من يزور تركيا ويرى مساجدها المبهرة، سيلاحظ انتشارها في كل زاوية من البلاد، وبالجانب أو بالمقابل منها يرى الحانات والنوادي الليلة، وعند رفع الآذان يخفض صوت الموسيقى في كل مكان، حتى تبدأ من جديد بعد انتهائه. مشهد للتصالح والتعايش أم للتيارين يسيران ضد الضد؟
المشهد يسبب الحيرة خاصة في المناطق التي ترى فيها النساء تتشح بالسواد الكامل، والرجال باللحى والعمامات، ومناطق أخرى يرتدي أهلها الملابس المنفتحة، بحيث أنك تبدأ بالتساؤل عن هوية الملامح الثفافية لهذا البلد.
الأتراك شرقيون أم غربيون؟
في لحظة حديثي مع الطالبة التركية أيسون -22 سنة- قالت: “لا يمكن التعميم والنظر إلى جميع الأتراك بنفس النظرة، فالأمر يختلف باختلاف المدينة التي ينشأ فيها التركي، فإن كان في الطرف الذي يحاذي الحدود السورية مثلًا، فإن ثقافته تكون أقرب للثقافة العربية المحافظة، وذلك بسبب القرب الجغرافي والمعاملات التجارية بينهم، مما أدى إلى اكتساب بعض الأتراك عادات شرقية مثل سكان أنطاكيا وماردين، في المقابل تجد سكان المدن الساحلية القريبة من السواحل اليونانية مثل إزمير وأنطاليا تكون ثقافة السكان هناك أقرب إلى الانفتاح ونادرًا ما تجد رموز دينية في تلك المناطق، وتعتقد أنها مدن أوروبية بكل المواصفات، لذلك البعد الجغرافي أساسي في تحديد الثقافة التركية وهذا ما يجعل تركيا مكانًا مختلفًا عن باقي الدول”.
أما ماليسا الكوسوفية من جذور تركية -28 سنة- تقول: “الثقافة التركية قد كونت لنفسها قالب خاص بها، وبذلك تعتبر إضافة في حد ذاتها”، وأكملت حديثها قائلة بأن “المجتمع التركي منقسم ثقافيًا بشكل سياسي، وبذلك يمكنك أن تفهم ثقافة كل فرد من انتمائه السياسي، مثلًا يمكنك أن تفهم أن الموالي لحزب العدالة والتنمية هم الشريحة المحافظة التي تتبع الدين في حياتها اليومية، ويبدو ذلك واضحًا من خلال مظهرهم الخارجي أيضًا، أما عن الشريحة الأخرى وهي تلك التي تتبع حزب الشعب الجمهوي التركي، وهو الحزب العلماني هنا في تركيا، الذي قام في السابق بمنع الناس من اعتمار العمامة والطربوش وروج للباس الغربي، كما منع المدارس الدينية والمحاكم الشرعية، أزال أيضا الألقاب المذهبية والدينية، واتخذ الدستور السويسري خلفية لقوانينه في البلاد. ومن هنا يمكن لك فهم الخلفية الثقافية لكل فرد من خلال انتمائه السياسي ببساطة”.
لا شرقي ولا غربي
وفي نفس الحوار القائم، بادرت دارن -21 سنة- قائلة: “السؤال هنا، لماذا علينا كأتراك أن يتم تصنيفنا على مقياس تلك الثقافات؟ لماذا نكون مجبرين على الدوام لاختيار ثقافة معينة شرقية أو غربية؟ لم لا يكون هناك ثقافة تركية منفردة بنفسها؟ شخصيًا، لا أفضل فكرة ربط نفسي بثقافة الآخرين، فثقافتي هو ما تأثرت به من العائلة والمدرسة ومحيطي الصغير والكتب التي قرأتها. لا أضع نفسي في دائرة مع الآخرين. فقط أدمج نفسي في ثقافة الإنسان، ومع الأسف عندما يتعامل الفرد بشكل راقي فإننا سرعان ما نشبهه بالأوروبي المتحضر. فأنا لا أعتقد أن أخلاق الإنسان وسلوكياته الحضارية لها علاقة بجنسيته”.
في نهاية الحديث، لابد من الذكر بأن الحيرة التي ستصيبك عند العيش هنا، ليس فقط بشأن الميول الثقافية لهذا المجتمع، إنما بشأن لغتهم التي تجمع بين العربية والفارسية والفرنسية أيضًا، وغنى مطبخهم الذي يحتوي أطباق شرقية، وخريطتهم الجغرافية التي يقع جزءًا منها في القارة الأوروبية، وجزء آخر في القارة الآسيوية، كل هذه الملامح تترك لك انطباع بأنه يمكنك أن تجرب وتختار طريقة العيش التي تناسبك هنا بسهولة.