حوّل متظاهرون في السويداء جنوبي سوريا ساحةَ الاعتصام (السير/ الكرامة) إلى منتدى ثقافي، في إطار الاحتجاجات الشعبية السلمية التي ينظّمها أبناء المحافظة بشكل يومي منذ ثلاثة أسابيع، للمطالبة برحيل نظام الأسد عن السلطة وتطبيق قرار الأمم المتحدة 2254.
ويواصل المحتجون من مختلف الفئات العمرية وسط مشاركة نسائية الاعتصام في ساحة الكرامة في مدينة السويداء حتى ساعات الليل المتأخرة، يتبادلون خلال حضورهم الاحتجاجي مواضيع ثقافية وفنية وسياسية منها غنائية، في إطار الاحتجاجات السلمية.
كما يقوم المتظاهرون بكتابة لوحاتهم وتخطيط مطالبهم على أوراق كرتونية في ساحة الاعتصام، ويوثّقون لحظات الحرية التي ينشدونها في كافة تحركاتهم ونشاطاتهم، وسط مواصلتهم للحراك السلمي رغم غياب الاستجابة الحقيقية للمطالب.
وتنوعت النشاطات في ساحة الكرامة مع دخول الاحتجاجات أسبوعها الرابع، في وقت يواظب أبناء المدينة على احتجاجاتهم السلمية حتى تحقيق مطالبهم، وعلى رأسها إسقاط نظام الأسد وتطبيق القرار الأممي الخاص بالحل السياسي في سوريا، كما أوضح كامل بربور عضو الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في السويداء.
وقال بربور خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن المحتجين يتبادلون الجوفيات المصاغة محليًّا (الرقص المدروس المتقن والغناء الجماعي المتناوب)، ومجموعات غنائية وفنية شبابية ونسائية تصدح وتعبّر بفرح عمّا يجول داخلهم، بعدما عانوا ما عانوه منذ عشرات السنين في ظل سطوة نظام الأسد”.
وأضاف: “إن النشاطات الثقافية القائمة في ساحات الاعتصام في المدينة الريف على الموروث الشعبي بمختلف أشكاله، تنمّ عن حضارة الاحتجاجات السلمية وإصرار المحتجين على مواصلة احتجاجاتهم الشعبية بشكل سلمي، لكن بطرق مختلفة حتى تحقيق المطالب”.
مشاركة عائلية في الاحتجاجات
شكّلت مشاركة كافة الفئات العمرية في تظاهرات السوريين في محافظة السويداء، من كبار السن والشباب والأطفال من كلا الجنسَين ذكورًا وإناثًا، حالة فريدة، تشير إلى سقف الحرية الذي وصل إليه الأهالي، بعدما عاشوا خلال سنوات في طرق مسدودة في ظل السطوة الأمنية المحكمة التي يتّبعها نظام الأسد على شعبه.
ومع تجاهل نظام الأسد لوقع الاحتجاجات وعجزه عن توفير الاحتياجات الأساسية وانعدام أي قرار بالتغير أو التطوير أو الإصلاح، كان الشارع يشهد ارتفاعًا ملحوظًا في الأصوات وسط تنوع المشاركين من مختلف شرائح المجتمع السوري، حيث كان للنساء حضور لافت إلى جانب الأطفال، والرجال من مشيخة العقل وتجمع العشائر وشخصيات من جميع الطبقات كبارًا وشبابًا وصغارًا، الكل نادى بمطالبه الجريئة الاقتصادية والسياسية.
وأوضحت أماني (اسم مستعار) الناشطة في الحراك السلمي في السويداء، خلال حديثها لـ”نون بوست”: “المشاركة الكبيرة بالمظاهرات تكشف تأثُّر كافة الأعمار والأطياف بسياسة الاستبداد والطغيان على مرّ السنين من قبل نظام الأسد، حيث لم تسلم النساء من سياسة الإقصاء والتمييز وعدم المساواة، كما أن كبار السن بيّنوا أثر سياسة القمع التي مورست بحقهم وزراعة الخوف من قول كلمة الحق التي يكون الرد عليها الاعتقال دائمًا، وراحوا ينادون بالحرية لكيلا يعيش أولادهم ما عاشوه من ظلم وقهر”.
وأضافت: “إن جيل الشباب الذي عاش فترة الـ 12 عامًا الماضية علمَ ما معنى أن يسلَب المرء حقه ويباع دون علم منه، ويجهض أمله ليصبح حلمه الهجرة عن بلده التي لم تحتضنه، بينما أظهر الأطفال رغبتهم في رسم طريق لمستقبل حدوده الأمان وكسر هاجس الخوف، فلم يجدوا أنسب من الشارع لإيصال مطالبهم الى العالم، وتحديدًا ساحة الكرامة، فانتفضوا واجتمعوا واستمرو ليكون الشارع منبرًا لصوت الحقيقة الحرة، ولن يقبلوا المساومة بها إطلاقًا”.
مطالب شعبية
لم يترك السوريون في محافظة السويداء أيًّا من أساليب الاحتجاجات السلمية المتاحة أمامهم، بينما كانت حناجرهم تصدح بالمطالب في الساحات والشوارع، يحاولون إيصال صوتهم المطالِب بالحرية ورحيل نظام الأسد بأبهى صورة ممكنة، يعبّرون عن مطالبهم كما فعل السوريون جميعهم خلال سنوات مضت، كانوا فيها وقود حرب أشعلها نظام الأسد.
