البرهان وقوى الحرية.. لماذا أصبحت الدوحة محطّ اهتمام الأطراف السودانية؟

أجرى قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان، الخميس الماضي الموافق لـ 7 سبتمبر/ أيلول الحالي، زيارة إلى دولة قطر ضمن جولات خارجية ابتدرها بالقاهرة أواخر أغسطس/ آب الماضي، عندما خرج بعملية عسكرية من القيادة العامة للجيش التي ظلّ فيها منذ اندلاع الحرب يوم 15 أبريل/ نيسان الماضي.

قبل زيارة البرهان بأيام قليلة، وصل إلى العاصمة القطرية الدوحة وفد من قوى الحرية والتغيير التي كانت تمثل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، قبل أن يطيح بها الجنرالات في انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

نستعرض في هذا التقرير الأسباب التي دعت كلا الطرفَين، العسكر والمدنيين، إلى اهتمامهما بقطر ورغبتهما في كسب تأييد الدوحة لمواقفهما، خلافًا لما كان عليه الوضع قبل الانقلاب، إذ اتصفت علاقات حكومة ما بعد البشير بالبرود مع قطر، إذ ركّز المكونان المدني والعسكري على تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

الحرية والتغيير.. جولات إقليمية

في مطلع يوليو/ تموز الماضي، غادر وفد من تحالف الحرية والتغيير وقادة سياسيين الخرطوم إلى الخارج، بعد أكثر من شهرَين من اندلاع الحرب الدموية بين الجيش والدعم السريع.

المحطة الأولى لوفد الحرية والتغيير “قحت” كانت أوغندا، حيث وصل وفد رفيع من القوى السياسية إلى عنتيبي الأوغندية، وأجرى محادثات مع الرئيس يوري موسيفيني بحثت تطورات الأوضاع في السودان ورؤية الائتلاف لوقف الحرب.

ومن أوغندا توجّه وفد “قحت” إلى نيروبي، إذ أجرى مباحثات مع الرئيس الكيني وليام روتو في نيروبي، التزم خلالها الأخير بالعمل “مهما كانت التحديات” لوقف الحرب بين الجيش والدعم السريع.

ترأّست كينيا اللجنة الرباعية التي شكّلتها الهيئة الحكومية للتنمية “إيقاد”، والرامية إلى وقف الحرب التي يشهدها السودان منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، لكن حكومة الأمر الواقع السودانية بقيادة البرهان اعترضت على رئاسة كينيا لهذه اللجنة واتهمتها بعدم الحياد.

في أعقاب ذلك اتجه وفد المدنيين إلى القاهرة، حيث عُقد في أواخر يوليو/ تموز الماضي اجتماع للقوى المدنية السودانية، مكمّلًا لما بدأ في 13 يونيو/ حزيران من استضافة القاهرة لقمة دول جوار السودان، كمبادرة مطروحة من دول الجوار لإيجاد صيغة مُرضية لكافة الأطراف، في ضوء القيود المفروضة على الرؤى البديلة وفي ضوء سعي المبادرة لضمّ كافة دول الجوار الأفريقي.

خروج عن حالة الصمت

سعت قوى الحرية والتغيير مؤخرًا للخروج عن حالة الحياد والصمت التي التزمت بها في بداية الصراع، والتي تسبّبت في اتهامها بالانحياز إلى أحد طرفَي الصراع (الدعم السريع)، نظرًا إلى عدم إدانتها الانتهاكات الواسعة التي تورّطت فيها قوات حميدتي من قتل واغتصاب ونهب ودمار للبنية التحتية وتطهير، وكلها جرائم وثّقتها منظمات دولية مثل الأمم المتحدة وهيومان رايتس ووتش، كما أدانتها الولايات المتحدة التي فرضت مؤخرًا عقوبات على الرجل الثاني في الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، بسبب تورطه المباشر في تلك الانتهاكات.

بعد القاهرة، عادت قوى الحرية والتغيير إلى شرق أفريقيا مرة أخرى، إذ عقدت اجتماعًا آخر في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمشاركة الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري “الحركات المسلحة”.

أما آخر محطات قوى الحرية في جولاتها الإقليمية كانت العاصمة القطرية الدوحة، حيث أثارت الزيارة استفهامات عديدة باعتبار قطر لم تكن محطّ اهتمام قوى الحرية والتغيير طيلة الفترة التي أمضاها الائتلاف المدني في الحكم قبل الانقلاب، إذ حرصت قوى الحرية والتغيير في تلك الفترة على تعزيز علاقاتها مع السعودية والإمارات من خلال الزيارات المتبادلة والترويج لمصالح أبوظبي في السودان، كما كان يفعل وزير مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف.

