يتمثّل الهدف العريض والعنوان الرئيسي لتكتل بريكس (BRICS) – كما أشرنا لذلك في مقالة سابقة، – بالوصول إلى عالم متعدد الأقطاب، وتحقيق العدالة للجنوب العالمي في المؤسسات الأممية السياسية والاقتصادية منها.
ويشهد تكتل بريكس تقدمًا سريعًا وازديادًا واضحًا في الاهتمام العالمي به، سواء من قبل الغرب الذي يعد فكرة التكتل موجّهة ضد مصالحه، أو من قبل دول الجنوب العالمي (Global South)، خصوصًا أولئك المهتمين والراغبين بالانضمام إلى التكتل، حتى وصل عدد الدول التي تقدمت بطلب للعضوية أكثر من 20 دولة منها دول عربية بطبيعة الحال.
ومع هذه الأهمية الواضحة، صار التكتل حديث العالم من خلال وسائل الإعلام وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء، خصوصًا في الآونة الأخيرة.
جديد بريكس.. قمة جوهانسبرغ 2023
اُختتمت في 24 أغسطس/ آب الماضي قمة البريكس الـ 15 التي انعقدت في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، وهي القمة الأكثر أهمية خلال تاريخ التكتل القصير، وقد أدارت جنوب أفريقيا القمة باقتدار، بحيث حظيت القارة السمراء بتركيز واضح خلال القمة، حتى إن الشعار الرسمي للقمة كان “بريكس وأفريقيا: الشراكة من أجل نمو متبادل ومتسارع وتنمية مستدامة وتعددية شاملة”، ومن أهم النقاط التي نوقشت واتخذ قرارات بشأنها:
- كان متوقعًا لدى الكثير من المراقبين أن يتم مناقشة إطلاق مشروع العملة الموحّدة لدول تكتل بريكس، لذلك كان الاهتمام العالمي كبير بالقمة ومخرجاتها، إلا أن الدول الأعضاء كانت من الحكمة بمكان أنها أجّلت هذه الخطوة نظرًا إلى عدم الاستعداد، لذلك كان من ضرورة مشاركة أعضاء جدد في القرار، وكذلك من ناحية ضرورة توفير البنية التحتية اللازمة لهذه الخطوة الكبيرة.
- لذلك جرى الاتفاق على تعزيز التبادل التجاري فيما بين الدول الأعضاء باستخدام عملاتها المحلية.
- كذلك اتُخذ قرار مهم بتوسعة التكتل، من خلال دعوة 6 دول جديدة للانضمام إلى بريكس اعتبارًا من الأول من يناير/ كانون الثاني من العام المقبل، وهذه الدول هي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ما هي الفوائد التي حصل عليها تكتل بريكس؟
قبل الغوص في الفوائد والميزات التي قد يجنيها الأعضاء المنضمون حديثًا، من المفيد تسليط الضوء على الفوائد التي قد تعود على بريكس كمجموعة أو تكتل.
فيُرتقب، نظرًا إلى طبيعة وإمكانات الدول المنضمّة حديثًا، أن يحقق التكتل فوائد كبيرة، سواء على صعيد الموقع الجغرافي الاستراتيجي للدول الجديدة أو على صعيد الموارد الطبيعية من مصادر الطاقة، أو حتى على صعيد التعداد السكاني الهائل لهذه الدول.
فتكتل بريكس وبحلول الوقت الذي يصبح فيه هذا التوسع ساري المفعول، سيغطي 33% من مساحة الكرة الأرضية، و46% من سكان العالم، و29% من الناتج المحلي الإجمالي، أما بالنسبة إلى موارد الطاقة فاعتبارًا من الأول من يناير/ كانون الثاني 2024، وهو تاريخ تفعيل هذه التوسعة، سيسيطر تكتل بريكس على 40% من إجمالي احتياطي النفط العالمي، و53% من احتياطي الغاز في العالم، فليس من قبيل المصادفة أن أكبر المصدرين للنفط والغاز وكذلك أكبر مستوردي موارد الطاقة في العالم هم زملاء تحت سقف تكتل بريكس.
ما هي الفوائد التي قد يحصل عليها الأعضاء الجدد؟
سوف نركز هنا على الفوائد التي ستحصل عليها الدول العربية وإيران من خلال الانضمام إلى البريكس.