وتركّزت مطالب المحتجين خلال الأسابيع الماضية حول ما يلي:
- رحيل نظام الأسد عن السلطة.
- تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي السلمي للسلطة.
- الإفراج عن المعتقلين من السجون والمختفين قسريًّا.
- تحقيق العيش الكريم للسوريين.
- بناء دولة القانون والمواطنة بعيدًا عن التسلط والقمع الأمني السلطوي.
وقال مدير مركز إعلام الانتفاضة في السويداء مرهف الشاعر، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن التظاهرات تزداد بوتيرة متسارعة، وتشمل كامل شرائح المجتمع ومكوناته، من الطلاب والموظفين والجامعيين، وسط إصرار حتى تحقيق المطالب، إذ أصبح الشارع جزءًا من حياة الناس في السويداء”.
وأضاف: “إن الانتفاضة الحالية استمرار للثورة السورية منذ انطلاقتها عام 2011 ضد سلطة الاستبداد، وأسقطت ذرائع نظام الأسد لأنها أقسى عليه من الحرب كونه دائمًا يسعى لميدان العنف والتدمير، في حين الصوت السلمي هو مدخل حقيقي للتغيير، بالأخص بعد تجربة التدمير التي عاشها الشعب السوري، وهذا ما يصرّ عليه السوريون بمختلف مكوناتهم”.
وأوضح أن الإضراب والعصيان المدني ما زالا حاضرَين في السويداء، لكنه بشكل جزئي حتى لا يضرّ بمصلحة الأهالي، حيث لم تتوقف القطاعات الخدمية عن العمل كالصحة والتعليم والأفران، وذلك من خلال حمايتها ومتابعتها من قبل لجان محلية وأهلية، في حين ركزت على إقفال مؤسسات البعث.
وأشار إلى أن نظام الأسد عمل على التذرع بالانتفاضة لإقفال المؤسسات، بهدف تشويه صورة الاحتجاجات الشعبية، إلا أن الانتفاضة الشعبية أصدرت بيانًا أوضحت فيه عدم مسؤوليتها عن إغلاق أية مؤسسة خدمية.
موقف نظام الأسد من الاحتجاجات
بات نظام الأسد متمسكًا بموقفه دون اعتراض مباشر على الاحتجاجات الشعبية السلمية التي تشهدها محافظة السويداء جنوبي سوريا، كما فعل في عدة مدن سورية منذ اندلاع الثورة السورية خلال عام 2011، التي واجهها بقبضة أمنية وطالتها الحرب بفعل آلته الإجرامية.
وفي حالة السويداء يسعى لتشويه الانتفاضة الشعبية عبر وسائل الإعلام من خلال وصف المحتجين بمجموعة “خارجة عن القانون”، فضلًا عن إرسال رسائل مبطنة فيها من الوعيد والتهديد بما يكفي للحدّ من وقع الاحتجاجات الشعبية، سواء بشكل مباشر عبر أبواقه الإعلامية أو غير مباشر من خلال مواصلة اتصاله مع بعض الشخصيات في السويداء.
ويرى كامل بربور أن نظام الأسد يستخدم وسيلة التهديد والوعيد عبر اتصالاته المستمرة مع مريديه في السويداء، بهدف إحداث انقسام في الشارع المناهض لسلطته، لكن محاولاته ضاعت سدى، ولم تصل الرسالة مباشرة، في حين الأهالي والمظلة الدينية يأخذان الحيطة والحذر من هذه المواقف، مؤكدًا على وجود محاولات لإدارة الانتفاضة تعاونيًّا بين الهيئات السياسية الموجودة على الساحة والمظلة الدينية الممثلة بمشيخة العقل الأول.
بدوره، أوضح مرهف الشاعر أن نظام الأسد يعمل على تشويه الانتفاضة الشعبية عبر وسائل الإعلام وتخوين القائمين عليها، مستندًا على حجّة “المؤامرة الكونية”، كما يعمل على تحجيم الانتفاضة وربطها بالجوع، فضلًا عن ضرب العمق الوطني مع بقية المحافظات السورية الثائرة بخطاب طائفي، واتهامات لعشائر البدو من المكون السنّي بأنهم سلفيون ويتعاونون مع الدروز والمسيحيين بالسويداء.
وأوضح “أن بعض المؤشرات ترجّح احتمالية وقوع الصدام المفتوح وبالأخص استخدام العنف أو إدخال عناصر “داعش” المصنَّعين أمنيًّا لضرب مناطق الريف أو المدينة في السويداء، كما فعل عام 2018، بهدف ترهيب أهالي المحافظة، لا سيما أن بعض الأبواق الإعلامية هددت بشمّاعة “داعش” وإحداث فتنة بالسويداء”.
وفرض نظام الأسد قبضة أمنية في عموم المحافظات الواقعة تحت سيطرته بعدما شهدت نشاطًا احتجاجيًّا محدودًا خلال الأسابيع القليلة الماضية، تزامنًا مع احتجاجات السويداء التي انتفضت عقب رفع الأجور وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لدى أكثر من 90% من السوريين.
وتمثّل الاحتجاجات الشعبية السلمية في محافظة السويداء موقف معظم السوريين الذين يطالبون برحيل نظام الأسد عن السلطة في عموم الأراضي السورية، بعدما أوصل البلاد إلى حالة يرثى لها في ظل تمسكه بالسلطة، بينما يصرّ أبناء الجبل والسهل على مواصلة الاحتجاجات حتى إسقاط نظام الأسد وتحقيق الحرية الموعودة.