اتفقت آراء المحللين والخبراء السياسيين والاقتصاديين والأمنيين حيال عدم تحقيق ثورة السابع عشر من فبراير لأهدافها في ليبيا،على الصعيد الأمني والاقتصادي والسياسي. وتباينت الآراء حول أسباب عدم تحقيق الأهداف.
الثورة التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي الذي اعتلى سدة الحكم لاثنين وأربعين عاما بعد انقلاب عسكري على ملك البلاد محمد إدريس السنوسي في الأول من أيلول/سبتمبر 1969، ولم تشهد البلاد بعد ثورة فبراير استقرار سياسيا وأمنيا، سوى لمدة قصيرة، انتهت ببروز الانقسام السياسي بين الشرق والغرب، الذي بدأ بإطلاق عمليتين عسكريتين عام 2014 في بنغازي وطرابلس راح ضحيتها المئات من القتلى والآلاف من الجرحى.
الدولة العميقة:
ويرى الخبير الأمني سليمان بن صالح أن الثورة لم تحقق أهدفها في بسط الاستقرار الأمني في كامل أنحاء البلاد، لأن نجاح الثورة كان حسما عسكريا فقط لصالح الثوار دون استئصال الدولة العميقة للقذافي التي بدأت بالعمل على عرقلة مسيرة الثورة من خلال زعزت الأمن في البلاد بتنفيذ عمليات اغتيال وإخفاء قسري وشراء للذم لإيصال رسالة للمواطن بأن الثورة فشلت لتصل به إلى طريق مسدود لا يجد فيه حلا إلا بعودة نظام القذافي، وفق قوله
ويضيف بن سليمان في تصريحه لموقع ليبيا الخبر، أن هذه الدولة نجحت في زرع ممثلين لها داخل الأجسام السياسية المنتخبة وعملت إلى جانب تابعين للنظام السابق من خارج البلاد على تقويض العملية الديمقراطية وتشجيع الفارين من العدالة على ارتكاب أفضع الجرائم في البلاد وتسخير الإعلام لشيطنت أطراف دون أخرى وخلطت الأوراق على المواطن حتى وصلت البلاد إلى ماهي عليه من إنعدام الأمن وانتشار للفوضى وغياب ملحوظ لسلطة حقيقبة للقانون على الأرض.
وبين بن سليمان أن تدهور الوضع الأمني أدى إلى صعود فئة باحثة عن السلطة أشعلت فتيل الحروب التي لم تنتهي متذرعة بمحاربة الإرهاب إضافة إلى تنظيم الدولة الذي ظهر وتوسع مستغلا الفراغ الأمني .
انتكاسة اقتصادية:
ويقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة خالد الدلفاق: إن الثورة لم تحقق الرفاه الاقتصادي الذي كان ينتظره المواطن؛ بسبب ارتباط الاقتصاد بالجانب الأمني والسياسي، اللذان لم يستقرا منذ اندلاعها عام 2011.
يرى الدلفاق في تصريحه لموقع ليبيا الخبر أن الأزمة المعيشية الخانقة للمواطن حلقة متصلة سببها الانقسام السياسي الذي أدى إلى الفراغ الأمني، والذي تسبب بدوره في إهدار المال والعبث بمقدارات الدولة، على حد تعبيره.
إغلاق الموانئ النفطية:
وأشار الدلفاق إلى أن الأزمة الاقتصادية بدأت مع إغلاق الموانئ النفطية عام 2013؛ نتيجة الانقسام السياسي مبينا أن الإغلاق؛ تسبب في انخفاض معدل النقد الأجنبي بمصرف ليبيا المركزي- لأن ليبيا دولة ريعية والنفط هو المصدر الوحيد للنقد الأجنبي- الذي أدى إلى استغلال تجار السوق السوداء، ليرافقه انخفاض قيمة الدينار الليبي مقارنة بالعملات الأجنبية. حيث قفزت قيمة الدولار مقابل الدينار من 1.30 إلى ما يناهز الـ6.50 دينار مطلع عام 2017 مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع.
أزمة السيولة:
ويعزو الدلفاق مسببات أخرى للأزمة الاقتصادية منها، إهدار المال من قبل الحكومات المتعاقبة وعمليات تهريب الوقود والسلع إلى دول الجوار. إضافة إلى ارتفاع بند المرتبات لاعتماد الدولة على تصدير النفط. وعدم تطور القطاع الخاص أيضا بسبب الأزمة الأمنية.
ويرى الدلفاق أن عدم تطور القطاع الخاص؛ بسبب الحالة الأمنية، جعل من المواطن يعتمد اعتمادا كليا على الدولة. حيث بلغ بند المرتبات في آخر ميزانية رصدها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق 21 مليار دينار ليبي من أصل 37 مليار القيمة الإجمالية للميزانية المرصودة مشيرا إلى أن بند المرتبات قبل اندلاع الثورة بقليل كان يقارب 9 ميار دينار ليبي.
ويعتقد الدلفاق أن أزمة نقص السيولة هي أكثر الأزمات الاقتصادية شدة على المواطن ولها عدة أسباب إلا أن سسببها الرئيسي؛ عدم ثقة رأس المال في النظام المصرفي بسبب تردي الوضع الأمني.
