكن يروي بلاتون أن السر يكمن في ألا يهاب الرئيس مطلقًا، فهو هنا كي يسلط الضوء على الجانب الإنساني منه، لذا بدأ بلاتون حديثه مع الرئيس الروسي متسائلًا: هل تحب فرقة الـ”Beatles” سيدي؟
جاءه الرد بالروسية، ليعقبه خروج جميع من في الغرفة من أعوان ومستشارين ويبقى قلة قليلة من حراس الرئيس، ليعود إليه بوتن ويتحدث بإنجليزية سليمة: “نعم، أنا عاشق لفرقة الـBeatles”، ليسأله بلاتون: ما أغنيتك المفضلة؟ فينظر بوتن للسقف ويقول في حنين: “أغنية Yesterday”، من هنا ينال المصوّر مراده، لقد نال صداقة سريعة مع الرئيس، وبناءً عليه سيستطيع تصوير الجانب الإنساني للسلطة!
حديث “بلاتون” عن التصوير الرئاسي
“أنا أصنع التاريخ أمام كاميرتي، وهذا فخر لي” – بلاتون
خاطرت بحياتي من أجل الصورة
ربما يكون ذلك اعتياديًا حينما نسمعه من مراسلي ومصوري الحروب، إلا أنه غريب بعض الشيء إذا كان من مصور رئاسي، روى بلاتون في أحد لقاءاته الصحافية تفاصيل صورة زعيمة المعارضة في بورما أون سان سو تشي، والتي لاحقته بسببها السلطات في مطاردة للسيارات استمرت لبضعة ساعات قبل أن يستطيع بلاتون الهرب بالصورة، حيث وضع الفيلم الذي يحمل عليه الصورة في جوربه في أثناء سفره من المطار خوفًا من سحب السلطات له وضياع الصورة منه، أما عن حديثه مع أون سان سو تشي نفسها، فقال لها”:
“أنا هنا لأصوّر روحك، وليس وجه السلطة المعتاد عليه، ولهذا الغرض قد قطعت أميالًا”
أون سان سو تشي
المصور الذي امتنع عن تصوير الرئيس
حسن دياب، التحق بدار “أخبار اليوم” عام 1948، وفي أثناء عمله بأخبار اليوم استطاع من خلال عدسته المميزة أن يصبح المصور الخاص للرئيس جمال عبد الناصر، بحسب رواية موقع “ذاكرة مصر المعاصرة” عن يوم حسن دياب الأول لتصوير جمال عبد الناصر، كان لتصوير أحد الاجتماعات ووجد دياب غرفة مكتوب على بابها “القائد” فوقف أمامها مقررًا أن يلتقط صورة للشخص الذي سيخرج من الغرفة وكان أن خرج من تلك الغرفة جمال عبد الناصر وفى الحال لمع فلاش حسن دياب فنظر له جمال عبد الناصر ثم نادى شخصًا من الشرطة العسكرية وطلب منه تسهيل مهمة حسن دياب بعد ذلك لكي لا تفارق عينه جمال عبد الناصر بعد تلك اللحظة.
حسن دياب هو المصور الذي امتنع عن تصوير الرئيس مرتين، الأولى يوم 5 من يونيو 1967عندما رأى حسن دياب، وهو المصور الوحيد الذي كان في مقر القيادة، عبد الناصر في لحظة خروجه من المقر يجر ساقيه من جراء الهزيمة، هذا المشهد من الناحية الصحفية كان لا بد من تسجيله وكان من المؤكد أن تتبادله كل وكالات الأنباء الأخرى، ولكن دياب تعامل مع الموقف بعاطفته تجاه بلده، وتجاه الرئيس عبد الناصر ولم يلتقط الصورة.
جمال عبد الناصر
والثانية يوم وفاة عبد الناصر حيث بقى حسن دياب في بيته لأنه لم يتحمل فكرة أن ترتفع يداه بالكاميرا ليصور الرجل الذي طالما كان يصوره وهو ممتلئ بالأمل والحماس، حيث كان الحس الصحفي للمصور دياب متيقظًا طول رحلته مع الرئيس جمال عبد الناصر، ففي فترة من الفترات انتشرت شائعة تقول إن الرئيس عبد الناصر أُصيب بالشلل لينتهز دياب فرصة إحدى المقابلات لجمال عبد الناصر مع أحد الشخصيات العامة ويلتقط صور المقابلة كاملة وحرص فيها على إظهار حركة جمال عبد الناصر، ونشرها محمد حسنين هيكل على مساحة كبيرة في الصفحة الأولى بجريدة الأهرام.
ربما يصنع المصور الرئاسي التاريخ، فيجعل من الصورة أيقونة تاريخية تخلد في الأرشيف الرئاسي، وربما يجعل من رئيسه أضحوكة العالم كما هو الحال مع كثير من رؤساء ما بعد الربيع العربي، إلا أن الصورة تبقى تاريخًا حيًا، وكواليسها تختلف تمامًا عما يظهر لنا.