علمونا بالعصايه .. ورضعونا الخوف رضاعة .!!
في ظل أحداث الربيع العربي، وما نشهدهُ من تحرر لإرادة الشعوب، و”تمرد” على شعور الخوف .. تعيدني الذكريات الى الوراء بعيدا، حيث مقاعد الدرس وتحديدا المرحلة الإعدادية، وتتمثل أمامي ككتاب مفتوح نقشت حروفه بمداد الخوف وأساليب القمع والاستبداد، والتي تزيدني إيمانا بأن الخوف والتردد تجاوز كونه شعورا الى كونه سياسة ممنهجه ..!!
ابتداءا من معلمة “التاريخ” حيث كانت تلزمنا بأن نحفظ الدرس ونغلق الكتاب ونرمي به أرضا جانب “الدرج” ثم تسألنا ونجيب غيبا .
المؤسف في الأمر، أن مادة التاريخ كانت تتناول الحرب العالمية الاولى والثانية وتبعياتها، والجزء الاكثر ازعاجا هي التواريخ التي لطالما سخطتُ عليها في داخلي لكنني بطبيعة الحال لم أكن لأجرؤ أن أعترض ..!!
لتأتي بعدها معلمة “الرياضيات”، حيث كانت تعتمد أسلوب (اللي تحل أول وحده إلها علامة)، والذي ظل السبب الرئيسي لعلاقتي السيئة بالرياضيات، فما أن اسمع هذه العبارة المشروطة حتى أُلقي بالقلم جانبا واضعة كفي تحت خدي، دون أية محاولة .!
لقد كان لهذه العبارة علاقة قوية بإثارة التوتر وفقدان التركيز وضياع الاجابة، فما كان مني ومن زميلاتي الا اختصار المسألة على أنفسنا وإلقاء القلم وأخذ استراحة ..!!
انتقالا الى الحلقة الأكثر رعبا، معلمة “الإنجليزي”، فبالإضافة الى كون مادتها الشبح الاكثر ترويعا للطلاب، هي الأخرى “ما قصرت” في ترويعنا، حيث كانت تفرض علينا نسخ قطعة الانجليزي 15 مرة، وكانت تتميز بقوة هائلة على إدراك تمام القطعه من نقصانها بالإضافة الى تمييز الخط ومعرفة فيما اذا كان هناك من أخذ عنك “شيفت” نسخ .!
والفصل الأكثر ترويعا كان حينما نرسب في الامتحان، حيث كانت تعتبر رسوبنا تفويضا لها بتعذيبنا، لتأمرنا بخلع “الجاكيتات” والنزول الى ساحة المدرسة والجلوس في وسط بركة ماء احدثتها الأمطار في ميلان الساحة، ثم تجلس هي في الصف وتنظر الينا ..!
المضحك في الأمر أننا دائما ما كنا نفوت عليها فرصة الاستمتاع بنشوة النصر، حيث كنا نقضي فترة جلوسنا في البركه ضحكا ولعبا .
وعلى الجانب الآخر، الشيء الذي يستفزني الآن كيف أننا 32 طالبه ولم تجرأ منا نصف طالبه على أن تذهب للإدارة وتستدعي المديرة أو تخبر ولي أمرها ..!!!
وترن في أذني كلمات الطبيب في المستشفى الميداني في رابعة العدوية حين قال :
“أوصل صوتي لميــــــــن ؟؟ وأشتكي لمــــــــــين ؟؟!”
مساعدة المديرة والتي كنا نرتجف لمجرد ذكر إسمها كانت مجرد ان تلمح طالبة منا حتى تصرخ : “شو صفك إنتي ؟!” ثم لا تنتظر الإجابة، لتعاود الصراخ “إنقلعي ع صفك” “مع فركة إذن ولخمه ع الراس” .. فكيف سنشتكي لها ؟!
أما مديرة المدرسة فهي مشروع استبداد كامل الأركان، ولقد أمضيت مرحلتي الإعدادية أطالب بإسقاطها سرا قبل ان تعرف الشعوب كلمة الإسقاط ..!
حلّ الشتاء ونافذة الصف مكسورة، وبعد ان يئسنا من اصلاحها من قبل الإدارة وبعد أن لجئنا لأن نجلس مشرف العلوم عند النافذه لعل الـ “سقعه” توصل صوتنا من خلاله للإدارة وفشلنا، لجئنا لأسلوب “الإضراب”، ورغم أن الفكرة لم تكن فكرتي إلا أن حماسي لها “جاب آخرتي”، حيث ظنت مديرة المدرسة أنني من دعا للإضراب واستدعت ولي أمري وحولتُ بعدها لغرفة الإرشاد التربوي لتمارس المرشدة هي الأخرى دورها في غرس الخوف في نفسي، ناهيك عن ضغط الاهل والذي جاء كردة فعل لضغط مديرة المدرسة وبثها للمخاوف وتبعيات تلك الأفعال.
تلك الذكريات لم اسردها لمجرد السرد، بل لأؤكد على ما اصبحت أؤمن به اليوم، أن زراعة الخوف وممارسة الاستبداد سياسة ممنهجة ونظام تعليم تحرص أنظمتنا كل الحرص على غرسه في نفوس مواطنيها، وللاسف الشديد .. فشلت سياستهم وفسد زرعهم وما نراه اليوم خير شاهد ودليل .