فمن خلال دراسة تاريخ التكتلات الاقتصادية، يتضح أن الدول ذات الاقتصادات القوية والمستقرة والتي تتمتع بوفرة وفوائض مالية، تستفيد أكثر من تلك الدول ذات الاقتصادات المتعثرة، لذلك فإن عضو مثل الصين سيتمتع بمزايا وفوائد كثيرة، لذلك ينبغي ألّا نبالغ في التفاؤل بشأن المكاسب والمزايا التي قد تحصل عليها بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من هذه العضوية، وتحديدًا الفقيرة منها:
- إيران: لا يخفى على أحد أن واحدًا من أهم أهداف إيران من الانضمام إلى التكتل هو المناورة ومحاولة التملص من العقوبات الغربية، خاصة مع الخطوات المتخذة لتطوير نظام جديد للتحويلات المالية للكتلة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إيران مؤهّلة لأن تكون هدفًا للمستثمرين من الأعضاء الكبار مثل الصين وروسيا، وكلاهما يمتلك وفرة مالية نتيجة الفوائض في الميزان التجاري لديهما.
- السعودية: من خلال شراكتها الاستراتيجية مع روسيا في مجموعة أوبيك +، وبانضمامها الآن (إذا تمَّ) إلى تكتل بريكس، تحاول المملكة السيطرة على تجارة النفط أو على الأقل ضمان أسعار عادلة من خلال التحكم بكمية المعروض، خصوصًا بوجود زملاء في التكتل هم من كبار المستهلكين خصوصًا الصين والهند، هذا من ناحية.
هناك أيضًا فوائد أخرى ستحققها المملكة من خلال تنويع استثماراتها عبر بوابة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، من خلال ضخّ جزء من فوائضها المالية في أسواق جديدة ضمن أعضاء بريكس والعكس صحيح أيضًا، إذ يوجد فرص لاستقطاب مستثمرين من دول بريكس خصوصًا من الصين وروسيا، آخذين في الاعتبار أنه سيُصار إلى عقد اتفاقات ثنائية وجماعية بين الأعضاء على صعيد التجارة البينية والاستثمار المتبادل والاتفاقات الجمركية. - الإمارات: كذلك الأمر بالنسبة إلى الأشقاء في الإمارات العربية، فسوف يستفيدون من تنويع استثماراتهم في أراضي الدول الأعضاء، مع الأخذ في الاعتبار أن الإمارات قد انضمت إلى بنك التنمية الجديد التابع لتكتل بريكس حتى قبل عضوية التكتل.
- مصر: مع معاناتها من نقص كبير في العملات الأجنبية اللازمة لتمويل مشترياتها الخارجية، ودعم احتياطيات البنك المركزي وكذلك سداد التزاماتها الائتمانية، وكذلك بالنظر إلى تصنيفها الائتماني المتواضع، تدرك الحكومة المصرية أنه من الصعب بمكان الحصول على تمويل من المؤسسات الدولية التقليدية، كصندوق النقد الدولي والمانحين والمقرضين الآخرين في الخارج.
لذلك تعتقد الحكومة أنها ستجد فرصة لتنويع مصادر تمويلها والحصول على قروض جديدة من بنك التنمية الجديد (NDB) بشروط أفضل وأسعار فائدة أقل، لكن عليهم، أي المصريين، أن يدركوا، وهم مدركون، أن رأسمال بنك التنمية الجديد لا يزال صغيرًا جدًّا مقارنة بالمؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبالتالي فإن القروض التي يمكن أن تحصل عليها مصر -إن حصلت- ستكون متواضعة مقارنة بحاجتها إلى تمويل كبير للخروج من الأزمة الحالية.
أما من حيث الاستثمارات، فهناك فرصة جيدة لمصر لجلب المستثمرين من أعضاء البريكس، لكن قبل ذلك عليها ضمان بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين من جميع دول البريكس، مثل السعودية والإمارات والصين وحتى روسيا، فلا بدَّ من اتخاذ قرارات شجاعة بالإصلاح وتغيير طريقة إدارة الاقتصاد، من حيث تحرير الاقتصاد من قبضة الحكومة والجيش، وضمان منافسة عادلة للمستثمرين المحتملين، ومن ضمن ذلك عرض بعض الشركات المملوكة للحكومة والجيش للبيع دون شروط تعجيزية.وبالمناسبة هناك الكثير من عروض الشراء بشروط، مثل الشراء لكامل الحصص، وكذلك ضمان عدم دخول الحكومة مرة أخرى إلى المجال نفسه كمنافس للمستثمرين الجدد وبطريقة غير عادلة.
إذن، يُنتظر أن تلتحق كلّ من السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا اعتبارًا من الأول من يناير/كانون الثاني 2024 إلى التكتل، ما يمنح مجموعة دول بريكس الناشئة الساعية إلى تعزيز نفوذها في العالم، موقفًا أوزن على الصعيد الدولي، سياسيًا واقتصاديًا، ويدفع )انضمامها) باتجاه اقتناص الفرص التي أشرنا إليها إذا ما عملت على تقليص العراقيل التي تعترضها.