الإعلام القطري يتجاهل زيارة وفد “قحت”

من اللافت في زيارة وفد قوى الحرية والتغيير إلى الدوحة أن الإعلام القطري الرسمي لم ينقل أي شيء عن اجتماعات الوفد السوداني مع المسؤولين القطريين، وكان المصدر الوحيد لتلك اللقاءات هو البيانات التي تصدرها قوى الحرية والتغيير.

في المقابل، حظي قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان باستقبال ووداع رسميَّين نقلتهما وكالة الأنباء الحكومية “قنا”، كما عقد البرهان جلسة مباحثات رسمية مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث أَطلع الأخير على مستجدات الأوضاع والتحديات التي يواجهها السودان.

وجدد أمير قطر، خلال الجلسة، “التأكيد على موقف دولة قطر الداعي إلى وقف القتال في السودان، وانتهاج الحوار والطرق السلمية لتجاوز الخلافات، وتطلعها إلى انخراط كل القوى السياسية السودانية في مفاوضات واسعة بعد الوقف الدائم للنزاع العسكري، وصولًا إلى اتفاق شامل وسلام مستدام يحققان تطلعات الشعب السوداني الشقيق في الاستقرار والتنمية والازدهار، مثمّنًا في هذا الصدد الجهود الإقليمية والدولية والمساعي الحميدة الهادفة لإنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في السودان”، وفقًا لوكالة الأنباء القطرية الرسمية “قنا”.

كل المؤشرات تدلّ على أن الجنرال البرهان وقوى الحرية طلبا زيارة الدوحة كلًّا على حدة، أي أن قطر لم توجّه إلى أي منهما دعوة رسمية لزيارة البلاد، لكن الاستقبال الرسمي الذي حظي به البرهان من قبل الشيخ تميم يوضّح أن قطر تتعامل معه باعتباره يمثل السلطة الحالية في السودان، تمامًا كما تفعل الأمم المتحدة التي دعته لتمثيل السودان وإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة التي ستعقد دورتها الـ 78 خلال سبتمبر/ أيلول الحالي.

قد يكون البرهان طلب دعمًا من قطر

سأل “نون بوست” الباحث في العلاقات الدولية أحمد زمراوي عن مغزى الزيارتَين في هذا التوقيت، فأجاب بقوله: “تأتي الزيارتان في سياق شرح موقف الأطراف الفاعلة”، مشيرًا إلى أن قوى الحرية قامت بجولات في مصر وعدة دول أفريقية في سياق إيضاح رؤيتها لوقف الحرب، تقدم نفسها كجهة سياسية فاعلة، رغم أنه تم إقصاؤها من مفاوضات جدة.

وأضاف محدثنا: “الشيء نفسه ينطبق على البرهان الذي بدأ جولته من القاهرة ثم جنوب السودان والدوحة، وربما قريبًا يزور جدة كخاتمة لجولته”، قبل أن يستدرك قائلًا: “إن زيارة البرهان إلى قطر ربما تقرَأ بأنه يبحث عن دور عربي أكبر في الأزمة السودانية، بالنظر إلى توتر علاقاته مع الاتحاد الأفريقي ودول مؤثرة مثل كينيا”.

موضّحًا أن قطر قدمت دعمًا مقدّرًا للسودان لمواجهة الكارثة التي خلفتها الحرب، متمثلًا في الجسر الجوي الإنساني الكبير والمساعدات الطبية المستمرة، إضافة إلى تكفل الحكومة القطرية بشحن مصنع الجوازات السودانية إلى بورتسودان.

وإجابة عن سؤال لـ”نون بوست” عما إذا كان البرهان يسعى إلى دعم من الدوحة، قال المختص في الشأن السوداني أحمد زمراوي: “أتوقع أن يكون قد طلب من القطريين دعمًا سياسيًّا أو عسكريًّا، خاصة أنه ألمح إلى بقائه في المشهد خلال الفترة القادمة عندما تحدث قبل أيام عن نهاية الدعم السريع والذين راهنوا عليه”.

وأضاف أنه يعتقد أن يكون تعامل المسؤولين القطريين حذرًا، لأنهم يقدمون أنفسهم كوسطاء كما حدث في الشأن الأفغاني بين طالبان والولايات المتحدة وبين الأخيرة وإيران، مختتمًا بقوله: “ليس من المهم الطلبات التي تقدَّم في الغرف المغلقة، لكن ردة الفعل دائمًا هي الأهم”.