أيادي عابثة:
إخفاق السياسية والساسة
ويرى المحلل السياسي محمود إسماعيل أن الثورة لم تحقق ما طمح إليه الشعب الليبي على الصعيد السياسي، فالانقسام السياسي وتعثر العملية الديمقراطية واضح للعيان؛ بسبب ما وصفها بـ”الأيادي العابثة الخارجية” التي ترى أن مصلحتها في عدم استقرار ليبيا، وفق تعبيره.
ويضيف إسماعيل في تصريحه لموقع ليبيا الخبر، أن الأطراف “الخارجية العابثة” لم تتوقف عن خلق الأزمات. ومنذ الإطاحة بنظام القذافي وهي تتحالف مع أطراف داخل البلاد لهذا الغرض الأمر الذي انعكس على الأرض من خلال الانقسام السياسي والصراعات التي لم تتوقف.
ويقول إسماعيل إن الأطراف الداخلية المتعاونة مع الخارج هم أتباع النظام السابق الذين فقدوا إمتيازاتهم بعد ثورة فبراير محاولين إفشال مشروع الثورة بشتى الطرق مستغلين الأموال الليبية المنهوبة خارج البلاد، وفق قوله.
نجاح جزئي:
ويعتقد إسماعيل أنه رغم كل هذه الأزمات إلا أن الثورة نجحت جزئيا في تحقيق البعض من الأهداف على الصعيد السياسي، منها إنهاء النظام الدكتاتوري، والمجئ بأجسام تشريعية وتنفيذية ورقابية. إلا أن ما يعرقل عملها هم السياسيين أنفسهم بسبب أدائهم السئ المبني على موروث فكري من النظام السابق.
عرقلة الأطراف السياسية:
ويرى المحلل السياسي جمال عبدالمطلب أن الثورة لم تحقق أي هدف على الصعيد السياسي؛ بسبب عرقلة العملية السياسية من قبل الأطراف السياسية المتصارعة ممثلة في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومن يتحالف معه غرب البلاد ومجلس النواب في شرق ليبيا ومن يتحالف معه.
ويضيف عبدالمطلب لموقع ليبيا الخبر، أن الحل لا يأتي إلا من خلال توافق هذه الأطراف والتوقف عن المزايدات والتعنت للوصول بالبلاد إلى بر الأمان.
آراء مواطنين:
ويقول أحمد محمد (تاجر 34 عاما من مدينة بنغازي شرق ليبيا) إن الذكرى السادسة لثورة فبراير تمر على ليبيا بمزيج من الألم وخيبة الأمل، فبعد التضحيات التي قدمها الناس خلال الثورة وما صاحبها من آمال بمستقبل أفضل للدولة تمر الذكرى السادسة على ليبيا وهي ممزقة وضعيفة.
أن الأمن مفقود، وحرية الرأي لم تعد مكفولة للناس، “أنت معرض للخطر هنا بسبب آرائك وأحيانا بسبب وشاية شخص ما لصالح جهة أمنية رسمية أو غير رسمية”
ويضيف محمد لموقع ليبيا الخبر، أن الأمن مفقود، وحرية الرأي لم تعد مكفولة للناس، “أنت معرض للخطر هنا بسبب آرائك وأحيانا بسبب وشاية شخص ما لصالح جهة أمنية رسمية أو غير رسمية”.
أدراج الرياح
ويتابع محمد : “في الحقيقة فقد الناس أملهم في تحسن الوضع الحالي، وجل ما يتمناه الناس الآن يتمحور حول الحياة الاقتصادية. أرباب البيوت يتمنون هبوط سعر الدولار وتوفر السيولة في المصارف واستمرار التغذية الكهربائية للمنازل، أما أحلامهم بالدولة القوية المتقدمة فقد ذهبت أدراج الرياح منذ العيد الثاني لثورة فبراير، والمجال لا يتسع للحديث عن الأسباب والمسؤولين والحلول، ولكن في المجمل الخروج من الأزمة يحتاج مشروعا قويا وشخصيات قيادية ولا أرى أن هذه الأمور متوفرة في وقتنا الحالي في ليبيا”.
مخاض عسير:
ويرى محمد امراجع (ناشط مدني 21 عاما) أن أهداف الثورة لم تتحقق بعد لأنها تمر بمخاض عسير وصراعات مستمرة مع أعداء قيمها الذين دمروا الدولة خلال أربعة عقود قائلا : “من الطبيعي أن يكون الطريق طويلا لتحقيق أهداف الثورة على الأصعدة السياسة والأمنيه والاقتصادية”.
ويؤكد امراجع لموقع ليبيا الخبر أن أهم هدف تحقق وهو الحرية والحياة المدنية “لدينا الآن عشرات القنوات والصحف والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني”
أمنياً يرى محمد أن الوضع الأمني هش. فبعض المدن تشهد صراعا مسلحا معربا عن تفاؤله بعد القضاء على الإهاب في كل من مدينتي سرت ودرنة وانضمام عدد من التشكيلات المسلحة الثورية لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، وفق قوله.
المصدر: ليبيا الخبر